التغير المناخي.. حسنة وحيدة في سوريا لا تمحو التبعات السلبية
13:40 - 17 أغسطس 2022أصبح حديث انحسار مناسيب المياه في أنهر أوروبا يطغى على عناوين الأخبار، في دليل على الآثار السلبية التي تتركها ظاهرة التغير المناخي، لكن بعيدا عن أوروبا وفي قلب المشرق العربي، تراجع منسوب نهر الفرات بشكل حاد كاشفا عن مقابر أثرية.
وتداولت وسائل إعلام محلية ورواد مواقع التواصل في سوريا مقاطع مصورة، لما يقال إنها مقابر أثرية كانت مغمورة تحت مياه نهر الفرات، وظهرت مع انخفاض منسوبه الحاد في إحدى مناطق ريف محافظة الرقة.
ويظهر في المقاطع شاب يقف فوق سلاسل من الصخور الضخمة المتصلة، والتي تضم تجاويفها كما يشرح خلال حديثه مقابر أثرية، مشيرا إلى أن المياه انخفض منسوبها بنحو 7 أمتار.
وتبين الصور درجات تؤدي إلى مدخل وسط الصخور، ويظهر أن هناك علامات حفر بشرية في المكان.
"الحسنة الوحيدة"
ويرى خبراء أن مثل هذه الاكتشافات الأثرية بفعل تراجع مناسيب الأنهار، هي ربما بمنزلة"الحسنة الوحيدة" لأزمات الجفاف وشح المياه التي تعصف بالعالم، نتيجة التغير المناخي، لكنها لا تغطي على فداحة التبعات الخطيرة لاضمحلال الأنهار وتراجع مناسيبها لحد الجفاف شبه التام.
ويقول الأكاديمي والخبير البيئي، رمضان حمزة، لموقع "سكاي نيوز عربية": "الانحسار الكبير للمياه في نهر الفرات يكشف بطبيعة الحال العديد من آثار الحضارات المقيمة على ضفاف هذا النهر في العراق وسوريا، وسيكشف المزيد من هذه الآثار تباعا طالما أن مناسيب النهر في انخفاض متواصل".
ويضيف حمزة: "يعد وادي الرافدين والهلال الخصيب من المناطق الغنية بالآثار، ويمكن إرجاع تاريخها لأقدم الأزمنة ولأكثر من 5 آلاف سنة قبل الميلاد، وهذا الاكتشاف يظهر حقيقة أن إحدى الطرق المعتمدة في الحضارات القديمة السائدة هناك لدفن الأموات والممتلكات وحمايتها من التلف أو السرقة كانت عبر حفر مقابر ومخابئ بالقرب من ضفاف الأنهار".
ماهي الآثار المترتبة على تغير المناخ؟
ويتابع: "وهكذا مع انخفاض منسوب المياه في نهر الفرات طيلة السنوات القليلة الماضية، يتكشف الغطاء عن مقابر ومعالم أثرية على طول مجرى النهر بشكل واضح، وبالانخفاض المستمر لتصاريف النهر سيكشف النقاب عن المزيد من المدافن والمواقع الأثرية الأخرى فيها، وبعضها قد يعود لملوك وسلالات حاكمة في حقب زمنية سحيقة".
ويضيف: "المنطقة لطالما كانت مأهولة بالحضارات منذ قديم الزمان، ومن الطبيعي أن تكون زاخرة بالمعالم والكنوز الأثرية الكامنة في اليابسة وفي قعر الأنهر".
ظاهرة غير بشرية
ويستدرك حمزة: "لكن أحيانا قد تكون هناك منحوتات مطمورة داخل الأنهار والبحيرات ليست من صنع البشر والحضارات القديمة، بقدر ما هي بفعل تشكيل المياه لمثل هذه التجاويف بمرور الزمن، وهذه الظاهرة تسمى الكاريست أو ظاهرة البالوعات المائية، حيث تنحت المياه تجاويف في الصخور مع تراكم الزمن، مما يظهرها على مناظر غريبة عندما تقل مناسيب المياه وتتكشف تلك التجاويف ويعتقد كثيرون أنها معالم آثرية لكنها ليست كذلك".
ويضيف حمزة: "مثلا ظهرت حالات في هذا السياق في خزان سد الموصل بعد انخفاض منسوب الخزين حيث تكشفت الصخور المنحوتة بفعل المياه، وتصورتها جهات إعلامية أنها قطع أثرية، بينما هي في الواقع صخور جبسية تحللت أجزاء منها بالمياه وكونت تجاويف مختلفة الأشكال والحجوم".
التغير المناخي والسياسة
وبعيدا عن "حسنة" الكشف عن الآثار، يرى الخبير البيئي أن "هذا الجفاف وانحسار الفرات وكذلك دجلة كارثة بيئية كبرى ووقوعها يعود بدرجة كبيرة لسياسات دول الجوار وتوظيفها المياه كسلاح صامت ضد العراق وسوريا، وخير دليل المتغيرات البيئية المتمثلة بالخصائص الجغرافية الطبيعيـة لمسارات نهري دجلة (...)".
ويقول: "إن هذه المتغيرات ستؤثر على مستقبل سكان المنطقة ومنشآتها الموروثة داخل الحيز المائي للنهر، إذ تستخدم حاليا بفعالية أكبر في ظل موجات الجفاف التي تضرب المنطقة، وهو ما سيتسبب بإعادة هيكلة الهندسة الاجتماعية لكل من سوريا والعراق، وتعقيد الصراع على مصادر المياه".