خبراء: نقص الطاقة يضع وحدة أوروبا تحت رحمة الطقس
14:53 - 28 سبتمبر 2022يرى خبراء طاقة أن تحذيرات المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول من أن تؤدي أزمة الطاقة إلى تحطيم وحدة أوروبا، ليست غريبة بسبب التحديات التي تواجه القارة العجوز خلال فصل الشتاء وحاجتها الكبيرة لإمدادات إضافية من الغاز، مؤكدين أن نقص الطاقة يضع وحدة أوروبا تحت رحمة الطقس، إذ أنها يمكن أن تتجاوز الأزمة والاضطرابات الاجتماعية المتوقعة بسببها إذا جاء الشتاء معتدلاً وغير طويل.
وبيرول الذي يخشى من "سيناريو الغرب المتوحش" إذا قيدت الدول الأوروبية تجارتها أو توقفت عن التعاون مع جيرانها بسبب مخاوف من نقص الوقود هذا الشتاء، جاءت تصريحاته على هامش منتدى العمل العالمي للطاقة النظيفة الذي انعقد مؤخراً في بيتسبرغ بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأميركية.
ويوضح الخبير الاقتصادي حسين القمزي، أن فاتح بيرول يتحدث عن سيناريو مروع ليس من الضروري أن يحدث، وخصوصاً أن تحذيراته جاءت بعد ورود أخبار تفيد بأن النرويج التي تعد أكبر منتج للغاز في أوروبا (وهي ليست عضواً في الاتحاد الأوروبي إلا أنها ترتبط بشكل وثيق مع الاتحاد من خلال عضويتها في المنطقة الاقتصادية الأوروبية)، قد توقف تصدير الغاز إلى جيرانها، لتحمي صناعتها من ارتفاع الأسعار، معتبراً في الوقت ذاته أن مخاوف النرويج مبررة، لأن محدودية الإمدادات الروسية ضاعفت الأسعار ما تسبب في الضرر للأفراد والشركات وبخاصة قطاع الصناعات التحويلية.
ويشير القمزي في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن تضاعف فواتير الكهرباء دفع الشركات في الصناعات الرئيسة إلى خفض النفقات وإرسال العمال في إجازات مفتوحة، في حين لجأت بعض الدول مثل إسبانيا وألمانيا إلى تقديم الدعم المالي للصناعات لتتمكن من مواجهة الوضع الراهن مع رهانها على عامل الوقت والذي تعتبره التحدي الأكبر لتجاوز الأزمة، فضلاً عن أن بعض الدول التي تخلت في السابق عن الوقود الأحفوري والطاقة النووية مثل ألمانيا أعادت فتح محطات الفحم والمواقع النووية المغلقة وتأميم شركات المرافق لإنقاذها من الإفلاس.
سلاح الطاقة.. ورقة بوتين الرابحة ضد الغرب
وأمام الأوروبيين حالياً خياران: الأول زيادة المعروض من الغاز المورد إلى القارة، والثاني تقليل الطلب، بحسب القمزي، الذي أوضح أن "محاولة حل الأزمة من جانب العرض تأتي مصحوبة بتحدي الوقت، إذ تتطلب زيادة تدفقات الغاز الطبيعي من دول أخرى غير روسيا بناء المزيد من خطوط الأنابيب، بينما يعني استيراد المزيد من الغاز الطبيعي المسال إنشاء محطات مخصصة في أوروبا يمكنها إعادة تحويله، وهي عملية يمكن أن تستغرق من سنتين إلى خمس سنوات.
ويضيف الخبير الاقتصادي القمزي أن صعوبة الخيار الأول تكمن في ضرورة التعامل مع تقليل الطلب حيث يتطلب ذلك رفع الأسعار وتحديد درجات التدفئة (في ألمانيا 18 درجة مئوية) وإطفاء الأنوار في مكاتب الحكومة واللافتات الضوئية، إلى جانب إجراءات أخرى، فاقتراب فصل الشتاء سيزيد الطلب على الغاز والتوقعات تشير إلى أن أوروبا ستتجاوز أزمتها إذا جاء الشتاء معتدلاً".
وفي حديثه عن السيناريو الأسوأ لأزمة الطاقة يشير القمزي إلى أن الأزمة يمكن أن تدفع قطاعات كاملة من الصناعة التحويلية في أوروبا إلى الإغلاق الكامل ما يؤدي إلى تدمير الاقتصادات مع موجة من انتشار البطالة وارتفاع الأسعار ما يرجح حدوث اضطرابات وانقسامات بين الدول الأوروبية ومطالبات اليمين بالتعامل مع روسيا بطريقة مختلفة وإنهاء العقوبات.
من جانبه يقول مستشار الطاقة الدولي عامر الشوبكي لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "تحذيرات فاتح بيرول ليست جديدة على ساحة الطاقة الأوروبية، وأعتقد أن وحدة أوروبا ستكون تحت رحمة الطقس خلال فصل الشتاء المقبل إذا ما كان طويلاً أو شديد البرودة حيث ستحتاج إضافة إلى مخزونات الغاز الموجودة لديها إمدادات إضافية، وهذا الأمر ربما سيكلفها توقيف بعض الصناعات وإطفاء إنارة الشوارع".
وحتى مع الإجراءات التي اتخذتها بعض الدول الأوروبية في وضع سقوف عليا لأسعار الطاقة كما حدث في بريطانيا مثلاً فهذا الأمر سيحمل تبعات اجتماعية خطيرة، ومنها انطلاق الاحتجاجات خلال فصل الشتاء في بعض الدول الأوروبية التي لن تستطيع أن تغطي فواتير التدفئة للأسر، والتي من المؤكد أنها سترتفع ما يعني أن الأسر أمام خيار "eat or heat" الطعام أو التدفئة ما سيولد اضطرابات اجتماعية، وفقاً للشوبكي.
وما يزيد المشهد الأوروبي تعقيداً، يلفت مستشار الطاقة الدولي إلى أن "بعض الدول الأوروبية مثل هنغاريا والتشيك لا تؤيد إجراءات الاتحاد الأوروبي في فرض الحظر الكامل على النفط الروسي في الخامس من ديسمبر المقبل، وفي حال تم الحظر فربما تهدد روسيا بحظر الغاز بشكل كامل على القارة العجوز، وخصوصاً إذا ما علمنا أن أوروبا لا تزال تعتمد على الغاز الروسي بنسبة 9 بالمئة من احتياجاتها، وبالتالي هذا الأمر ربما سيخلق شقاقا بين دول الاتحاد الأوربي في المستقبل القريب".