بعد عقوبات الفحم.. هل تتحمل أوروبا التخلي عن الغاز الروسي؟
13:31 - 23 أبريل 2022في ظل عقوبات غربية تتوالى على روسيا، تسعى الدول الأوروبية إلى الاستغناء تدريجيًّا عن استيراد الطاقة من موسكو، بعد إقدامها على حرب أوكرانيا الواقعة في أوروبا الشرقية.
وشملت عقوبات الاتحاد الأوروبي حظر الفحم، فيما تم استبعاد النفط والغاز، بينما حظرت أستراليا وكندا والولايات المتحدة، وهي أقل اعتمادًا على الإمدادات الروسية مقارنة بأوروبا، مشتريات النفط الروسي.
ولا تزال دول الاتحاد الأوروبي منقسمة بشأن الجدول الزمني، لكن رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، قالت إن التكتل يأمل في التخلص التدريجي من اعتماده على الغاز والنفط والفحم الروسي بحلول عام 2027.
وتمتلك روسيا 15% من الاحتياطي العالمي للفحم حسب التقرير السنوي لشركة "بريتيش بتروليوم" حول الطاقة، وتشكّل إمدادات الفحم الروسي 45% من واردات الاتحاد الأوروبي مع اعتماد بعض الدول عليه بشكل خاص؛ مثل ألمانيا وبولندا اللتين تستخدمانه لإنتاج الكهرباء.
أمّا المنتجون الرئيسيون الآخرون فهم الولايات المتحدة 17.5% من واردات الاتحاد الأوروبي اليوم وأستراليا 16% وجنوب إفريقيا أو حتى إندونيسيا.
وتصدّر روسيا الغاز مباشرة إلى أوروبا لا سيما من خلال شبكة أنابيب مع 155 مليار متر مكعب سنويًّا، تمثل 45% من واردات الاتحاد الأوروبي ونحو 40% من استهلاكه.
وتستهلك دول الاتحاد الأوروبي نحو 40% من وارداتها من النفط ومشتقاته من روسيا، والتي تصل إلى نحو 6.5 مليون برميل يوميا من النفط الخام ووقود الديزل.
وتُشير البيانات الاقتصادية إلى أن شحنات الغاز الطبيعي المسال المصدرة من إفريقيا في 2021 وجهت بشكل كبير إلى الأسواق الأوروبية، ما يضع الجزائر في المرتبة الرابعة بين مصدّري الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا، والتي تعتبر ألمانيا واحدةً من أكبر أسواقها.
ووفقًا لتقرير صادر عن منظمة الدول العربية المصدرة للنفط "أوبك"، سجلت مصر أكبر نمو على مدار العام في الصادرات في شرق إفريقيا بمعدل 1,4 ملايين طن من الغاز الطبيعي المسال في الربع الثاني، كما أن الغاز الطبيعي المسال هو الوحيد الذي تصدره مصر حاليًّا، حيث إن البلاد ليست مرتبطة بعد بشبكة خطوط أنابيب أوروبية.
وبنظرة على حالة تصدير الغاز عبر ليبيا يتضح وجود احتياطيات قابلة للاستخدام، ووفقًا لبوّابة الإحصاءات statista.com، بلغت احتياطيات الغاز الطبيعي في ليبيا نحو 1,4 مليارات متر مكعب في عام 2020. ومع ذلك، حتى لو كان الغاز الليبي مُتوفِّرًا، فإنّ البنية التحتيّة لن تكون قادرةً على زيادة أي صادرات.
ويثير مشروع ضخم في نيجيريا الآمال في الحصول على المزيد من واردات الغاز للأوروبيين، فقد وافقت الجزائر والنيجر ونيجيريا على بناء خط أنابيب للغاز عبر الصحراء الكبرى بطول أكثر من 4 آلاف كيلومتر، حيث سيوصل هذا الأنبوب الغاز عبر الدول الثلاث إلى أوروبا.
ووفقًا لتقارير وسائل الإعلام، سينقل خط الأنابيب 30 مليار متر مكعب من الغاز سنويًّا بعد اكتماله، حسب مرصد الطاقة العالمي.
