خبراء: معدلات الفائدة لا تمثل محركا اقتصاديا في اليابان
12:19 - 12 سبتمبر 2022تحمي المخزونات الكبيرة المتوفرة في اليابان من السلع المستوردة اقتصاد البلاد من تراجع سعر صرف الين مقابل الدولار، بحسب خبراء أكدوا أن الميزان التجاري الياباني يتأثر بأسعار المستوردات أكثر من أسعار الصادرات.
وسجل الين الياباني خلال الأيام القليلة الماضية تراجعاً لم يشهده منذ أغسطس عام 1998 لتصل قيمته إلى 143.18 مقابل الدولار، في حين تراجعت العملة اليابانية منذ بداية العام الجاري بنسبة 20 بالمئة أمام الدولار.
ويأتي هذا التراجع بقيمة الين في الوقت الذي تتبنى فيه كبرى البنوك المركزية العالمية بما فيها الاحتياطي الفيدرالي الأميركي والمركزي الأوروبي سياسة تشديد نقدي قوية تتجلى برفع معدلات الفائدة في محاولة للسيطرة على ارتفاعات التضخم، بينما البنك المركزي الياباني لم يحرك ساكناً تجاه أسعار الفائدة منذ 24 عاماً.
أسعار الفائدة لا تمثل محركاً اقتصادياً في اليابان
ويقول الخبير الاقتصادي الدكتور نضال الشعار الأمين العام السابق لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية: "إن البنك المركزي الياباني غير مهتم بأسعار الفائدة مثل الاحتياطي الفيدرالي الأميركي والمركزي الأوروبي، حيث اتخذ قراراً منذ عام 1998 بتخفيض سعر الفائدة إلى الصفر والسالب، ما يعني أن أسعار الفائدة لا تمثل محركاً اقتصادياً في اليابان على عكس الدول الأخرى وبالتالي لا تأثير لأسعار الفائدة على انخفاض سعر الين".
أسعار الطاقة تضعف الين
وفي حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" يرجع الدكتور نضال الشعار سبب تراجع قيمة الين إلى الحرب الروسية الأوكرانية وما سببته من ارتفاع في أسعار الطاقة ما جعل الطلب كبيراً على العملة الصعبة، موضحاً أن أسعار الطاقة تُسعر بالدولار وفي بعض الأحيان باليورو، وبالتالي عندما يتم طلب الدولار أو اليورو ينخفض سعر صرف الين نتيجة طرح كميات كبيرة منه حتى تعادل قيمة شراء الطاقة.
تخزين سلع أكثر من الحاجة
ورداً على سؤال حول تأثير تراجع الين على الاقتصاد الكلي الياباني يؤكد الخبير الشعار أن "المخزونات المتوفرة في اليابان من المواد المستوردة أكثر من مخزونات أي دولة أخرى، ويعود ذلك لرؤية اليابان للمستقبل حيث تلجأ إلى تخزين مواد أكثر من الحاجة، وهذا انعكاسه جيد على الصادرات إذ يجعل الين المنخفض البضائع اليابانية جاذبة للمستوردين، وخصوصاً أن الأسعار مستقرة لأن التجار لا يرفعون الأسعار في حال ارتفاع مستوى التضخم، لذلك أرى أن أثر انخفاض الين إيجابي على المدى القصير طالما كانت المخزونات من السلع المستوردة كبيرة".
ويجزم الأمين العام السابق لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية أنه لا ضرر على الاقتصاد الياباني جراء تراجع الين، ويشير إلى أن "الميزان التجاري الياباني يتأثر بأسعار المستوردات أكثر من أسعار الصادرات، لأن المنافسة عند اليابانيين مهمة جداً حتى لو اضطروا إلى التصدير بالخسارة في بعض الأحيان كي يحجزوا موقعاً لهم في السوق".
سياسة الفيدرالي النقدية تضغط على العملات العالمية
من جهته يرى محلل الأسواق العالمية رائد الخضر أن "سياسات التشديد النقدي القوية من قبل الفيدرالي الأميركي تضغط على أغلب العملات مقابل الدولار، فمنذ اجتماع مارس الماضي والفيدرالي يتبنى سياسة متشددة في محاولة للسيطرة على ارتفاعات التضخم التي وصلت لأعلى مستوياتها منذ ثمانينات القرن الماضي، ويأتي هذا في الوقت الذي تترقب فيه الأسواق قرار رفع جديد في اجتماع الشهر الجاري بل إن أغلب التوقعات تدعم رفع أسعار الفائدة بواقع 75 نقطة أساس".
ويضيف الخضر في حديثة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" "على الجانب الآخر، لا يزال البنك المركزي الياباني يتبنى السياسة النقدية التوسعية والفائدة السلبية التي تضغط على أداء الين بشكل ملحوظ، والذي يتسبب في نهاية المطاف في جعل الأصول المقومة بالدولار أكثر جاذبية للمستثمرين".
تباين في عوائد السندات اليابانية والأميركية
وبسبب تباين السياسات النقدية بشكل ملحوظ، اتسع الفارق بين عوائد السندات الأميركية واليابانية لصالح الأولى وهو ما يدعم استمرار الطلب على الدولار الأميركي مقابل الين الياباني، وفقاً للخضر، الذي أوضح أن بنك اليابان لا يزال ينتهج سياسته المتمثلة في شراء كمية غير محدودة من السندات الحكومية للحفاظ على تكاليف الاقتراض لمدة 10 سنوات أقل من 0.25 في المئة ما خلق فجوة هائلة مقابل عائدات الولايات المتحدة التي تبلغ الآن 3.3 في المئة.
معركة طويلة ضد الانكماش
ولكن .. هل من المرجح أن يبدأ بنك اليابان في السير على خطى الفيدرالي الأميركي؟ يجيب محلل الأسواق العالمية: "يعتبر نمو الأسعار في اليابان أبطأ بكثير مما هو عليه في الولايات المتحدة، ويعتقد بنك اليابان أنه بحاجة إلى بذل مزيد من الجهد لتثبيت معدلات التضخم للمستهلكين والشركات بعد سنوات من الانكماش، وبالتالي يرى البنك أنه من السابق لأوانه البدء في تشديد السياسة النقدية لأن المعركة الطويلة ضد الانكماش لم تنتهِ بعد".
ويتابع الخضر: "وعلى الرغم من ارتفاع التضخم في الوقت الراهن إلى نسبة أعلى من المستويات المستهدفة عند 2 في المئة، فإن محافظ البنك المركزي يرى أن تلك الارتفاعات غير مستدامة وقد تبدأ بالانخفاض من جديد بمجرد بدء السنة المالية الجديدة في أبريل 2023، وبالتالي فإن استمرار تراجع الين سيتوقف على وتيرة التشديد النقدي من قبل الفيدرالي الأميركي والذي قد يستمر حتى نهاية العام، ولكن يرى بعض المهتمين أنه بمجرد أن ينتهي المستثمرون من تسعير رفع أسعار الفائدة، سيبدأ الين بالتعافي مجدداً".
يشار إلى أن بنك اليابان لم يتدخل منذ عام 1998 في سوق العملات وقتما باع الدولار مقابل شراء الين للسيطرة على تراجعات العملة المحلية، عندما تسببت الأزمة المالية الآسيوية في بيع الين وهروب أموال المستثمرين الأجانب إلى خارج البلاد.