بوتن ومعركة الطاقة.. أوروبا تستسلم أمام روبل روسيا
07:30 - 29 مايو 2022دخلت العملية الروسية في أوكرانيا شهرها الرابع، ولا يزال العالم يتخوف من حدوث عدة أزمات، حيث أفادت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية بأن دول الاتحاد الأوروبي "استسلمت" أمام مطالب موسكو بدفع ثمن الغاز الروسي بالروبل خوفًا من حدوث أزمة طاقة لديها.
وقالت الصحيفة في مقال إن "شركات الغاز في دول الاتحاد الأوروبي التي تصنفها روسيا "غير ودية" انتهى بها الأمر بالاستسلام لمطالب موسكو، ووافقت على دفع ثمن الغاز الطبيعي الروسي وفقًا للنظام الجديد (بالروبل) خوفًا من حدوث أزمة طاقة لديها، مخالفة بذلك تصريحاتها السابقة".
وتعليقًا على موقف الشركات الأوروبية، يقول سولونوف بلافريف الخبير الروسي في تاريخ العلاقات الدولية، إن موسكو نجحت في إدارة حرب الطاقة والرد على العقوبات الاقتصادية الغربية ضد الاقتصاد الوطني، وآخرها حجب صادرات الطاقة عن فنلندا كنوع من العقاب بعد ما تقدمت بطلب رسمي للانضمام إلى (الناتو) وهو ما حذرت منه موسكو.
حرب تكسير العظام
طليعة قرارات الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، ردًّا على العقوبات الأوروبية والأميركية مع بدء العملية العسكرية، كانت دفع مقابل الغاز والنفط بالروبل، وهنا يُضيف سولونوف بلافريف، خلال تصريحاته لـ" اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن الهدف الأول من خطوة بوتن الخاصة بالروبل هو دعم العملة الروسية المحلية التي ترنحت مع بدء العملية العسكرية فبراير الماضي، لتلجأ الشركات الأوروبية المستوردة للطاقة من روسيا إلى التحكيم، كما فعلت "غاسوم" الفنلندية الحكومية للطاقة، وهكذا فرضت موسكو إرادتها بقطع الطاقة عن المعارض للشراء بالروبل، والمثال بولندا وبلغاريا.
ويؤكد الخبير الروسي في تاريخ العلاقات الدولية، أن قطع الطاقة سلاح "مزدوج الحدين" وقد يضر روسيا كما تضر به موسكو أوروبا ودول الغرب المساندة لأوكرانيا بالمال والسلاح والتحركات السياسية، خاصةً أن الاقتصاد الروسي يقوم في جزء كبير منه على حصيلة صادرات النفط والغاز وأكبر مستورديه في القارة الأوروبية، وبالتالي الخطوة العقابية التي اتخذتها ضد الدول الغربية الداعمة لـ"كييف" اضطرت روسيا للعمل حثيثًا لإيجاد أسواق جديدة تستورد النفط والغاز الروسي خاصة في آسيا وبلدان أخرى.
ويُشير سولونوف بلافريف إلى أن روسيا أصبحت في مرحلة مواجهة مفصلية مع العديد من الدول الأوروبية كأنها حرب تكسير عظام، لذا تحاول أن تجعل الدول الأوروبية تعاني اقتصاديًّا لردعها عن الانضمام إلى الصف الأميركي الداعم الأول لأوكرانيا، وما يجعل الوضع خطيرًا هو الحالة الصعبة للاقتصاد العالمي، وتزايدت المخاوف من احتمالات ركود شامل.
وقد حظرت الدول الغربية وارداتها من الوقود الروسي اعتراضًا على استمرار العملية العسكرية، ومع أزممات الطاقة المتزايدة في العالم وسعي موسكو للبحث عن أسواق بديلة للتصدير، قد يتراجع إنتاج روسيا من النفط الخام بنسبة 10.25% خلال 2022، مقارنةً بالعام الماضي، كما سجلت الصادرات الروسية من الوقود الأحفوري نحو 63 مليار يورو (66.46 مليار دولار) منذ بدء العملية العسكرية في أوكرانيا حتى أواخر إبريل الماضي، حسب بيانات مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف (سي آر إي إيه).
العقاب والرضوخ الأوروبي
أصبحت عدد من الدول الأوروبية تدفع فاتورة معارضة الناتو للعملية العسكرية الروسية، وسداد قيمة مشترياتها من الغاز الطبيعي الروسي بالروبل، ليستفيد الروبل من القرار ويحقق قفزة كبيرة أمام عملات أوروبا وأميركا، وهنا يقول الباحث في الشأن الاقتصادي محمود الطاهر، إن آخر الشركات التي رضخت لقرار بوتن شركة "إيني" الإيطالية للطاقة، التي قررت، فتح حساب باليورو وآخر بالروبل لدى مصرف "غازبروم بنك" لتسديد مدفوعاتها لقاء إمدادات الغاز المستحقة.
وأضاف خلال تصريحاته لـ اقتصاد سكاي نيوز عربية"، روسيا تخبر أوروبا أن مصالح الدول الغربية الخاصة في مرحلة خطر؛ فألمانيا على سبيل المثال، لا يمكنها أن تحرر نفسها بسهولة من واردات الغاز الروسي بحلول عام 2024، كما تخطط لذلك من أجل إضعاف الكرملين في حرب أوكرانيا، فقد وقع عملاء غاز بروم الألمان عقودًا طويلة الأجل لدفع ثمن الغاز الروسي حتى لو توقفوا عن شرائه.
وتحتوي هذه العقود على بنود "الاستلام والدفع" التي تفرض أخذ حد أدنى من الغاز، وإذا لم يتم أخذ تلك الكمية، فيتعين على المشتري (ألمانيا) دفع ثمن ذلك الغاز حتى لو لم تشترِه.
وأوضح الباحث في الشأن الاقتصادي، أن روسيا بعد أن أثبتت نجاحها في الحفاظ على عملتها أصبحت تعاقب كل من عارضها لتدخل هذه الدول حاليًّا في تهديد الظلام أو الشتاء القارس، ومع فشل الاتحاد الأوروبي في التحرر من إمدادات الطاقة والغاز الروسي، وفي ظل عدم استطاعة 9 دول تتبع الاتحاد الأوروبي تخزين الغاز وعقاب فنلندا بمنع تصدير الغاز إليها ردًّا على طلب الانضمام الرسمي للناتو، سيجعل الكثيرين يعيدون حساباتهم مع موسكو.