الجزائر وفرنسا و"جدل الاعتذار".. غموض يكتنف لجنة الذاكرة
09:01 - 12 أكتوبر 2022تركت الزيارة الأخيرة التي قادت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن، إلى الجزائر رفقة 16 وزيرا من الحكومة الفرنسية، دامت يومين من 9 إلى 10 أكتوبر، نقاشاً واسعا بين المؤرخين الجزائريين، بشأن مستقبل لجنة الذاكرة المشتركة.
ويبدو أن الجانبين سواء الجزائري أو الفرنسي يواجهون صعوبة في اختيار أعضاء اللجنة، بما يعكس تعقيدات الملف، رغم بوادر حسن النية المعلنة، والخطوات الجادة باتجاه إحداث نوع من المصالحة مع الماضي، من أجل تعزيز التعاون الاقتصادي.
وعلى الصعيد السياسي فقد وصفت الزيارة بالتاريخية، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة صراحة، مشيرا إلى فتح صفحة جديدة بين البلدين.
مؤرخو الجزائر والاعتذار
وتتعامل البلدين بكثير من السرية فيما يخص الأسماء المقترحة للمشاركة في اللجنة المشتركة المكلفة بالذاكرة، منذ أن تحدث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لأول مرة عن المشروع خلال زيارته إلى الجزائر أغسطس الماضي.
وأمام هذه الحالة، طفت على السطح في الجزائر العديد من الأسئلة أبرزها: "هل فكرة تشكيل اللجنة بالنسبة لفرنسا جزء من سياسة الهروب إلى الأمام لكسب مزيد من الوقت، ومن يستطيع في الجزائر من المؤرخين أن يسقط مطلب الاعتذار من أجل فسح المجال لمصالحة تاريخية شاملة؟"
في هذا الصدد، يستبعد المؤرخ الجزائري خالد عبد الوهاب قدرة البلدين على تشكيل اللجنة الخاصة بالذاكرة في الوقت الحالي، رغم ما يحمله الخطاب السياسي من حديث عن خروج قريب لهذا الملف من حالة "الستاتيكو".
وقال عبد الوهاب لموقع "سكاي نيوز عربية": "هناك فجوة كبيرة حول مفهوم التاريخ المشترك بين البلدين، ففرنسا لها وجهة نظر خاصة في التعامل مع ماضيها الاستعماري في الجزائر على عكس باقي الدول، بينما تواجه الجزائر مشكلة كبيرة مع الرأي العام الشعبي الذي يضغط على المؤرخين بشكل مباشر لعدم التنازل على مطلب الاعتذار".
وترفض فرنسا مسألة الاعتذار، وترى فيه مطلبا جدليا تجاوزه الزمن يندرج في خانة النقاش السياسي، بينما يشدد الغالبية في الجزائر على أن تتقدم فرنسا باعتذارها رسميا للجزائر عن جرائمها خلال الحقبة الاستعمارية.
ويرجع المؤرخ الجزائري هذا التأخر والغموض حول الكشف عن أسماء المؤرخين إلى مسألة "الاعتذار"، مشيرا إلى أن عدم الوصول إلى توافق في هذه النقطة، ينذر بفشل شامل لمشروع المصالحة التاريخية التي يتم الترويج إليها. وهو ما يدفع بعدد كبير من المؤرخين الجزائريين لرفض الانخراط في مشروع اللجنة المشتركة.
مؤرخو فرنسا وعقلية المستعمر
من جهته، يرى المؤرخ والمجاهد الجزائري عيسى قاسمي أن الاهتمام بموضوع الذاكرة قد تأخر كثيرا من الجانب الجزائري أيضا.
وقال قاسمي لموقع "سكاي نيوز عربية": "لقد حان الوقت لمواجهة المؤرخين الفرنسيين بالحقائق".
واعتبر الباحث الجزائري أن الذاكرة المشتركة بين الجزائر وفرنسا تشمل 132 عاما وأكثر، وهي تعكس جوهر مواجهة شرسة لم تتوقف طيلة تلك الفترة.
ويرى المؤرخ الجزائري أن المشكلة الكبرى تتعلق في عقلية القادة والمؤرخين الفرنسيين على وجه الخصوص، من الذين لم يتخلصوا بشكل كامل من العقلية الاستعمارية والنظرة العنصرية تجاه الجزائر، رغم التصريحات ومبادرات حسن النوايا.
وقال المجاهد الجزائري: "لقد جاءت فرنسا بنية إبادة الشعب الجزائر وهذا باعتراف ضباط فرنسا وقادتها خلال الاستعمار، وللأسف هناك عدد كبير من المؤرخين الفرنسيين ينكرون أن الجزائر كانت أمة وأن الشعب قاوم المستعمر ببسالة، سيحاولون بكل الطرق تشويه التاريخ والتقليل من قيمة ونضال الشعب الجزائري".
تداعيات على الاقتصاد
واختتمت زيارة بورن بالتوقيع على 11 اتفاقية تعاون بين الحكومتين الجزائرية والفرنسية مست عددا من القطاعات في مجالات الصناعة والتكنولوجيا، والمؤسسات الناشئة والابتكار، والفلاحة، والتعليم العالي والبحث العلمي، والعمل والتشغيل، والسياحة والصناعة التقليدية.
ويرى الخبير الاقتصادي الجزائري عبد الرحمن هادف أن "فرنسا اليوم لم تعد فرنسا الأمس، وهي تعيش تحت ضغط داخلي وخارجي، كما أن جزائر اليوم لم تعد جزائر الأمس".
وقال الخبير الاقتصادي لموقع "سكاي نيوز عربية": "ملف الذاكرة أصبح يزعج فرنسا أكثر من أي وقت مضي، بالنظر إلى الضغوطات الكبيرة التي يواجهونها".
وأضاف: "فرنسا تتدارك بأن الاتفاقيات التي تم توقيعها يجب أن تتجسد في أجل أقصاه سنتين، خاصة تلك التي تتعلق بمجلات الطاقة المتجددة واقتصاد المعرفة والصناعات الصيدلانية، وهي لن تقبل بتضييع كل فرص الاستثمار في الجزائر بسبب ملفات الذاكرة".