قصة أنس جابر.. جامعة كرات صغيرة وأحلام كبيرة
16:29 - 09 يوليو 2022"أنا اليوم امرأة تونسية فخورة، أعرف أن التونسيين هناك يطيرون من الفرحة احتفالا بهذا الانجاز الذي حققته حتى الآن، إنه حلم يتحقق، أنا سعيدة لأن هذه الجهود بدأت تؤتي ثمارها، أحب هذه الرياضة وأريد فقط أن أشاركهم تجربتي، أحب أن أرى فتيانا وفتيات عربا وأفارقة يلعبون هنا في ويمبلدون يوما ما".
بهذه الكلمات المؤثرة وتحت تصفيق الآلاف من الجماهير التي وقفت لتحيتها في مدرجات الملعب الرئيسي لبطولة ويمبلدون الكبرى لكرة المضرب، تحدثت لاعبة التنس التونسية أنس جابر عن انتصارها على منافستها الألمانية تاتيانا ماريا في نصف نهائي بطولة ويمبلدون وتأهلها للدور النهائي كأول لاعبة عربية وإفريقية تصل المباراة النهائية لإحدى بطولات "الغراند سلام".
وقبل مواجهة الكازاخستانية "ايلينا ريباكينا" في مباراة النهائي اليوم السبت، من أجل التتويج بأول ألقابها في البطولات الأربع الكبرى، واصلت أنس كتابة أجمل القصص في لعبة لم يكن لها وزن في الساحة الرياضية بتونس قبل سنوات قليلة ولكن الإنجازات اللافتة للاعبة التونسية المصنفة ثانية عالميا منحت رياضة الكرة الصفراء مكانة مرموقة وزادت في شعبيتها محليا وعربيا وإفريقيا.
وقالت جابر عقب التأهل التاريخي للنهائي: "بعد سنوات وسنوات من التعب والتضحيات بدأت ثمار هذا العمل تتحقق، مازالت هناك مباراة واحدة أتطلع للفوز بها من أجل التتويج".
وأضافت "قبل سنوات كنت أقول هل يمكن أن يأتي يوم أحقق فيه مثل هذه النتائج والآن لا أعرف صدقا ماذا أقول سوى أني فخورة كوني امرأة تونسية وعربية أحقق هذه النتائج، سمعت أن الاحتفالات في تونس بعد نصف النهائي كانت مجنونة، وستكون أكثر جنونا إذا فزت باللقب اليوم، أحب أن أرى الفرح لدى التونسيين، رغم كل ما يمرون به من صعوبات ".
وتنطوي مسيرة أنس جابر، البالغة من العمر 28 عاما، على قصة نجاح مثيرة وملهمة للآلاف من الشباب، لعبت فيها عائلتها دورا طلائعيا من أجل الوصول إلى المجد.
ظل العائلة الوارف
وعلى مدى مسيرتها في ملاعب الكرة الصفراء، كان ظل العائلة وارفا على أنس جابر ومتابعا لها في كل خطواتها، فقد نشأت اللاعبة وسط عائلة مولعة بالتنس وكان والدتها سميرة الحشفي، في نهاية التسعينات من القرن الماضي، لاعبة تنس هاوية في نادي التنس بالمنستير، وفي ذلك الوقت كانت تصطحب ابنتها الصبية ذات الأربع سنوات إلى ملاعب التدريبات وكانت تتكفل بمهمة جمع الكرات.
وشيئا فشيئا بدأ ولع أنس جابر بالكرة الصفراء ينمو إلى أن اختارها مدرب نادي التنس بحمام سوسة، نبيل مليكة، لتكون ضمن فريق البراعم وتبدأ في صقل موهبتها.
وفي سن الثامنة بدأت أنس جابر في المشاركة في دورات محلية للمبتدئات وحققت نتائج لافتة شجعت والديها على مزيد الإحاطة بها ودعمها لمواصلة الطريق حيث سافرت للمرة الأولى إلى باريس وهي في العاشرة من العمر حيث خاضت أول بطولة دولية لها.
استمرت أنس جابر في اللعب ضمن نادي حمام سوسة للتنس حتى بلوغها الثالثة عشرة حين انتقلت للدراسة في المعهد الرياضي بالعاصمة تونس للدراسة والتدريب وتطوير مهاراتها في اللعبة في نفس الوقت.
