مصادر الطاقة.. ولعبة عض الأصابع بين أوروبا وروسيا
07:51 - 06 يونيو 2022يجمع خبراء طاقة على أن قطع روسيا لإمدادات الغاز إلى كل من فنلندا وبولندا وبلغاريا وهولندا والدانمارك لعدم التزامها بسداد المستحقات بالروبل، لن يشكل خطراً فورياً على شبكة إمدادات الغاز في هذه البلدان، نتيجة عامل الوقت وحلول فصل الصيف الذي يتيح لها نسبياً البحث عن مصادر وتعاقدات بديلة.
ويوضح الخبراء أن العالم يشهد عملية عض أصابع بين روسيا والاتحاد الأوروبي، حيث تعتمد أوروبا بنحو 45% من مستورداتها على الغاز من روسيا (155 مليار متر مكعب في العام)، ما يعني أن انقطاع هذه الصادرات سيخلق ألماً كبيراً لأوروبا على المدى القصير ولكنه سيخلق ألماً أكبر ودائم لروسيا على المدى الطويل.
الغاز سلاح روسيا الأقوى في علاقاتها بأوروبا
ويقول الباحث الاقتصادي والخبير في شؤون الطاقة سمير سعيفان في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية": "طالما كان النفط والغاز سلاح روسيا الأقوى في علاقاتها بأوروبا، إذ أن قطع إمدادات الغاز الروسي عن أي بلد أوروبي سيخلق أثراً سلبياً كبيراً على المستوى الاقتصادي العام لبلدان أوروبا وعلى مستوى الحياة اليومية للأسر فيها، وإن أبدت أوروبا بعض المرونة أمام ضغوط روسيا وقبول بعضها شراء النفط والغاز الروسي بالروبل، لكن هذا الشراء سيكون لبعض الوقت كي تنجز خطتها للاستغناء عن النفط والغاز الروسي".
تسريع مشروعات الطاقة المتجددة
وبروكسل المصممة على حرمان روسيا من تمويل حربها على أوكرانيا، وضعت خطة لتقليص اعتمادها على النفط الروسي بنسبة 90% حتى نهاية هذا العام، وبنحو 50 مليار متر مكعب في العام من الغاز، وفقاً لسعيفان، الذي أوضح أن هذه الخطة تتضمن إجراءات مثل تسريع مشروعات طاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة الحيوية والطاقة النووية والتحول من التدفئة بالغاز الى التدفئة بالمضخات الحرارية وتحسين كفاءة المباني والصناعة بما يقلل استهلاك الغاز بـ 50 مليار مترمكعب خلال عام، لافتاً في هذا السياق إلى إعلان الحكومة الألمانية عن برنامج للنقل العام الرخيص بتكلفة 9 يورو للرحلة الواحدة بالقطارات بين المدن ما سيقلص استخدام السيارات إلى حد كبير.
صعوبة في إيجاد بديل للغاز المنقول بالأنابيب
ويضيف سعيفان: "إن تقليص اعتماد أوروبا على النفط الروسي أسهل من الغاز، ولكنه ليس بتلك البساطة، فروسيا تنتج نحو 10 ملايين برميل في اليوم، وتصدر نحو نصفها للأسواق العالمية على شكل نفط خام أو مشتقات، وليس من السهل إيجاد مصادر أخرى بديلة، وهذا الأمر قد رفع الأسعار بشكل كبير جدداً.
أما التحول عن الغاز الروسي، بحسب سعيفان، "فهو أصعب لأن نحو 85% منه يتدفق من روسيا عبر أنابيب غاز والباقي على شكل غاز مسال، وإن كان من السهل البحث عن مصادر أخرى للغاز المسال (من قطر مثلًا) فمن الصعب إيجاد بديل للغاز المنقول بالأنابيب، وأكبر المستوردين الأوروبيين هم ألمانيا وبولندا وهولندا، ولكن الأثر سيكون أكبر على الدول التي تعتمد بشكل كلي أو كبير على الواردات من روسيا مثل فنلندا وبلغاريا وبولندا، وبشكل قليل على دول لا تعتمد عليها بشكل كبير مثل هولندا والدنمارك".
ويختم سعيفان "بالنتيجة، فإن معاقبة روسيا لأوروبا بقطع مصادر الطاقة عنها سيخلق على الأمد القصير أثراً سلبياً على حياة الأوروبيين وعلى اقتصادات بلدانها، ولكنه سيخلق أثراً سلبياً دائماً على المدى الطويل على اقتصاد روسيا وحياة مواطنيها".
الصيف يتيح فرصاً كبر للبدائل
من جانبه، يشير الدكتور راضي عيسى أستاذ الاقتصاد المختص باقتصاديات الطاقة في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية" إلى أن تأثير قطع روسيا إمدادات الغاز إلى بعض الدول المستوردة مثل فنلندا وبلغاريا وبولندا وهولندا والدنمارك سيختلف من دولة الى أخرى حسب الأهمية النسبية لإمدادت روسيا لهذه الدول من إجمالي احتياجاتها وبالتالي ستكون فنلندا وبلغاريا وبولندا الأكثر تأثراً بقرار المنع هذا، وخصوصاً أن نسبة اعتماد كل منها على الغاز الروسي تمثل 94% و77% و 40% على التوالي، في حين تعتمد هولندا على الغاز الروسب بنسبة 11% من احتاجاتها والدنمارك بنسبة 4%.
ويؤكد الدكتورعيسى أن عامل الوقت وحلول فصل الصيف يتيح نسبياً لهذه الدول الاتجاه إلى المزيد من الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة والبحث عن مصادر وتعاقدات بديلة، كما حدث فعلياً مع بعض الدول مثل ألمانيا واتجاهها إلى دولة قطر لمدها باحتياجاتها من الغاز والخروج من دائرة الضغوط الروسية للتعامل بالروبل، وأيضاً امتثالاً للعقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا كعنصر ضغط لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، وهو مما لاشك فيه سيكون له آثاراً سلبية طويلة الأجل على النمو الاقتصادي لروسيا وكذلك على خطط تمويل التنمية لديها.
يشار إلى أن "غازبروم" أعلنت مؤخراً أنها قررت قطع إمدادات الغاز عن كل من بولندا وبلغاريا وفنلندا وهولندا، والدنمارك بعد رفضها طلب موسكو للدفع بالروبل، كما طالب بذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتن.