أسعار الطاقة تتضاعف في بريطانيا.. والشتاء ينذر بالأسوأ
22:14 - 26 أغسطس 2022يشهد قطاع الطاقة في بريطانيا، ارتفاعا غير مسبوق بأسعار الكهرباء والغاز، حتى أصبح المستهلك العادي غير قادر على الدفع، وسط توقعات بالإقبال على خيارات صعبة للغاية، مع حلول الشتاء المقبل.
وأعلنت السلطة المنظِّمة للطاقة في بريطانيا "أوفجم"، الجمعة، أن سقف الفاتورة السنوية للعائلة المتوسطة، سيكون 4182 دولارا، بدءا من مطلع أكتوبر المقبل، أي بارتفاع قدره 80 في المئة عن السابق.
وهذه الأسعار تشمل فترة 3 أشهر فقط، من أكتوبر إلى ديسمبر. ولو بقيت الأسعار عند هذا المستوى، لهان الأمر كثيرا، لكن توقعات الخبراء تشير إلى أن الأسعار سترتفع أكثر من ذلك.
وتتوقع شركة "كورنوول إنسايت" الاستشارية للطاقة، أن متوسط فاتورة الطاقة السنوية للعائلة البريطانية سيرتفع إلى 6374 دولارا في يناير 2023، وإلى 7791 دولارا في أبريل 2023، مما يعني أن فواتير الطاقة ستقترب من فواتير القروض العقارية لمنازل معظم السكان.
ويرتقب أن ترتفع الأسعار أكثر من المعدلات المذكورة في مقاطعة أيرلندا الشمالية، لأن معظم المنازل هناك تستخدم النفط المنزلي في التدفئة، وهذا النوع من الوقود غير خاضع لسلطة تنظيم الطاقة "أوفجم"، ولن يكون ضمن أنواع الطاقة التي تخضع لسقف الأسعار الذي حددته السلطة.
ومما يزيد الطين بلة، أن ارتفاع الأسعار سيتزامن مع بدء موسم البرد، حينما يبدأ المستهلكون بزيادة استهلاكهم من الطاقة لأجل التدفئة، مما قد يهدد حياة المسنين تحديدا، إضافة إلى المرضى والأطفال، الذين سيضطرون إلى تقليص استهلاك الطاقة وتحمل البرد القارس.
أرقام مخيفة
المحلل الاقتصادي، فيصل إسلام، قال إن ارتفاع أسعار الطاقة على المستهلك البريطاني، "يعادل ارتفاع معدل ضريبة الدخل، من 20 في المئة، وهو المعدل الحالي لذوي الدخل المنخفض، إلى 40 في المئة، وهو معدل الضريبة على ذوي الدخل المرتفع، أي أنه يعادل ارتفاع الضرائب بنسبة 100 في المئة على ذوي الدخل المنخفض".
وتعليقا على هذه الأرقام المرتفعة، قال رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، إن "البريطانيين يدفعون ثمن وقوفهم إلى جانب أوكرانيا ضد شرور بوتن، وهي تضحية مستحقة، وإذا ما ربح بوتن هذه الحرب، فلن تكون هناك دولة في أوروبا بأمان".
وأضاف: "إن كان البريطانيون يدفعون فواتير طاقة عالية، فليتذكروا أن الأوكرانيين يدفعون الثمن بدمائهم"، مستطردا: "أقول لكل الأصدقاء، علينا أن نواصل المسير، وأن نتحمل كما يتحمل الأوكرانيون".
إلا أن بريطانيين كثيرين يلقون باللوم على سياسة حكومة جونسون، التي لم تنجح في إيجاد حلول ناجعة لحماية المستهلكين في ظل أزمة الطاقة العالمية.
جدير بالذكر أن آلاف البريطانيين فتحوا بيوتهم لإيواء اللاجئين الأوكرانيين، رغم الظروف الصعبة التي يمرون بها. وتدفع الحكومة مبلغ 350 جنيها إسترلينيا (415 دولارا) شهريا لكل عائلة بريطانية تأوي لاجئين أوكرانيين، وهو مبلغ يقال إنه متدن مقارنة بما يتحملونه.