حاليًّا فإن أكبر المشترين للغاز الطبيعي المسال النيجيري في أوروبا هو فرنسا وإسبانيا والبرتغال، البلدان التي لديها محطات للغاز الطبيعي المسال، وفي عام 2019، استوردت أوروبا نحو 108 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال، منها أكثر من 12 مليار من نيجيريا.
أمريكا أكبر مصدر للطاقة
آميد شكري، كبير مستشاري السياسة الخارجية وأمن الطاقة في مركز "تحليلات دول الخليج" (مقره واشنطن)، قال إن "الولايات المتحدة أصبحت أكبر مصدر للطاقة في العالم منذ ديسمبر الماضي، وستظل في هذه المكانة بالنظر إلى الاستثمارات التي تتم في السنوات المقبلة".
وأضاف شكري لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أنه "في ديسمبر الماضي، اشترى العملاء الأجانب 13% من إنتاج الغاز في الولايات المتحدة، بزيادة 7 أضعاف على مدى السنوات الخمس الماضية. تمتلك الولايات المتحدة القدرة على زيادة صادرات الطاقة إلى أوروبا، وهي قضية مهمة تتمثل في انخفاض قدرة مرافق التخزين في أوروبا والافتقار إلى تكامل شبكات الكهرباء والغاز الطبيعي في القارة العجوز".
وتابع: "قدمت أزمة الطاقة الأخيرة في أوروبا فرصة للولايات المتحدة لزيادة صادراتها من الطاقة وتصبح أكبر منتج للطاقة في العالم. يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى إصلاح شامل لسياسته في مجال الطاقة، إنّ زيادة قدرة مرافق تخزين الغاز الطبيعي وبناء المزيد من محطات الغاز ودمج أو ربط شبكة إمداد الغاز في بعض البلدان، كل ذلك يُمكن أن يقلل من حجم أزمات الطاقة في المستقبل".
وأكد على أنه "نظرًا للقدرة العالية لإنتاج النفط الروسي على المدى القصير، لا يمكن العثور على بديل للنفط الروسي في سلة الطاقة الأوروبية، وحذّر الأمين العام لمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) من تداعيات الحظر الأوروبي على النفط الروسي".
الطاقة النووية
أوضح شكري أن "أوروبا يمكن أن تخفض تدريجيًّا حصة النفط في سلة طاقتها من خلال زيادة حصة الغاز الطبيعي، ويجب على أوروبا أيضًا أن تولي اهتمامًا خاصًّا للدور المهم للطاقة النووية، ونظرًا لظروف السوق واستثمارات الدول الأوروبية في هيكل الطاقة الخاص بها، تتوقّع المفوضية الأوروبية أن الاتحاد سيعتمد على وارداته من الطاقة من روسيا لمدة 5 سنوات أخرى على الأقل".
وتابع: "بالنظر إلى تأكيد الأمين العام لمنظمة أوبك، محمد باركيندو، على تأثير العوامل غير الأساسية على التقلبات الحادة في سوق النفط، وافتقار أوبك للسيطرة على هذه العوامل، فإنه يظهر أن أوبك لن تنتج المزيد من النفط. ومن المتوقع أن تمدد قمة أوبك بلس الشهر المقبل الاتفاق السابق على زيادة تدريجية في الإنتاج.
وتظهر المصالح المشتركة لأوبك وروسيا واعتماد أوروبا المفرط على موارد الطاقة الروسية أن سوق الطاقة لا يمكن أن يحلّ محل النفط والغاز الروسي بسهولة. يجب على أوروبا أن تخفض تدريجيًّا وارداتها من الطاقة من روسيا".
وأكّد على أنه "إذا كانت أوروبا جادة بشأن تنويع الطاقة بعيدًا عن روسيا، فيمكنها العثور على موردين موثوقين بين الدول العربية، لكن يجب أن تأخذ المخاوف العربية على محمل الجد. نظرًا لحاجة أوروبا إلى الغاز الطبيعي الروسي والافتقار إلى البدائل المتاحة بسهولة لموارد الطاقة الروسية في السوق الأوروبية على المدى القصير، فإن حلول الخلافات السياسية بين أوروبا والشرق الأوسط أصبحت أكثر أهمية الآن من أي وقت مضى".