الصدر يعتزل والعراق يغلي .. قرار قطعي أم مناورة؟
21:08 - 29 أغسطس 2022في إعلان مفاجئ يزيد من تأزم الوضع السياسي في العراق، أعلن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الإثنين، اعتزال الشؤون السياسية، وإغلاق كافة مؤسسات التيار، باستثناء المرقد والمتحف وهيئة تراث آل الصدر.
وقال مقتدى الصدر في بيان على حسابه في منصة تويتر: "كنت قررت عدم التدخل في الشؤون السياسية، إلا أنني الآن أعلن الاعتزال النهائي".
وبعيد قرار زعيمهم، بدء أنصار التيار الصدري التحرك نحو المنطقة الخضراء ببغداد، التي تضم المقار الحكومية الحساسة، حيث اقتحموا هذه المرة القصر الجمهوري. وأعلنت السلطات العراقية إثر ذلك فرض حظر التجول الشامل في العاصمة، من بعد ظهيرة الأربعاء.
,أفادت مصادر طبية بمقتل 9 أشخاص وإصابة العشرات في اشتباكات بين متظاهرين وقوات الأمن بالمنطقة الخضراء، فيما تأجج الوضع بمختلف مناطق البلاد، إثر إعلان الصدر، عن اعتزاله العمل السياسي.
ويرى مراقبون وخبراء في الشأن العراقي، أن اعتزال الصدر "لن يمر مرور الكرام"، معتبرين أنه "سيؤدي لمزيد من التوتر والتأزم في المشهد السياسي المسدود بالبلاد منذ قرابة عام كامل، بعيد إجراء الانتخابات العامة في أكتوبر الماضي".
يرجح محللون أن يكون القرار "بالون اختبار لإرباك المشهد، ولتبيان مدى ضرورة حضور الصدر فيه لضمان التوازن والاستقرار"، مشيرين إلى أن "زعيم التيار الصدري سيتراجع غالبا عن قراره هذا، كما فعل قبل الانتخابات الماضية عندما أعلن مقاطعتها لكنه سرعان ما تراجع عن المقاطعة وشارك بقوة في العملية الانتخابية".
وأشاروا في حديثهم إلى موقع "سكاي نيوز عربية"، إلى أن "أبعادا مذهبية وليست فقط سياسية تقف وراء خطوة الصدر، وهي ما كشفت عنها إشارته خلال بيان الاعتزال إلى أن النجف العراقية هي المرجعية، في رد مبطن على دعوة المرجع الديني الحائري لإتباع مرجعية المرشد الإيراني علي خامنئي".
"قرار قطعي".. ولكن
وتعليقا على قرار الصدر بالاعتزال وتداعياته المتوقعة على المشهد السياسي العام في العراق، يقول الكاتب والمحلل السياسي العراقي، علي البيدر، لموقع "سكاي نيوز عربية": "يبدو في ظل الظروف الراهنة أن القرار قاطع، رغم أنه عادة لا يمكن التكهن بتوجهات الصدر وطبيعة تحركاته القادمة بعد هذا الإعلان".
ويستطرد: "ربما يتوقف عدوله عن هذا القرار المفاجئ على تطور مجريات الأحداث لصالح ما يطالب به".
الرقم الصعب بالمعادلة
قرار الاعتزال هذا، وفق المحلل السياسي العراقي، "سيعزز من البعد الوطني لدور الصدر وسياساته، في ظل الاستقطابات الحادة على المسرح السياسي، كون أحد أبرز أسباب الاعتزال هي معارضته للهيمنة الإيرانية على العراق سياسيا ومرجعية دينية، لكن سينجم عن قراره هذا ولا ريب، اختلال في موازين القوى السياسية، خاصة في البيت الشيعي".
ويستدرك البيدر: "بيد أن مقتدى الصدر وإن اعتزل، سيبقى الرقم الصعب في المعادلة العراقية، وهو حاضر سياسيا وشعبيا وأمنيا من خلال سرايا السلام المسلحة التابعة للتيار الصدري، وهكذا فمن خلال مختلف عناوين ومفاتيح القوة والتأثير هذه التي يملكها، يمكنه التأثير في مجريات الأمور ودفعها نحو ما يبتغيه، أو على الأقل عرقلة ما قد يخطط له خصومه من استغلال لغيابه واعتزاله".
