السودان.. موجة إضرابات مع تدهور الاقتصاد وارتفاع الضرائب
23:30 - 13 سبتمبر 2022يشهد السودان موجة إضرابات واسعة شملت عدد من القطاعات المهنية والعمالية المهمة مثل أطباء الامتياز والعاملين في الكهرباء وغيرها من المؤسسات الإنتاجية والخدمية؛ كما أغلقت عدد من الأسواق في مدن مختلفة من البلاد أبوابها. فما أسباب وتداعيات موجة الإضرابات المتصاعدة هذه؟
*تدهور عام: ترتبط موجة الإضرابات الأخيرة بالتدهور الاقتصادي المستمر الذي تعيشه البلاد منذ بداية العام الحالي؛ والذي تبرز ملامحه في الارتفاع الكبير في معدلات التضخم التي فاقت الـ 400 في المئة على أساس سنوي، وتآكل القدرة الشرائية للمستهلك في ظل تدني الدخول وتراجع قيمة الجنيه بنسب وصلت إلى أكثر من 700 في المئة، وزيادة الضرائب والرسوم بمعدلات تراوحت بين 500، وألف في المئة منذ بداية العام الحالي. وانعكس التدهور الاقتصادي الحالي بشكل مباشر على الأوضاع المعيشية للمواطن، مما أدى إلى رفع معدلات الفقر إلى أكثر من 60 في المئة من السكان البالغ تعدادهم نحو 40 مليون نسمة.
زيادات مهولة: فرضت الحكومة السودانية خلال الفترة الأخيرة سلسلة من الزيادات الكبيرة في أسعار الخدمات والرسوم لتغطية العجز الكبير في موازنة الدولة بسبب المشكلات المتفاقمة التي يعانيها الاقتصاد السوداني في الوقت الحالي، وفقدان الحكومة لأطر التعاون الدولي بعد تعليق البنك الدولي وصندوق النقد والولايات المتحدة والبلدان الأوروبية تدفقات بأكثر من 8 مليارات دولار في أعقاب إجراءات الخامس والعشرين من أكتوبر.
وارتفعت أيضا رسوم الموانئ بأكثر من 300 في المئة؛ كما تضاعفت رسوم أرضيات الموانئ 4 مرات تقريبا؛ هذا إضافة ارتفاع رسوم شحن الحاويات بنحو 500 في المئة من بعض الموانئ مثل الموانئ الصينية.
وفي الأسابيع الماضية ارتبكت الأسواق السودانية بعد رفع الدولار الجمركي 26.8 في المئة من 445 إلى 564 جنيها.
تأثيرات كارثية: تقول النقابات والتنظيمات المهنية إن الخلل الاقتصادي العام أدى إلى تدهور كبير في أوضاع الموظفين والعاملين خصوصا في ظل الضعف الكبير في الأجور التي تتراوح بين 30 إلى 110 ألف جنيها "50 إلى 200 دولار" في معظم القطاعات؛ في حين تؤكد دراسات متخصصة أن الاحتياجات الأساسية للأسرة المتوسطة تكلف ما بين 350 إلى 450 الف جنيه "600 إلى 800 دولار".
ولا تنحصر تأثيرات الزيادات الضريبية والجمركية على المستهلك وحده بل تطال المنتجين والتجار أيضا. وتوقع المستثمر الصناعي وعضو اتحاد الصناعات السوداني الفاتح جبورة أن تؤدي الزيادات الكبيرة في الضرائب والرسوم إلى خروج المزيد من المصانع من دائرة الإنتاج؛ مشيرا إلى ان 80 في المئة من المصانع العاملة في البلاد إما توقفت أصلا عن العمل أو تعمل بعصها بأقل من 20 في المئة من طاقتها الإنتاجية بعد الزيادة السابقة في سعر الدولار الجمركي.
وقال جبورة لموقع سكاي نيوز عربية إن الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد حاليا قلصت كثيرا من القدرة الشرائية للمستهلك.
