مع هلع الركود.. مؤشرات الأسهم تعاكس نشاط الاقتصاد التقليدي
18:20 - 28 يونيو 2022شهد العالم خلال النصف الأول من العام الجاري ظاهرة اقتصادية لم يعتد عليها، وهي الانفصال ما بين الأسواق المالية والاقتصاد الحقيقي، بحسب خبراء، أرجعوا السبب إلى الحرب الروسية الأوكرانية التي اعتبروها الشرارة التي أوجدت هذه الظاهرة، وتوقعات التباطؤ في مجمل الطلب جراء رفع أسعار الفائدة، إلى جانب المزاج العام للمستثمرين الذي يتحكم بالأسواق المالية.
ويقول الخبير الاقتصادي الدكتور نضال الشعار إن "مؤشرات الأسواق المالية تدل على أن العالم يشهد حالة ركود تقترب من الكساد، فمؤشر (داو جونز) انخفض خلال الأشهر الستة الماضية بنحو 25 بالمئة ومثله مؤشرات (إس آند بي) و(ناسداك) و(داكس الألماني)، في حين يجد المهتمون والاقتصاديون أن الناتج المحلي في الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة وألمانيا ارتفع وأن معدل البطالة انخفض، وخصوصاً في الولايات المتحدة التي وصلت إلى مرحلة التشغيل التام حيث لا يتجاوز معدل البطالة فيها الـ 3.5 بالمئة وهو رقم غير مسبوق، فالمصانع والمحلات التجارية والشركات بحاجة إلى عمال ولا تجدهم".
ظاهرة حديثة قديمة
يصف الشعار هذه الظاهرة، في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" بالانفصال ما بين الأسواق المالية والاقتصاد الحقيقي، واعتبرها ظاهرة حديثة قديمة ولكن العالم لم يعتد عليها خلال الفترة الماضية، حيث يُرجع السبب في ذلك إلى نوعين من التوقعات الأول يتعلق بتوقعات رفع أسعار الفائدة، والثاني بتوقعات لها علاقة بالعرض والتكلفة.
وفي شرحه للنوع الأول من التوقعات، يشير الخبير الاقتصادي إلى أن "الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بدأ برفع أسعار الفائدة وكذلك البنوك المركزية الأوروبية وحتى البنوك المركزية في منطقتنا لارتباط عملتها بالدولار الأمريكي، وهذه التوقعات تنذر بأن رفع أسعار الفائدة سيؤدي إلى تباطىء في مجمل الطلب وهذا التباطؤ يمكن تفسيره على أنه ركود إذا تمت المبالغة في رفع الأسعار".
أما بالنسبة للنوع الثاني - يتابع الدكتور الشعار- "التوقع الثاني هو من جهة العرض والتكلفة، وبرأيي فإن الحرب الروسية الأوكرانية، كانت الشرارة التي أوجدت هذا الواقع الجديد أي ارتفاع أسعار الطاقة والأغذية، وكل هذا يؤثر على الإنتاجية والناتج المحلي بشكل عام، إذ أن ارتفاع الأسعار سيؤثر على الطلب ما يعني انخفاض الإنتاجية وبالتالي انخفاض الناتج المحلي، فهذان العاملان يدفعان نحو الركود التضخمي وهما في المحصلة يؤديان إلى تباطىء في الطلب وفي الاقتصاد عموماً مع بقاء الأسعار مرتفعة في حال استمرار الحرب في أوكرانيا".
ارتفاع الفوائد
بدوره، يؤكد عمرو عبدو المحلل المالي والشريك المؤسس لماركت تريد أكاديمي ما ذهب إليه الخبير الاقتصادي الشعار، عندما أشار إلى وجود تباين بين حالة الاقتصاد بشكل عام وحالة الأسواق المالية لاختلاف المعطيات التي تؤثر عليهما، مرجعاً السبب إلى تحكم المزاج العام للمستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال بالأسواق المالية نتيجة بحثهم عن العائد على رأس المال، بالإضافة إلى تكلفة المخاطر بين الأسهم والسندات.
ويضيف عبدو: "يعود الهبوط الأخير في الأسواق المالية وتحديداً أسواق الأسهم والسندات إلى التضخم المرتفع وخصوصاً في الولايات المتحدة ما دفع (الفيدرالي الأميركي) إلى رفع سعر الفائدة وفي هذه الحالة ترتفع العوائد على السندات، حيث زادت العوائد منذ بداية العام الجاري بنسبة 100 بالمئة، من 1.5 بالمئة إلى 3.3 بالمئة، وعند مقارنة هذه العوائد مع أرباح الشركات المدرجة في مؤشر إس آن بي 500 للأسهم الأمريكية والبالغة 1.7 بالمئة نجد أن الفرق يميل تجاه السندات من جهة، وكذلك فإن فرق المخاطر يرجح كفة السندات ما أدى إلى حدوث تخارجات كبيرة من أسواق الأسهم لصالح الأصول الأخرى".
ويسلط المحلل المالي عبدو الضوء على تأثّر أسهم شركات التكنولوجيا برفع أسعار الفائدة قائلاً: "لاحظنا أن مؤشر (إس آند بي) انخفض 22 بالمئة منذ بداية العام الجاري ولكن مؤشر (ناسداك) الذي يتضمن شركات التكنولوجيا بشكل أكبر انخفض بنحو 32 بالمئة والسبب يعود إلى أن هذه الشركات دون غيرها تعتمد بشكل كبير في نموها على الاستدانة من أسواق المال أو البنوك، وعند رفع أسعار الفائدة تكون تكلفة الدين كبيرة عليها، وهذا بدوره سيكون على حساب الأرباح ما يجعلها أقل جاذبية للمستثمرين فتحدث تخارجات جماعية منها ولذلك نجد الانخفاض والهبوط في قطاع التكنولوجيا أكثر من غيره".
واستبعد عبدو حدوث ركود وخصوصاً في الاقتصادات المتقدمة مثل أميركا، مشيراً إلى أن ملاءة المستهلك الأمريكي الذي يعد أهم ركائز الاقتصاد جيدة جداً وتحديداً خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وكذلك فإن الملاءة المالية للأميركان الذين لديهم عقارات في أعلى مستوياتها تاريخياً، حيث وصلت الثروة الكامنة في العقارات إلى 27.3 تريليون دولار وهذا يعد رقماً قياسياً تاريخياً أيضاً ما يعني أن ليس هناك بوادر لحدوث مشكلة في سوق العقارات وبخاصة أن الرهونات العقارية في مستويات متدنية فضلاً عن أن سوق العمل مايزال قوياً.