وزير المال البريطاني، ناظم الزهاوي، قال إنه "يعكف على وضع برنامج لمساعدة المستهلكين على تجاوز الأزمة"، لكنه لا يبدو قادرا على ذلك، لا سيما أن حكومة جديدة ستتشكل بعد 10 أيام، عندما تُعلن نتائج انتخابات زعامة حزب المحافظين في الخامس من سبتمبر المقبل.
وأعلن الزهاوي عن مساعدة عاجلة قدرها 473 دولارا، تُقدم للمستهلكين جميعا، ومبلغ إضافي، قدره 769 دولارا، سيقدم للعائلات المحتاجة، ومبلغ إضافي قدره 355 دولارا للمتقاعدين، علما أن هذه الإجراءات كان قد أعلن عنها وزير المال السابق، ريشي سوناك، في مايو الماضي.
المتنافسان على زعامة حزب المحافظين، ليز تراس وريشي سوناك، اللذان سيصبح أحدهما رئيسا للوزراء في الخامس من سبتمبر المقبل، لم يطرحا حلا واضحا للأزمة، سوى القول إنهما "سيجدان حلولا لمساعدة الضعفاء والمحتاجين".
ليز تراس، وهي الأوفر حظا بفارق كبير حسب استطلاعات الرأي بين الناخبين المحافظين، قالت إنها "ستخفض الضرائب كي يتمكن الناس من الاحتفاظ بنسبة أكبر من إيراداتهم، وبذلك سيتمكنون من مواجهة غلاء المعيشة".
أما سوناك، الذي كان وزيرا للمال حتى استقالته في الخامس من يوليو الماضي، فإنه يعتزم الإبقاء على الضرائب الحالية المرتفعة "حتى نتمكن من السيطرة على معدل التضخم".
وقال: "خفض الضرائب غير ممكن حاليا، مع ضعف الوضع المالي البريطاني". وهذا يعني أن المواطنين سيواجهون ضرائب مرتفعة ومعدل تضخم مرتفعا في الوقت نفسه، وأن هذا الوضع قد يستمر لسنتين، وربما يتطور إلى كساد تضخمي خطير.
حكومة متهمة بالعجز
ويتهم حزب العمال المعارض، المحافظين بالعجز عن إيجاد الحلول الناجعة لأزمة الطاقة التي تعصف بالمجتمع البريطاني.
ووصفت وزيرة المال في حكومة الظل، ريتشل ريفز، ارتفاع الأسعار بأنه "فلكي"، وقالت إنه "سيدفع كثيرين إلى اللجوء إلى حلول لا يمكن تخيلها"، مطالبة الحكومة بـ"تجميد أسعار الطاقة أثناء فصل الشتاء".
ويطرح حزب العمال مقترحا أوسع لحل الأزمة، يتلخص في فرض ضرائب عالية على أرباح شركات الطاقة، التي ارتفعت بشكل قياسي خلال الأشهر الستة الماضية.
على سبيل المثال، شركة "BP" البريطانية العملاقة أعلنت هذا الشهر عن تحقيقها أرباحا بلغت 8.45 مليار دولار خلال ثلاثة أشهر فقط، وهو ثاني أعلى رقم تسجله أرباح الشركة خلال تأريخها الطويل.
مثل هذه الأرباح الخيالية تثير سخط المستهلك البريطاني، الذي يصارع الأسعار المرتفعة ويقتطع من لقمة عيشه كي يدفع فاتورة الطاقة العالية. لكن "BP" تقول إنها "تستثمر نسبة كبيرة من أرباحها في مشاريع الطاقة الخضراء وتحديث بنيتها الأساسية".
وقال المدير التنفيذي لـ "BP"، بيرنارد لوني، إن "خبراء الشركة وموظفيها يعملون بجد لإيجاد الحلول لأزمة الطاقة، عبر ضمان توفر طاقة رخيصة ومنخفضة الكاربون".