وفي تصريحات إعلامية سابقة كشفت أنس جابر انها استفادت كثيرا من الانتقال للمعهد الرياضي إذ لم تتأخر ثمار ذلك العمل مضيفة قولها: "في 2011 حققت أول لقب دولي لي عندما فزت بلقب بطولة رولان غاروس للشابات عام 2011 وعمري آنذاك 16 عاما".
وفي 2012، دخلت اللاعبة غمار الاحتراف وخاضت في فبراير من العام نفسه أول بطولة في مسار رابطة لاعبات التنس المحترفات وذلك في الدوحة بقطر لكنها لم تتجاوز الأدوار الأولى.
وعلى مدى عشر سنوات من اقتحامها عالم الاحتراف في كرة المضرب، صنعت أنس حابر لنفسها مسيرة لافتة وتاريخا ناصعا لكن بصمة عائلتها كانت موجودة باستمرار في جل مشاركاتها إذ أن المعد البدني المشرف عليها ليس سوى زوجها كريم كمون الذي تزوجها في العام 2015 قبل أن يشغل منصب مدرب اللياقة الخاص بها منذ 2017.
وقالت أنس جابر في تصريحات لإذاعة "أي أف أم" الخاصة إن "وجود كريم في حياتي الخاصة ومسيرتي الرياضية مهم جدا، في البداية لم يكن زوجي ضمن الطاقم التدريبي لكن اهتمامه بمسار المسابقات وكفاءته في اختصاصه حفزني للتعامل معه.. مسيرتنا ناجحة والحب لعب دورا هاما في ما حققته من إنجازات حتى الآن".
وظهر كريم كمون باستمرار إلى جانب أنس جابر كما أن الأخيرة كثيرا ما أشادت بمساهمته الفعالة في انتصاراتها وبطولاتها وشاركت صورهما عبر حسابها على منصات التواصل.
وبخصوص حضور عائلتها المباراة النهائية لبطولة ويمبلدون، كشفت جابر في تصريحات إعلامية قائلة: "شقيقي يستعد للمجيء من تونس وآمل أن يكون هنا، لكن للأسف لا يملك والداي سميرة ورضا وشقيقتي ياسمين تأشيرات ولا يستطيعون القدوم إلى لندن، لكن سيكون من الرائع أن يكون أخي، وربما صهري هنا".
وحققت أنس جابر صعودا صاروخيا في مشوراها الاحترافي ظهر بالخصوص خلال العامين الأخيرين عندما توجت في يونيو 2021 ببطولة بيرمنغهام وهو أول لقب في مشوارها الاحترافي.
لكن سنة 2022 كانت عاما ملهما بكل المقاييس بعد أن حققت خلاله اللاعبة التونسية لقبين اثنين في بطولتي روما وبرلين فضلا عن بلوغها الدور النهائي لبطولة مدريد المفتوحة.
وواصلت "وزيرة السعادة"، مثلما تلقب في تونس، سلسلة توهجها عندما أطاحت بنجمات كبيرات في بطولة ويمبلدون إحدى البطولات الأربع الكبرى وبلغت المباراة النهائية التي ستجمعها بصاحبة المركز 23 عالميا "إيلينا ريباكينا".
أنشطة خيرية
وساهمت التنشئة العائلي لأنس جابر في إقبالها على الأعمال الخيرية والأنشطة الاجتماعية، ففي يوليو 2021، وعندما كانت تونس تشهد أزمة وبائية خطيرة، أعلنت اللاعبة عن طرح مضرب التنس الذي بلغت به ربع نهائي بطولة ويمبلدون من ذلك العام للبيع بالمزاد العلني وتخصيص المداخيل التي بلغت نحو 30 ألف دولار للمساعدة في اقتناء تجهيزات طبية للوقاية من تفشي فيروس كورونا.
وفي يونيو الماضي، أطلقت أنس مبادرة خيرية للمساهمة في ترميم عدد من المدارس والمنشآت التعليمية في المناطق النائية وذلك عبر تخصيص 100 أورو لتلك الأنشطة عن كل إرسال مباشر أو نقطة "دروب شوت" تقوم بها في دورة ويمبلدون.