السودان.. توقعات كارثية بعد اختلاط مخلفات الذهب بمياه السيول
14:01 - 14 أغسطس 2022أثارت السيول القوية التي ضربت الأسبوع الماضي أكثر من 25 قرية في ولاية نهر النيل الواقعة شمال العاصمة السودانية الخرطوم والمكتظة بمواقع التعدين عن الذهب؛ مخاوف حقيقية من اختلاط مخلفات التعدين الضارة بالمياه مما يشي بكوارث صحية وبيئية كبيرة.
وفقدت أكثر من 5 آلاف أسرة في تلك القرى؛ المأوى في ظل أوضاع صحية بالغة الخطورة ونقص كبير في مياه الشرب.
وعلى الرغم من ضخامة حجم المأساة الإنسانية، إلا أن خبراء أشاروا لموقع سكاي نيوز عربية أن الخطر الناجم عن اختلاط محتمل لمياه السيول بمخلفات ومواد تعدين الذهب الضارة سيؤدي إلى كوارث صحية وبيئية يصعب السيطرة عليها.
ووفقا للخبراء؛ فإن الخطر يتعاظم في ظل تقارير تحدثت عن جرف مياه السيول لكميات ضخمة من مخلفات الذهب المخزنة في مزارع ومنازل ومدارس في العديد من مناطق الولاية.
ووجد بحث سابق، أجرته حملة "لا لنفايات الذهب"، أن ما نحو 180 طنًا من نفايات الذهب تلقى سنويًا في مصادر المياه المختلفة.
وعلى الرغم من إنشاء حواجز لمنع تسرب نفايات الذهب الضارة إلى مصادر المياه إلا أن تلك السدود لم تصمد أمام السيول والفيضانات التي تضرب المناطق القريبة من مواقع التعدين مثلما حدث الأسبوع الماضي.
وفي الواقع، ارتبط تعدين الذهب تاريخيا بكوارث صحية في الكثير من مناطق السودان لأن استخلاصه يتطلب الدخول في مخاطر الحفر والتنقيب ومخاطر الكيماويات التي تلوث الماء والتربة وتسمم الإنسان.
ويؤكد مستشار العناية بالبيئة واستدامة التنمية والأستاذ بجامعة الخرطوم، عيسى محمد عبد اللطيف، أن لمخلفات ومواد التعدين عن الذهب تلويث مدمر للبيئة، اذ أن 99.9% من الركام المستخلص منه الذهب يتحول لنفايات.
ويوضح عبد اللطيف، لموقع سكاي نيوز عربية، أنه عندما تهطل الأمطار وتجرف الوديان مخلفات الزئبق إلى الأنهار تتلوث مياه الشرب والري مباشرة بالزئبق والسيانيد ومخلفات التعدين الأخرى.
وأشار عبد اللطيف إلى أن أغلب المناطق المأهولة بالسكان التي تقع بالقرب من مناطق التعدين تكون عرضة للأضرار البيئية والصحية خصوصا في حالات الكوارث الطبيعية، لان بعض الشركات تترك مخلفات ضخمة في خزانات يصل ارتفاعها إلى 100 متر تجنبا لتحمل التكلفة العالية اللازمة للتخلص السليم من تلك النفايات.
ووفقا لعبد اللطيف فإن مجاري المياه غالبا ما تتلوث بالسيانيد والمواد الكيماوية السامة مما يزيد من خطر تسربها إلى داخل التربة والمياه الجوفية الأمر الذي يشكل تهديدا مباشرا لحياة البشر وعلى التنوع البيولوجي للكائنات البرية والمائية والكائنات الدقيقة التي تلعب دوراً هاماً في حفظ التوازن البيئي وإنتاجية الموارد الطبيعية التي تعتمد عليها البلاد في الأمن الغذائي والأمن المائي مثل الغابات والمراعي والمحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية والثروة السمكية.
ويكمن خطر التعرض لمثل هذه الملوثات في أثرها التراكمي الذي يتعاظم ويكبر داخل جسم الإنسان يوماً بعد يوم، وهو لا يحس بها إلى أن ينهكه استفحال السرطان أو الفشل الكلوي أو غيرهما من الأمراض الخطيرة في بلد يعاني من تدهور كبير في القطاع الصحي.
وفي ذات السياق؛ تشير حنان الأمين مدثر استشاري أنظمة البيئة والمياه؛ إلى ضعف الالتزام الحكومي بالمعايير العالمية المتفق عليها فيما يتعلق بالاستخدام الآمن للزئبق والسيانيد والمواد الكيماوية الأخرى في مناطق التعدين رغم توقيع السودان على اتفاقية "ميناماتا" العالمية بشأن الزئبق والتي دخلت حيز التنفيذ في أغسطس 2017.
وتؤكد مدثر لموقع سكاي نيوز عربية أن تسرب الزئبق، المستخدم بشكل واسع في مناطق التعدين في السودان والذي اعتبرته منظمة الصحة العالمية واحدا من أخطر 10 مواد كيماوية، بسبب أضرار كبيرة للسكان والكائنات الحية في المناطق القريبة من مواقع التعدين إذ يؤثر على الجهاز العصبي والمخ والقلب والكليتين والرئتين والجهاز المناعي والعقم وتشويه الاجنة والتشوهات الجلدية.
وتوضح مدثر أن الخطورة الأكبر للزئبق تكمن في تواجده مع مخلفات الذهب التي لا يتم التخلص منها بالشكل المطلوب؛ حيث يتحول من فلز طبيعي إلى صور أخرى نشطة تشكل مخاطر مدمرة للبيئة والإنسان وعلى مصادر المياه وكافة أشكال الحياة بما في ذلك التنوع البيولوجي والكائنات الحية الاخرى الماشية والطيور المهاجرة.
وتقول مدثر إن الخطر يتزايد أكثر في حال جرف مياه السيول والرياح مواد مشعة وخطرة أخرى مختلطة بالمخلفات مثل اليورانيوم والبلوتونيوم وغيرها من المواد المشعة أو الفلزات الثقيلة المستخرجة مع مخلفات الذهب من أماكن التنقيب؛ حيث تجد تلك المواد طريقها إلى مصادر مياه الشرب والمزارع ويتعاظم بالتالي خطرها على الإنسان والبيئة.