مقترحات سقف سعر النفط الروسي بين حسابات الربح والخسارة
13:59 - 28 نوفمبر 2022أرخت التقلبات الحادة التي شهدتها أسعار خامات النفط في تعاملات الأسبوع الماضي بفعل مخاوف نقص الطلب، بظلالها على مناقشات الاتحاد الأوربي التي فشلت في التوصل إلى اتفاق حول تحديد سقف لسعر النفط الروسي المنقول بحراً، انطلاقاً من حسابات الربح والخسارة لجميع الأطراف جراء هذه الخطوة التي يصعب التكهن بكيفية تأثر أسواق النفط بها.
والمناقشات تمحورت حول فرض سقف سعري على النفط الروسي ضمن أسعار السوق بحيث يسمح السقف باستمرار تدفق النفط الروسي دون انقطاع إلى الأسواق العالمية لكن تتفاوت الآراء حول السعر ضمن صفوف الاتحاد الأوربي، إذ ترى دول البلطيق وأوكرانيا وبولندا أن مقترح مجموعة السبع الذي يتراوح بين 65 و70 دولاراً للبرميل يعد مرتفعاً جداً، حيث تريد هذه الدول فرض سعر عند مستوى 30 دولاراً، بحجة أنه مع تكاليف الإنتاج الروسية التي يقدرها البعض بنحو 20 دولارا للبرميل، فإن اقتراح مجموعة السبع سيتيح لموسكو ربحاً كبيراً.
فاتجاه تحديد سقف سعر النفط الروسي لن يزيد الأسواق إلا اضطراباً وسيتسبب في إحداث فوضى مؤقتة فيها، بحسب عامر الشوبكي مستشار الطاقة الدولي، الذي أكد أن نتائج هذه الخطوة لن تؤتي ثمارها المتوقعة من قبل وزارة الخزانة الأميركية ومجموعة السبع أو حتى من الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً أنه لم يتم الاتفاق بين الأوروبيين حول السقف نتيجة الخلافات وفقاً لحسابات الربح والخسارة لكل دولة.
ويشرح الشوبكي لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن بولندا التي تعترض على سقف سعر 70 دولاراً تراه سخياً للروس وأعلى من الأسعار المقدرة الآن، بينما اليونان التي تستفيد بنيتها التحتية من سفن الشحن بنقل النفط الروسي تعترض على أسعار أقل من 65 دولاراً تخوفاً من عدم استخدام أسطولها في نقل النفط الروسي عند فرض سقف متدن.
ويضيف للشوبكي: "إن عدداً من المؤسسات والمنصات التي تراقب أسعار النفط العالمية مثل منصتي Argus وS&P global، تشير إلى أن خام الأورال الروسي يباع في الأسواق عند 52 دولاراً للبرميل، وبالتالي لن يكون هناك تأثير على الجانب الروسي عند نقل نفطه وحتى الدول التي تستورد النفط الروسي لن تتأثر أيضاً بتحديد السقف وستستمر في شراء النفط على المديين المتوسط والقريب وما يعني أن هذه العقوبات لن تحقق النتائج المرجوة من الجانب الغربي في تخفيض إيرادات روسيا النفطية".
ورداً على سؤال فيما إذا ارتفعت أسعار النفط فوق 100 دولار للبرميل أجاب مستشار الطاقة الدولي الشوبكي: "سيكون هناك بعض الخسائر الطفيفة على الجانب الروسي خاصة بعد تنفيذ العقوبات في الخامس من ديسمبر بالتزامن مع فرض السقف السعري، كما ستكون هناك خسارة أيضاً على الجانب الأوروبي باعتباره سيدفع ثمناً إضافياً لشحنات النفط المستوردة بديلاً عن النفط الروسي ما بعد الخامس من ديسمبر، إذا أن جزءاً من النفط الروسي كان يصل إلى أوروبا عبر خط دروجبا الشمالي وبالتالي فإن تكاليف النقل لا تقارن مع تكاليف الشحن عبر الناقلات من الشرق الأوسط مروراً بـ قناة السويس حتى البحر المتوسط والقارة الأوروبية".
بينما مع الأسعار الحالي للنفط في الأسواق العامية، وفقاً للشوبكي، فإنه "بالنسبة لحسابات الربح والخسارة لن يتأثر الجانب الروسي بل على العكس ربما تحقق روسيا بعض المكاسب لأن تحديد السقف المقترح قد يدعم المركز التفاوضي لروسيا بالنسبة للتخفيضات التي تجريها لبيعها لعملائها خاصة في الهند والصين وتركيا أكبر مستوردي النفط الروسي، لكن هذا المشهد قد يتغير كلياً وخصوصاً مع تغير السقوف السعرية، حيث رشح عن الجهات التي ستفرض العقوبات على النفط الروسي أنه سيتم تغيير السقوف السعرية كل ثلاثة أشهر".
من جهته، يقول الخبير الاقتصادي وضاح الطه: "تحديد سقف لسعر النفط الروسي موضوع صعب التنفيذ ومتشعب جداً وينطوي على تحد كبير لدول الاتحاد الأوروبي الذين فشلوا في الاتفاق على السعر، حتى أن السعر المقترح بين 65 و70 دولاراً للبرميل يزعج الرئيس الأوكراني الذي يرغب بفرض سعر بين 30 و40 دولاراً للبرميل، واذا وضعنا جانباً الجانب القانوني والأخلاقي لمثل هذا القرار وخرقه لمبادئ التجارة الدولية، فإن حجب بين 5 إلى 6 مليون من صادرات النفط الروسي عن الأسواق عملية ليست بهذه السهولة من الناحية الاقتصادية، وخصوصاً أن روسيا بدأت إجراءات احترازية بإعطاء خصم استثنائي كبير للهند والصين حيث يستمر تدفق صادرات النفط الروسي إلى هذين البلدين اللذين يعدان من أكبر الدول المستهلكة للنفط الخام في العالم".
ويتساءل الطه في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" عن مدى قدرة أوروبا على تحمل نقص النفط في الأسواق والذي سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار، لا سيما وأن (أوبك بلس) من الصعب أن تتخلى عن روسيا كعضو أساسي في هذا التجمع الكبير ولن ترفع الإنتاج في حال تقلص إنتاج النفط الروسي، مشيراً إلى أن تبعات فرض السقوف ستنعكس على جيب المواطن الأوروبي من خلال ارتفاع معدل التضخم وانخفاض القيمة الشرائية لليورو وبالتالي تأثر ميزانية الفرد الأوروبي.
ونوه الخبير الاقتصادي الطه إلى التعامل الأوروبي المزدوج في ملفي الطاقة والغذاء قائلاً: "أوروبا ترغب بزيادة تصدير الحبوب الروسية والأوكرانية ومن باب آخر تفرض عقوبات على النفط الروسي، فهذه المعادلة لا يمكن أن تصح وبالتالي يجب أن يكون هناك حلاً شاملا وتكاملياً للملفين، وأعتقد أن همة أوروبا تجاه دعم العقوبات على النفط الروسي سوف لن تستمر مع ما يشهد الفرد الأوروبي وخصوصاً خلال الشتاء من انخفاض حصته من الطاقة إضافة إلى تكلفتها المرتفعة وهو ما قد يؤدي إلى خلق نقمة في الشارع تترك أثراً كبيراً على الحكومات الأوروبية.