روسيا وأوكرانيا.. اقتصادان "صغيران" يهزّان العالم
16:26 - 23 أغسطس 2022كان من المفترض أن يكون العام 2022 عام الثبات بعد الانتعاش القوي الذي شهده الاقتصاد العالمي في العام 2021، بعيداً عن الإقفال والحجر. بدلاً من ذلك، أثارت الأزمة المستمرّة في أوكرانيا منذ ستة أشهر مخاوف من الركود.
تقول وكالة التصنيف الائتماني "ستاندرد أند بورز" في إحدى مذكّراتها "قبل ستة أشهر فقط، كان المشهد الاقتصادي مختلفاً تماماً عن المشهد الحالي". كانت آفاق النمو الجيدة آخذة في الظهور في جميع أنحاء العالم، كما كان يُنظر إلى التضخّم على أنه "مؤقت إلى حدّ كبير". وتضيف الوكالة "تغيّرت الأمور، ولكن ليس نحو الأفضل".
لم تتوقّف المؤسسات الدولية عن خفض توقعاتها لهذه السنة بشأن النمو العالمي، إذ يتوقّع صندوق النقد الدولي أن يبلغ 3.2 بالمئة مقابل حوالى 5 بالمئة في تشرين الأول/أكتوبر 2021.
ومع ذلك، كان من الصعب التخيّل في 24 شباط/فبراير، يوم بداية أزمة أوكرانيا، أنّ دولتين تشكّلان 2 بالمئة فقط من الناتج المحلّي الإجمالي والتجارة العالمية، وفقاً لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، ستُغرقان الكوكب في حالة ركود.
رغم وزنهما المتواضع، تعدّ أوكرانيا وروسيا مصدرين رئيسيين للحبوب والطاقة، وقد أدّت الحرب إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير.
- اشتعال أسعار الأغذية والنفط والغاز -
ارتفعت أسعار المواد الغذائية مثل القمح والزيوت والأسمدة والمرتبطة بتكاليف النقل، إلى حدٍّ دفع الأمم المتحدة إلى التحذير من خطر "إعصار من المجاعات" في إفريقيا، على الرغم من أنّ الأسعار هدأت في الأسابيع الأخيرة.
كما يشعر القطاع الصناعي أيضاً بحرارة الأسعار، إذا تعاني القطاعات المستهلكة للطاقة بشكل مكثّف مثل الصناعات الكيميائية وصناعة الصلب والتعدين بفعل الأزمة، ما يقوّض الصناعة التحويلية في ألمانيا وإيطاليا.
أمّا في الصين واليابان، فقد أُضعف القطاع بسبب الاستراتيجية الصينية المتمثلة بصفر كوفيد.
- قادةٌ ومحافظو مصارف مركزية مرتبكون -
عادت الدول المتقدّمة إلى دعم اقتصاداتها في مواجهة التضخّم، رغم أنها كانت تأمل في وقف المساعدات المقدّمة خلال عمليات الإغلاق المرتبطة بكوفيد-19.
وفي ظلّ دعم تكاليف التدفئة وتخفيضات ضرائب الوقود وتحديد سقوف الأسعار والضرائب على أرباح شركات النفط... تحرّكت الدول الأوروبية في سبيل إيجاد الحلول، بينما تبنّت الولايات المتحدة "قانون خفض التضخّم" وهو خطة استثمارية بقيمة 370 مليار دولار.
أصبح الدعم العام ضروريًا أكثر فأكثر عبر تشديد السياسة النقدية من قبل محافظي المصارف المركزية، للحد من التضخّم. يقول بيرتراند كانديلون أستاذ العلوم المالية في الجامعة الكاثوليكية في لوفان "لم يعد لديهم (محافظو المصارف) خيار".
إلّا أنّ هذه الزيادات في أسعار الفائدة تسبّبت في حدوث اضطراب في الأسواق المالية، حيث سجّلت الولايات المتحدة أسوأ خسارات نصف سنوية منذ 14 عاماً، بناء على مؤشر "ستاندارد أند بورز 500".
- تباطؤ عالمي... ثمّ ركود؟ -
تعطي المؤشرات العالمية القليل من التفاؤل، فقد انخفضت ثقة المستهلك الأميركي إلى أدنى مستوياتها التاريخية على الإطلاق، كما وصلت معنويات رجال الأعمال الألمان إلى أدنى مستوى لها منذ عامين، في حين تمرّ سوق العقارات الصينية في أزمة حادّة.
يحذّر كانديلون من أنّ أوروبا تواجه "شتاءً مليئاً بالمخاطر" في مجال الطاقة، بناءً على فرضية لجوء روسيا إلى خفض إمدادات الغاز من جديد.
إضافة إلى ما تقدّم، أدّى تشديد السياسة النقدية من قبل المصارف المركزية، إلى تزايد المخاوف من حدوث ركود عالمي على الرغم من أنّ التكهّنات الرئيسية استبعدت هذا الاحتمال حتى الآن.
ويأتي ذلك في الوقت الذي يُظهر فيه الاقتصاد العالمي مؤشرات على الصمود، إذ تبدو سوق العمل الأوروبية والأميركية في صحّة جيدة. وقد دفع ذلك إدارة الرئيس جو بايدن إلى القول إنّ الولايات المتحدة لا تمر حالياً في حالة ركود رغم الرُبعين المتتالين اللذين شهدا انخفاضاً في الناتج المحلي الإجمالي.
غير أنّ الإشارات المختلطة دفعت المحلّلين لدى "اتش اس بي سي" إلى مقارنة الموقف بالتجربة التي أجراها الفيزيائي النمساوي إروين شرودنجر الحائز على جائزة نوبل، لحلّ مفارقة كمومية قد تشهد حالتين في الوقت ذاته.
يقولون "تماماً مثلما كانت قطّة إروين شرودنجر ميتة وحيّة في الوقت ذاته، قد يكون الاقتصاد العالمي في حالة ركود أو لا - على الأقل حتى الآن".