هذه الخطوة المفاجئة، يضيف البيدر، "ستؤدي لمزيد من الإخلال بالاستقرار في المشهد العراقي المضطرب، لا سيما بعد مرور نحو سنة كاملة على الانتخابات العامة، فيما لا تزال البلاد تتخبط في متاهات الانسداد السياسي، خاصة أن المؤشرات الأولية تفيد أن مناصري التيار الصدري بصدد القيام بتحركات واسعة للتصعيد في الشارع، وللضغط على الصدر للتراجع عن قراره بالاعتزال".
ما علاقة اعتزال المرجع الحائري باعتزال الصدر؟
من جانبه، يقول رئيس مركز الأمصار للدراسات الاستراتيجية، رائد العزاوي، لموقع "سكاي نيوز عربية": "القرار يرتبط بجزء منه برفع الغطاء الديني عن الصدر بعد اعتزال المرجع الشيعي كاظم الحائري ودعوته لإطاعة المرجع الإيراني، فيما يقول الصدر خلال تغريدته اليوم أن النجف هي المقر الأكبر للمرجعية، ملمحا لأن الحائري لم يعتزل بإرادته، وهنا فإن الصدر يذهب حيال ذلك لتكتيك جديد، وهو الدعوة لإقصاء القوى التقليدية وإحداث ثورة في المشهد السياسي، وهو ما تطالب به قطاعات شعبية عريضة ضمنها التيار الصدري وحراك تشرين والمستقلون".
ويضيف العزاوي: "مع الأسف الطبقة السياسية العراقية السائدة، خاصة المنضوية تحت لواء قوى الإطار التنسيقي المتماهية مع المشروع الإيراني، لم تعد مقبولة لدى المجتمع الدولي، رغم أن دولا كثيرة نصحت العراقيين، من بينهم قوى مقربة من إيران، ودعتها لتصحيح مسارها، لكن دون جدوى، وهكذا تزداد الأزمة الداخلية المركبة تعقيدا، ولا بوادر لحل تلوح بالأفق".
ويختم الأكاديمي العراقي حديثه، قائلا: "بالتالي نحن أمام انسداد سياسي كامل، المخرج منه حل البرلمان وإعادة تأسيس عقد سياسي اجتماعي جديد، وتصحيح الدستور والقوانين الملتبسة، وبالتالي الشروع ببناء عملية سياسية صحية ومثمرة".
يشار إلى أن مكتب الصدر، ذكر في بيان أنه "يمنع منعا باتا التدخل في الأمور السياسية ورفع الشعارات والهتافات والتحدث باسم التيار الصدري"، بينما قالت هيئة تنظيم الاحتجاجات التابعة للتيار الصدري إنها "أنهت مهامها".
فيما شدد اجتماع للرئاسات العراقية الأربع، الإثنين، على "الحفاظ على الأمن والاستقرار والمسار الديمقراطي والدستوري"، مجددا دعمه لدعوة رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، "عقد جولة جديدة من الحوار الوطني هذا الأسبوع".
اقتراح الصدر
واقترح الصدر، السبت، أن تتخلى "جميع الأحزاب" الموجودة على الساحة السياسية منذ سقوط صدام حسين، بما في ذلك حزبه، عن المناصب الحكومية التي تشغلها، للسماح بحل الأزمة السياسية بالعراق.
وكتب الصدر في تغريدة: "هناك ما هو أهم من حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، الأهم هو عدم إشراك جميع الأحزاب والشخصيات التي اشتركت بالعملية السياسية منذ الاحتلال الأميركي عام 2003 إلى يومنا هذا، بما فيهم التيار الصدري".
وتابع: "أنا على استعداد وخلال مدة أقصاها 72 ساعة لتوقيع اتفاقية تتضمن ذلك"، مشيرا إلى أنه "إذا لم يتحقق ذلك، فلا مجال للإصلاح".
مواقف الصدر
- أبرز شعارات الصدر التي يرفعها منذ بدء الأزمة هو "محاربة الفساد"، ولا يشارك تياره بالحكومة الحالية، لكن يتمتع بنفوذ في بعض الوزارات على مدى الأعوام الماضية.
- يواصل أنصاره منذ نحو شهر اعتصاما داخل مبنى مجلس النواب وحوله، كما حاصروا لفترة وجيزة مجلس القضاء الأعلى .
- هذا الشهر، أطلق الكاظمي "حوارا وطنيا" لمحاولة إخراج العراق من المأزق، لكن ممثلي التيار الصدري وزعيمهم قاطعوا هذه المبادرة، واعتبروا أنها "لم تسفر إلا عن بعض النقاط التي لا تسمن ولا تغني من جوع".