وأوضح أن زيادة الضرائب والرسوم على القطاع الصناعي ستكون مركبة إذ أنها ستنعكس على جميع مدخلات الإنتاج والتي يشكل المستورد منها أكثر من 70 في المئة في معظم الصناعات؛ كما ستنعكس أيضا على أسعار الطاقة وخصوصا المحروقات.
وفي الجانب الآخر؛ يواجه التجار تحديا مزدوجا يتمثل في ارتفاع تكاليف السلع المحلية والمستوردة والتراجع الكبير في القدرة الشرائية.
وفي ظل الأوضاع الحالية لجأ معظم التجار إلى وقف البيع تماما خوفا من الآثار الكارثية المرتبطة بارتفاع الضرائب والرسوم وتكاليف النقل والتشغيل.
ماذا يقول المختصون:
■ يشير محمد شيخون استاذ الاقتصاد في الجامعات السودانية إلى أن ما يحدث من إضرابات في مؤسسات الدولة والأسواق العامة هو نتاج للتردي الاقتصادي العام في الدولة.
ويوضح شيخون في حديث لموقع سكاي نيوز عربية أن لجوء الدولة لزيادة الضرائب والرسوم الخدمية بشكل لا يتناسب مع مداخيل التجار والموظفين والفئات المهنية أحدث خللا واضحا في المعادلة الاقتصادية وفجوة كبيرة بين الدخل والإنفاق.
ويؤكد شيخون فشل المعالجات الجزئية الغير مدروسة الأمر الذي خلق حالة من الاستياء لدى المواطن الذي يدفع بالفعل فاتورة التدهور الاقتصادي الحالي. ويشير شيخون إلى الصعوبات الكبيرة التي يواجهها الموظفون والتجار وأصحاب الدخول المحدودة في الوفاء بالتزامات التعليم والخدمات وتكاليف المعيشة المتزايدة بشكل صاروخي.
■ يرى الكاتب الصحفي حيدر المكاشفي أن إغلاق بعض الأسواق بسبب إضرابات التجار يشير إلى التردي الاقتصادي الخطير الذي وصلت إليه البلاد؛ إذ إن الضرائب والرسوم المتصاعدة أصبحت فوق طاقة الجميع وجعلت من الصعب على التاجر تحميلها للمستهلك الذي تراجعت قدرته الشرائية بشكل كبير.
ويقول المكاشفي لموقع سكاي نيوز عربية إن إضطرار التجار لإغلاق متاجرهم أو وقف البيع فهذا يعني أن تأثير الضرائب والرسوم على التاجر المستهلك أصبح كارثيا.
ويتوقع المكاشفي المزيد من التدهور والإضرابات والركود إذا لم تتخذ إجراءات سريعة توقف هذا التصاعد الجنوني في الضرائب والجبايات مما يعرض مجمل العملية الاقتصادية للخطر. ويضيف "هذه الضرائب الباهظة الجديدة التي تفرضها وزارة المالية تعتبر بكل المفاهيم الاقتصادية استنزافا للمستهلك والمنتج ولا علاقة لها بأي معيار ضريبي علمي وتؤكد فشل الدولة في إيجاد مصادر مقبولة لسد العجز الكبير في المالية العامة وتشير بوضوح إلى مستوى الترهل والصرف البذخي على بنود أمنية وسيادية غير ضرورية ولا تخدم المصلحة العامة".
■ يؤكد القيادي النقابي السابق محجوب كناري أن الإضرابات المهنية والعمالية تشير إلى البؤس الذي وصلت إليه الخدمة المدنية والتردي المريع في أوضاع العاملين. ويقول كناري لموقع سكاي نيوز عربية إن الخلل الواضح في حلقة التواصل المفترضة بين المشغلين والنقابات والدولة وعدم وجود دراسات موضوعية لأوضاع العاملين وموائمتها مع التصاعد المتزايد في أسعار السلع والخدمات يخلق حالة من الاستياء وعدم الرضا في أوساط العاملين والمهنيين في كافة قطاعات الدولة.