وتابع: "نحن نفعل ذلك عبر توفير النفط والغاز الذي يحتاجه العالم، وفي الوقت نفسه نستثمر في تسريع الانتقال إلى أنواع جديدة للطاقة".
في غضون ذلك، تجد العديد من الأعمال والمتاجر في بريطانيا، خصوصا في القرى والمدن الصغيرة، نفسها مهددة بالإغلاق بسبب ارتفاع أسعار الطاقة. ويقول مديروها ومالكوها إنهم واجهوا العديد من الصعوبات سابقا، لكن هذه الأزمة قد تضطرهم إلى تسريح عدد من العاملين أو الإغلاق كليا.
الحلول المطروحة للأزمة متعددة؛ وتبدأ بترشيد استخدام الطاقة من إطفاء الأنوار والأجهزة، ثم تقليص فترة الاستحمام، وخفض درجة حرارة التدفئة، وصولا إلى إلى التوقف عن استخدام الأجهزة التي تستهلك طاقة عالية، كالمكواة ومجفف الشعر وآلات تجفيف الملابس وتسخين المأكولات (المايكرويف) وغيرها.
ويستعد الناس لمواجهة الشتاء المقبل عبر اقتناء الملابس الصوفية والأغطية السميكة للتعويض عن استخدام التدفئة المرتفعة الكلفة.
وهناك أيضا دعوات جادة لإعادة النظر في كفاءة المباني والمنازل الحالية في الحفاظ على الطاقة، أو وقاية السكان من برودة الجو أو حرارته، لكن مثل هذه المشاريع تستغرق وقتا طويلا وقد تكون مجدية على الأمد البعيد، لكنها لا تقدم حلا عاجلا.
ويرى خبراء البناء أن من الضروري استخدام المواد العازلة كي تكون المباني أكثر قدرة على وقاية ساكنيها من البرد في الشتاء، وفي الوقت نفسه يجب توفير وسائل التهوية اللازمة لخفض درجة الحرارة في الصيف.
ويبدو أن الحكومة ستضطر لتوفير مبالغ كبيرة لمساعدة الناس على تجاوز الأزمة، لكن الحلول التي يقدمها كلا المتنافسين على رئاسة الوزراء، لا تبدو ناجعة، فخفض الضرائب، الذي تعِد به تراس، سيؤدي لرفع معدل التضخم، أي ارتفاع إضافي في تكاليف المعيشة، مما يضطر الناس إلى إنفاق ما يوفرونه من خفض الضرائب، أو ربما أكثر من ذلك.
بينما يعتزم سوناك إبقاء الضرائب مرتفعة حتى ينخفض معدل التضخم، وهذا الإجراء لن يخفف من معاناة غلاء المعيشة ولن يوفر المال المطلوب لمواجهته.
في حين يدعو مقترح زعيم حزب العمال، السير كيير ستارمر، إلى فرض ضرائب على أرباح شركات الطاقة، بما يقدم حلا لتوفير الأموال المطلوبة لمواجهة الأزمة.
لكن حزب العمال الآن خارج الحكومة، والمحافظون لن يقدموا على رفع الضرائب على الشركات، رغم أن سوناك كان قد تبنى هذا المقترح جزئيا، وأعلن عن ضريبة على أرباح شركات الطاقة، قدرها 25 في المئة، لتوفير الأموال المطلوبة.
لكنه في الوقت نفسه أعلن عن إعفاء ضريبي يصل إلى 90 في المئة لشركات الطاقة التي تستثمر في مشاريع استخراج النفط والغاز في بريطانيا.
وليس متوقعا أن يجري الزعيم المقبل لحزب المحافظين انتخابات عامة مبكرة، لأن الفوز فيها غير مضمون في ظل أزمة مالية ومعدل تضخم مرتفع، واحتمال تزايد أعداد العاطلين عن العمل.
لذلك، فإن المحافظين سيبقون في السلطة حتى موعد الانتخابات المقبلة في 24 يناير 2025، وقد يضطرون إلى فرض الضرائب على أرباح شركات الطاقة كحل للازمة، حتى وإن كانت الخطوة لا تنسجم مع توجهاتهم الاقتصادية.