مقال رأي- مياه للبيع.. مياه للبيع!
15:32 - 29 ديسمبر 2022أين نجد الماء؟ قد يبدو السؤال ساذجا من الوهلة الأولى.. أليس كذلك؟
فأكثر من 70 بالمئة من سطح الأرض مغطى بالمياه.. هذه المعلومة نعرفها منذ نعومة أظافرنا في المدرسة.
لكن ما لم ندرسه هو أن العالم يواجه ندرة في المياه.
نعم كما قرأت هناك ندرة في المياه التي يحتاجها البشر.
إذا نظرنا لنوع المياه الموجودة على سطح الأرض سنجد الآتي:
* 97 بالمئة عبارة عن مياه مالحة توجد في البحار والمحيطات، ولا تصلح للزراعة أو الشرب والاستخدام في أغلب الصناعات.
* 3 بالمئة فقط عبارة عن مياه عذبة.
وإذا اقتربنا أكثر من تشريح المياه العذبة سنجد:
* 5 بالمئة من إجمالي المياه في العالم عبارة عن مياه عذبة محبوسة في الأنهار والجبال الجليدية القطبية أو تقع على أعماق بعيدة في باطن الأرض تجعل استخراجها غير مجدٍ اقتصاديا.
* وأقل من 0.5 بالمئة فقط من إجمالي المياه على سطح الأرض المتاح لاستخدام البشرية، يمكن العثور عليها في الأنهار والبحيرات والمياه الجوفية.
تخيل معي لو أن الأرض بها 100 لتر من المياه فقط.. فالمياه العذبة المتاحة لاستخدام البشر لا تتجاوز 3 غرامات أو نصف ملعقة شاي.. أو ما يعادل نصف عبوة كاتشب التي تحصل عليها مع شطائر البرغر!
الذهب الأزرق يتبخر.. أغلق الصنبور وفر قطرة ماء!
الطاقة والمياه
من دون المياه.. لا توجد طاقة، فمثلا إنتاج غالون واحد من البنزين الذي يشغّل محرك سيارتك، يستهلك بين 3 إلى 6 غالونات من المياه. (الغالون= 3.78 لترات).
وإنتاج الطاقة لتوليد الكهرباء أو استخراج النفط الخام، يتطلب استهلاك نحو 19 بالمئة من المياه العذبة حول العالم، وذلك لأنه لا يوجد بديل للماء في هذه الصناعة.
الغذاء والمياه
إذا كنت من محبي الخبز، فإعداد شريحة منه بداية من زراعة القمح وحتى المنتج النهائي، يحتاج 26 لترا من المياه.
لذلك نجد أن قطاع الزراعة هو المستهلك الأكبر للمياه العذبة على سطح الأرض بحصة تصل إلى 70 بالمئة بما في ذلك تربية المواشي.
وحتى يصل رغيف الخبز إليك أو بالأحرى كل سلسلة إمداد قطاع الغذاء فإنه يستحوذ على 30 بالمئة من استهلاك الطاقة العالمي، التي تأتي في شكل الطاقة اللازمة لإمداد مياه الري والوقود المستخدم في آليات الزراعة والشحن.. إلخ.
ذرة أكسجين وذرتان من الهيدروجين..
إذا كما نرى فإن العامل المشترك هو المياه..
فلا حياة من دون غذاء، ولا غذاء من دون مياه، ولا مياه من دون طاقة.. ولا طاقة من دون مياه.. هكذا وبكل بساطة.
علاقة ارتباط وضعت نفسها محورا أساسيا في استراتيجيات التنمية المستدامة للدول.
فرصة الندرة
لطالما كانت مصادر المياه العذبة أهم مورد طبيعي، والندرة جعلتها سببا في النزاع بين البشر.
ولأن كل شيء يمكن أن يباع ويشترى.. فإن الندرة ساهمت كذلك في أن يكون للماء سوق منظم، على غرار أسواق النفط والذهب.
ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال، أصبحت هناك عقودا مستقبلية للمياه يتم التداول عليها في بورصة وول ستريت، كل عقد يمثل 1 هكتار قدم من المياه، أو ما يعادل نحو 1.5 مليون لتر من المياه.
سعر هذه العقود يتحرك وفقا لقوى العرض والطلب، أو بالأحرى الأسعار تعبر عن حالة توفر المياه.
وأبلغ مثال على ذلك، الارتفاع القياسي لأسعار هذه العقود في سبتمبر الماضي عند 1282 دولارا بعد أن كانت أسعارها عند 371 دولارا عندما أُطلقت هذه العقود للمرة الأولى في ديسمبر 2018، وكل ذلك بسبب حالة الجفاف الشديد التي ضربت بعض المناطق.
صحيح الندرة خلقت الفرصة.. لكن تبقى قطرة الماء أغلى من الذهب.