أوروبا في وجه عاصفة غلاء الأسعار.. ومخاوف من تزايد الهجرة
00:10 - 20 يوليو 2022ضاعف استمرار تداعيات الحرب بين روسيا وأوكرانيا من أزمة ارتفاع الأسعار في جميع أنحاء أوروبا، في الوقت الذي أرجع مراقبون ومحللون تلك الأزمة بشكل مباشر إلى اضطراب أسواق الطاقة وسلاسل الإمداد، مما ألقى أعباءً على رفع نسب التضخم في اقتصادات منطقة اليورو.
وارتفعت أسعار المواد الغذائية، والمعادن والسيارات في أوروبا بوتيرة غير مسبوقة منذ عقود، في حين ذكرت وكالة "أسوشيتد برس"، أن بنوك الطعام بإيطاليا تتوسع في إطعام المزيد من الناس، فيما يرفض المسؤولون الألمان أجهزة التكييف بينما يعدون خططًا لتقنين الغاز الطبيعي وإعادة تشغيل محطات الفحم.
وأدت تلك الأزمة إلى تصاعد توقعات التضخم، ففي مايو الماضي، توقعت المفوضية الأوروبية أن يصل التضخم في منطقة اليورو إلى 6.1 بالمئة خلال العام 2022، قبل أن ينخفض إلى 2.7 بالمئة في 2023، قبل أن تُعدّل تلك التوقعات لتصبح 7.6 بالمئة و4 بالمئة على التوالي.
ولا تزال المخاوف مستمرة من موجة غلاء مقبلة أكثر قسوة مما هيّ عليه الآن في أوروبا، بعدما أظهرت الإحصاءات أن التضخم سجل معدلًا قياسيًا بلغ 8.6 بالمئة في منطقة اليورو في يونيو الماضي.
تضخم حاصل.. وخوف من كساد وركود
شتاء قاسٍ
ويرى المحلل الاقتصادي، الزميل غير المقيم في مركز الطاقة العالمي التابع للمجلس الأطلسي، بول سوليفان، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "هذا الشتاء سيكون قاسياً للغاية على الاتحاد الأوروبي وبقية دول أوروبا عندما يتعلق الأمر باستمرار إمدادات الطاقة وأسعارها".
وأوضح "سوليفان" أن "ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء يتسببان في زيادة الفقر وانخفاض الدخل الحقيقي للأفراد، مما يضع ضغوطًا اقتصادية هائلة على الناس في أوروبا".
وأشار إلى أن من نتائج هذا الوضع المتأزم تفاقم معدلات التضخم في كل مكان، وتزايد معدلات البطالة، متابعًا: "إلى أين يذهبون؟ التضخم أصبح في كل مكان، وأصبحت الوظائف أكثر ندرة، والركود العالمي الناجم عن هذه الصدمات التضخمية سيوفر فرصًا قليلة في الخارج لمعظم الناس".
ومع ذلك، ارتفعت معدلات البطالة في ألمانيا للمرة الأولى منذ أشهر، بعد تسجيل اللاجئين الأوكرانيين ليصل إلى 5,2 بالمائة، حسبما ذكرت الوكالة الاتحادية الألمانية للعمل.
وبشكل عام بلغ معدّل البطالة في منطقة اليورو في مايو الماضي 6,6 في المئة ليصل إلى مستوى قياسي جديد، وفق إعلان يوروستات.
ولفت المحلل الاقتصادي إلى أن تلك الصدمات الاقتصادية الأخيرة في الدول الأوروبية يمكن أن يتبعها صدمات سياسية أخرى بما يخلق حالة من عدم الاستقرار.
الغلاء يطال الجميع
ولفت "سوليفان" إلى أن أسعار الطاقة والغذاء والمعادن والسيارات وغيرها بدأت في الارتفاع على مستوى العالم مع تجاوز الاقتصادات جائحة كورونا، إذ لم يكن هناك ما يكفي من الإنتاج لسلاسل التوريد للاستجابة للطلب المتزايد، مما ساهم في ارتفاع الأسعار، لكن حرب أوكرانيا جعلت هذا الأمر أسوأ بكثير من خلال وقف الصادرات الضخمة من القمح والبذور والزيوت والأطعمة الأخرى، وكذلك الأسمدة.
كما تقلصت صادرات روسيا من الطاقة إلى الاتحاد الأوروبي، ومع تقدم مسار الحرب، تم فرض عقوبات على موسكو.
وأضاف: "أدت تهديدات روسيا بفرض حظر على الاتحاد الأوروبي، والتهديدات المقابلة من الاتحاد الأوروبي بوقف استيراد الطاقة من روسيا إلى زيادة صدمات الأسعار".
كانت عملاق الطاقة الروسية "غازبروم"، أبلغت زبائنها في أوروبا أنها لا يمكنها ضمان إمدادات الغاز بسبب ظروف "استثنائية"، وهو ما يزيد المخاطر بشأن مستقبل إمدادات الطاقة إلى أوروبا.
وحذر صندوق النقد الدولي، الثلاثاء، من التداعيات الحادة لحظر الغاز الروسي على اقتصاد أوروبا.
تأثيرات واسعة
وقال الباحث في العلاقات الدولية والمقيم في برلين، عبد المسيح الشامي، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن ارتفاع الأسعار في أوروبا مرده الأساسي أزمة الطاقة والغذاء الذي تعتبر روسيا وأوكرانيا أهم مصادره.
وأضاف "الشامي" أن "ارتفاع الطاقة أدى بشكل واضح لارتفاع سعر تكلفة إنتاج الكثير من السلع الحياتية والمهمة للمواطن الأوروبي بشكل كبير، إضافة لانقطاع إمداد الكثير من المواد المتعلقة بالمواد الغذائية أو التقنية والصناعات بكل أحجامها، وبات أمن أوروبا الاقتصادي والمعيشي على حافة الهوية".
وعن تأثير موجة الغلاء على الوضع المعيشي في أوروبا، أوضح أنه "بلا شك فهذا الارتفاع الكبير يؤثر على الوضع المعيشي في أوروبا، خصوصا أنه لا يوجد أفق حقيقي بشأن بدائل وحلول لهذه المشكلة، مع عدم توفير بدائل حقيقية للطاقة الروسية، وكما يسمع المواطن الأوروبي من قادة الاتحاد أن الأزمة ربما تستمر لسنوات ولا يوجد أفق أو حل سياسي للأزمة الراهنة مع روسيا، وهذا يعطي انطباعا بأنها تستمر لسنوات طويلة".
وتابع: "المستثمر والمواطن والتاجر يسمعون من المسؤولين تنبيهات بالاستعداد لما هو أسوأ، رغم أن الإنسان الأوروبي اعتاد على الرفاهية وتلبية طلباته المتعلقة بالطاقة والتدفئة ومواد التغذية".
وبشأن تداعيات ذلك على الهجرة، أكد "الشامي" أن الهجرة الأكبر قد تبدأ من قبل رجال الأعمال والتجار والشركات والقطاعات التي لا تتحمل ضغوطات اقتصادية، وسيسعون للبحث عن البيئة الآمنة لاستثماراتهم، من حيث تأمين المواد الأولية والطاقة.
وقال: "لا يوجد ظاهرة واضحة للهجرة من أوروبا إلى الخارج إلى الآن، لكن لا شك أن الكثير من المستثمرين ورجال الأعمال انتقلوا إلى مناطق في آسيا وأعتقد أن هذا ربما يزيد في المستقبل".