بعد 3 عقود.. هل عادت القطبية الثنائية الدولية؟
23:47 - 25 سبتمبر 2022مع دخول الحرب الأوكرانية شهرها الثامن وتصاعد التوترات والصراعات بين القوى الدولية الكبرى على وقعها، ولا سيما بين الولايات المتحدة وروسيا، يتصاعد الحديث عن عودة هيمنة القطبية الثنائية على المشهد الدولي، بعد نحو 3 عقود من أفولها إثر انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991.
وفي هذا المنحى أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، خلال أعمال الدورة 77 للجمعية العامة التابعة للمنظمة الأممية المتواصلة منذ يوم 20 سبتمبر الجاري، أن العالم يسير نحو الثنائية القطبية من جديد وأن احتدام الاستقطاب على وقع الأزمة الأوكرانية يهدد عمل المنظمة الدولية، وسط تصاعد دعوات هنا وهناك لإصلاح الأمم المتحدة وتوسيع العضوية الدائمة لمجلس الأمن التابع لها بما يضمن تمثيل مختلف قارات العالم وشعوبه.
عالم ما بعد حرب أوكرانيا
مراقبون وخبراء يرون أن الثنائية القطبية باتت واقعا كرسته حرب أوكرانيا التي كشفت مدى وهن المؤسسات الأممية، التي وقفت عاجزة عن التحرك ساكنا، وأن عالم ما بعد أوكرانيا سينعكس وفقهم تغييرا في بنى ومؤسسات ومواثيق الشرعية الدولية وإن بعد حين.
خلفية تاريخية عن القطبية الثنائية
وبعد انتصار الحلفاء على دول المحور بالحرب العالمية الثانية في عام 1945، تشكلت منظمة الأمم المتحدة على أنقاض عصبة الأمم، كمظلة للشرعية الدولية ما بعد الحرب، حيث حظي المنتصرون بالمقاعد الخمس للدول الدائمة العضوية والمالكة لحق الفيتو، وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا.
وسرعان ما تبلور نظام القطبية الثنائية وطرفاه، الاتحاد السوفييتي السابق الذي كان يقود الكتلة الشرقية وحلف وارسو، والولايات المتحدة التي كانت تقود الكتلة الغربية وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، ولتندلع الحرب الباردة بين المعسكرين والتي تحولت مرارا لحروب ومواجهات ساخنة ومدمرة مرات عديدة مباشرة وبالوكالة، أبرزها:
- أزمة الصواريخ الكوبية في عام 1962، والتي كادت تلقي بالعالم في الهاوية النووية.
- الحرب في شبه الجزيرة الكورية الممتدة من 1950 ولغاية 1953 .
- الحرب الفيتنامية التي تواصلت على مدى نحو 20 عاما، وانتهت بانسحاب الجيش الأميركي من فيتنام.|
- الحرب الأفغانية من 1979 ولغاية 1989 وانتهت بانسحاب الاتحاد السوفييتي من أفغانستان.
أبرز ملامح القطبية الثنائية الجديدة
محللون يرون أن القطبية الجديدة ليست ثنائية تماما هذه المرة، حيث أن موسكو تعتمد في صراعها الحالي مع أميركا والغرب على حلفاء كبار كالصين، وأن واشنطن كذلك تعتمد بالمقابل على حلفاء بارزين كبريطانيا ومعظم بلدان الاتحاد الأوروبي.
هل سقطت الهيمنة الأميركية؟
يقول رائد العزاوي رئيس مركز الأمصار للدراسات الاستراتيجية، في لقاء مع سكاي نيوز عربية: "لطالما اتخذ النظام العالمي أشكالا متعددة ومتقلبة، ففي القرن 19 كان هناك عدة أقطاب بل وعدة أنظمة دولية، وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية كانت التعددية القطبية هي الغالبة، وبعدها ظهر نظام القطبية الثنائية وطرفاه الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأميركية، ومع انهيار الأول في عام 1991 انفردت واشنطن وعلى مدى 30 عاما بالهيمنة على السياسة الدولية دون أن تجد منافسا حقيقيا لها".
مستدركا: "لكن القطبية الأحادية السائدة على مدى 3 عقود باتت مهددة باستبدالها بنظام تعددي الأقطاب خاصة مع ظهور روسيا خلال السنوات الأخيرة كقطب يحاول استرداد نفوذه في السياسة الدولية، وكذلك مع صعود الصين التي تملك مقدرات تؤهلها للعب دور دولي بارز، ورغم ذلك فإن أميركا لا زالت منفردة بالهيمنة كقطب واحد عمليا بحكم إمكانياتها الهائلة في مختلف مجالات السطوة والسيطرة الاستراتيجية، وهي قدرات بنيت وصقلت على مدى قرنين من الزمان بما يمكنها حتى من احتواء أي قطب منافس لها".
إعادة بناء
النظام الدولي بحاجة لإعادة بناء ولا شك، حيث أن انفراد مجموعة دول بالقرار الدولي يعكس ضعف الأمم المتحدة وعجزها عن التأثير، بما جعل النظام الدولي غير متجانس وغير قادر على معالجة ما يواجهه العالم من حروب وأزمات ومشكلات حادة، وثمة دعوات مثلا لتوسيع مجلس الأمن هنا وهناك، لكن المطلوب هو تشييد نظام عالمي عادل ومتوازن قطبيا وهو ما يتطلب جهودا بشرية وفكرية جبارة لوضع الصالح الإنساني العام بالمقدمة ولتنظيم الخلافات والصراعات وفقه، كي يتجاوز العالم مرحلة الهيمنة الأحادية للولايات المتحدة والتي هي ليست وحدها، حيث لديها حلفاء كثر في أوروبا وفي بريطانيا ودول عديدة حول العالم كإسرائيل"، كما يقول العزاوي وهو أيضا أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأميركية بالقاهرة .
العالم يتغير
ويقول مسعود معلوف الدبلوماسي السابق والخبير بالشؤون الأميركية، في حوار مع سكاي نيوز عربية :"العالم كله تغير مع بدء الحرب الأوكرانية حيث التصادم المباشر بين المحاور والتكتلات الدولية على أشده، فمن طرف المحور الغربي ممثلا في حلف شمال الأطلسي، وفي المقابل محور شرقي بات يتجسد في منظمات كما هي الحال مثلا مع منظمة شنغهاي، وحتى قبل تصريحات غوتيريش هذه كان واضحا أن الحرب الباردة قد عادت مجددا بين الشرق والغرب، بمعنى الاصطفاف الصيني القوي مع روسيا وكذلك الهند التي اقتربت من موسكو، في مواجهة المحور الغربي، فالثنائية القطبية الجديدة صحيح أن روسيا تتصدر المعسكر الشرقي لكنها بدون حلفاء كالصين تبقى عاجزة عن مجاراة المحور الغربي بقيادة أميركا".