على وقع حرب أوكرانيا.. مخاوف تتعاظم بشأن الأمن الغذائي بتونس
22:46 - 18 يوليو 2022جدد تقرير نشره المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية، الجدل حول الخطر الذي يهدد الأمن الغذائي في تونس، والتدهور الحاد للمقدرة الشرائية، وذلك في وقت تشهد فيه البلاد أزمة اقتصادية غير مسبوقة، وتفاقما كبيرا في عجز الميزان التجاري والغذائي.
وأشار معهد الدراسات الاستراتيجية في تقارير تداولتها وسائل الإعلام، إلى أن "تونس شهدت خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2022 تدهورا واضحا للمقدرة الشرائية للفرد، مع تسجيل الميزان الغذائي لمؤشرات سلبية ازدادت حدتها بفعل الحرب في أوكرانيا".
وحذر المعهد التونسي من خطورة ذلك الوضع على الأمن الغذائي بالبلاد، مشيرا إلى "ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة، لتجنب استفحال الأزمة التي توشك على الانفجار خلال النصف الثاني من العام الجاري والأشهر الأولى من عام 2023".
وأزاح تقرير المعهد النقاب عن حقيقة الوضع الغذائي في البلاد، فيما اعتبر خبراء اقتصاديون أنه "يدق ناقوس الخطر بشأن الأمن الغذائي للتونسيين"، وذلك في وقت تحتد فيه الأزمة الاجتماعية والاقتصادية وتتواصل فيه الخلافات السياسية، قبل أيام من التوجه إلى مراكز الاقتراع للتصويت على الاستفتاء الشعبي للدستور الجديد، الذي دعا إليه الرئيس التونسي قيس سعيد.
وقدم خبراء في الاقتصاد مقاربات عاجلة للحد من انعكاسات الأزمة الاقتصادية الدولية على الأمن الغذائي للتونسيين، مطالبين بـ"الدعوة العاجلة إلى الانخراط في مبادرات طوعية لتقليص تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية، وضرورة إشراك الفلاحين ومختلف النشطاء في مجالات الزراعة والاقتصاد في خطة وطنية، تهدف أساسا إلى التخفيف من حدة انعكاسات الأزمة على الوضع الغذائي".
وطالب عدد من الخبراء في مجال الاقتصاد والأمن الغذائي، بضرورة "دعم الإنتاج الزراعي وسن قوانين من شأنها دفع المزارعين لمزيد من الإنتاج، مع تقليص حجم الواردات الفلاحية والغذائية، لتكريس الجهود لتحسين الإنتاج المحلي".
ودعا هؤلاء كذلك إلى "تقليص مستوى الواردات الغذائية، خاصة المتعلقة ببعض المواد الأساسية مثل السكر والزيوت والحبوب، مع مراجعة اتفاقيات التبادل التجاري مع بعض البلدان، وتحسين برمجة الواردات الغذائية مع نهاية العام الجاري".
وفي وقت تشهد فيه تونس نقصا فادحا في المواد الغذائية الأساسية وارتفاعا مهولا في أسعار تلك المواد، كشف تقرير دولي أن تونس تحتل المرتبة 55 عالميا في مؤشر الأمن الغذائي العالمي لسنة 2021.
ويعتمد التصنيف الذي شمل 113 دولة حول العالم، على عدة معايير، أهمها تكلفة الغذاء وتوفره، والاكتفاء الذاتي من المواد الغذائية الأساسية.
وكشف عضو نقابة الفلاحين التونسيين، ليث بن بشر، أن "تردي الوضع الغذائي في تونس كان أمرا منتظرا، بسبب تداعيات أزمة كورونا، التي ساهمت بشكل مباشر في تقليص الإنتاج الغذائي، خصوصا أن توريد الأسمدة والأعلاف الحيوانية شهد اضطرابا واضحا منذ عام 2020، وألقى بظلاله على قطاع اللحوم والحليب ومشتقاته والحبوب والزيوت".
وأضاف في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية": "مؤشرات الأمن الغذائي ترتبط أساسا بمعدل الإنتاج الزراعي، ومن الواضح أن بلادنا تعاني في السنوات الأخيرة من ارتفاع تكلفة الإنتاج، مما أفرز ارتفاعا بالأسعار وتفاقم التضخم المالي".
كما أشار إلى "المشكلة الأكبر، وهي الاختلال الواضح بين الإنتاج والاحتياجات، أو بين العرض والطلب، وهي معطيات أفرزت كل هذه المخاوف المشروعة بشأن الأمن الغذائي للتونسيين".
ورأى المتحدث أن "تفادي الخطر المحدق بالأمن الغذائي يتطلب جهودا كبيرة، خاصة من الدولة، لدعم الإنتاج المحلي والتقليص من حجم الواردات في بعض المواد".
وأوضح أنه "منذ عام 2017، حذرت نقابة الفلاحين من هذا السيناريو، وقدمت خلال مؤتمر لمنظمة الأغذية والزراعة، مؤشرات حول الخطر الذي يحدق بالأمن الغذائي في ضوء ارتفاع تكلفة الإنتاج، لكن غياب دعم الدولة كلف الفلاحين خسائر فادحة ساهمت بطريقة مباشرة في تفاقم العجز الغذائي".
يذكر أن النقابات الزراعية بتونس طالبت السلطات بتخفيف أعباء الإنتاج على الفلاحين، ومراجعة أسعار الأسمدة والمواد الكيميائية، وسن قوانين للضغط على كلفة الإنتاج، بما يساهم في رفع معدلات الإنتاج وانخفاض أسعار المواد الغذائية الأساسية.
من جانبه، اعتبر رئيس منظمة إرشاد المستهلك، لطفي الرياحي، أن "ارتفاع أسعار المواد الغذائية هو العامل الأساسي الذي يقف وراء الخطر الذي يحدق بالأمن الغذائي للمواطن التونسي".
وفي تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية"، قال: "انخفاض هامش الربح لدى المنتجين الفلاحيين ساهم في ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية وفقدانها من الأسواق في كثير من الأحيان. الفلاح لا يجد غير رفع الأسعار سبيلا لتغطية التكلفة المشطة للإنتاج".
واستطرد: "من غير المعقول أن تعجز الطبقة المتوسطة اليوم في تونس عن توفير 3 وجبات غذائية عائلية يوميا. هناك عائلات تتناول وجبتين في اليوم بسبب ارتفاع الأسعار والتضخم المالي ولجوء بعض المضاربين والمحتكرين إلى ممارسات زادت الوضع تعقيدا".
ودعا الرياحي السلطات التونسية إلى "التدخل العاجل للحد من تفاقم العجز الغذائي في البلاد"، مضيفا: "نحن اليوم في تونس على مشارف أزمة غذاء حادة، والوضع يتطلب قرارا سياسيا لتعديل الأسعار، بما يراعي القدرة الشرائية للمواطن التونسي ويضمن للفلاحين والمنتجين هامشا معقولا من الربح".
وتابع: "يمكن أن يكون الحل في مرسوم رئاسي للرئيس سعيد، يمس المستهلك مباشرة ويضغط على أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية والخدماتية، ويحدد هامش الربح الذي يصل أحيانا إلى 70 بالمئة، وهو مؤشر مرتفع جدا يستوجب التعديل والمراجعة".
يذكر أن تونس حصلت مؤخرا على قرض بقيمة 130 مليون دولار أميركي (ما يعادل 400 مليون دينار تقريبا) من البنك الدولي، لتمويل مشروع التدخل العاجل من أجل الأمن الغذائي، الذي ينفذه ديوان الحبوب التونسي.
ويهدف مشروع التدخل العاجل من أجل الأمن الغذائي، الذي أقرته السلطات، إلى "التزود بالمنتجات الأولية اللازمة للفلاحين بقصد تأمين الموسم المقبل من الحبوب، إلى جانب التزود بالكميات اللازمة من القمح لضمان استمرارية توفير المواد الغذائية الأساسية".
وكان وزير الفلاحة التونسي، محمود الياس حمزة، قد أوضح في تصريحات لوسائل إعلام محلية، أن "مشروع الأمن الغذائي سيساعد الفلاحين في شراء القمح اللين والشعير العلفي والبذور، كما سيمكن من تحقيق الاكتفاء الذاتي فيما يتعلق بمادة القمح الصلب".
وأكد حمزة أن المشروع "يرتكز على توزيع 40 ألف طن من البذور الممتازة على الفلاحين، لترتفع بذلك نسبة استعمالها من 17 بالمئة إلى نحو 25 بالمئة، إلى جانب تحسين الإنتاج خلال الموسم الزراعي المقبل".