غاز الجزائر.. هذه خطة روما لضرب الروبل الروسي
06:46 - 17 أبريل 2022يبدو أن الجزائر ستجني أرباحا من أزمة أوكرانيا، بعد الاتفاق مع إيطاليا على زيادة إمدادت الغاز
فإيطاليا التي تسعى لتزويد وارداتها من الغاز الطبيعي من الجزائر، رغم تلقيها نحو 29 مليار متر مكعب من روسيا 2021، تريد تقليل أو إنهاء اعتمادها على غاز موسكو التي أعنلت مؤخرا توريده للدول غير الصديقة بالروبل الروسي بدلا من الدولار الأميركي أو اليورو الأوروبي.
وتمثل ذلك في الاتفاقية الجديدة التي وقعتها شركة "إيني" الإيطالية بشراء كميات إضافية من الغاز الطبيعي، من الجزار بلغت نحو 9 مليارات متر مكعب إضافية سنوياً خلال عامي 2023 و2024.
الاتفاق مع الجزائر
وتعتبر الجزائر المصدّر الأفريقي الأول للغاز الطبيعي والسابع في العالم، لكن بسبب البنية التحتية التي يتعين تحديثها وزيادة الاستهلاك المحلي أصبح هامش المناورة محدودا من أجل زيادة كبيرة في صادراتها.
وتوصلت الجزائر وإيطاليا، مؤخرا إلى اتفاق لزيادة كميات الغاز التي تستوردها روما من الجزائر بهدف التقليص من التبعية للغاز الروسي.
وقالت "سوناطراك" ، في بيان، إنها حددت أسعارا جديدة لمبيعات الغاز للعامين 2022 و2023 مع نظيرتها الإيطالية.
وجرى التوقيع بحضور الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، ورئيس الوزراء الإيطالي، ماريو دراغي، بحسب بيان صدر عن "سوناطراك".
ووفق البيان فإن الاتفاق ينص على أن الإضافات في رفع كميات الغاز "ستزيد تدريجا اعتبارا من 2022 لتبلغ 9 مليارات متر مكعب في 2023-2024" عبر خط أنابيب إنريكو ماتيي "ترانسمد" الذي يربط البلدين عبر تونس والبحر المتوسط.
والتعاون يهدف إلى تسريع وتيرة تطوير مشاريع إنتاج الغاز الطبيعي، من خلال تضافر جهود الشركتين، و زيادة حجم الغاز المصدر باستخدام القدرات المتاحة لخط ترانسمد، وفق البيان.
وتبلغ الاحتياطيات الجزائرية المؤكدة من الغاز الطبيعي ما يقرب من ألفين و400 مليار متر مكعب، وهي تساهم بتوفير حوالى 11 % من الغاز المستخدم في أوروبا، في مقابل 47 % للغاز الروسي.
وتوجهت الكثير من الدول التي تسعى لتقليل تبعيتها لروسا إلى الجزائر، حليف موسكو التاريخي، لكن قدرات تصدير هذه الدولة الشمال إفريقية محدودة للغاية.
ويقول الأمين العام للحزب الديمقراطي الإيطالي إنريكو ليتّا، إن التخلي عن الغاز والنفط الروسي يمثل أولوية مطلقة بالنسبة لإيطاليا .
وقال ليتّا ، في تصريحات لصحيفة "إل فوليو" الإيطالية -، إن " المضي قدما في هذا الاتجاه يعني تسريع كل شيء أي يعني تسريع إنهاء الحرب وتعجيل عمليات السلام".
ويردف أن هذا الأمر يعني من ناحية أخرى، تسريع عمليات أخرى أيضاً، مثل عملية بناء استدامة للطاقة الأوروبية، ومن ثم، وبحكم توازن جديد وحاسم، تسريع بعض الإجراءات الضرورية التي يتعين تنفيذها لتجنب مرحلة ركود ثالثة .
ومن جانبه يقول الدكتور مهماه بوزيان، الخبير الجزائري في شؤون الطاقة، إن عقود الغاز هي عقود تجارية بين شركات الطاقة، وليست اتفاقات سياسية بين حكومات أو دول".
ويضيف لموقع "اقتصاد سكاي "، أن "زيادة إنتاج أي دولة من الغاز مرتبط بإمكانية توفر قدرات إنتاج إضافية، لكن واقع صناعة الغاز اليوم عالميا يقع تحت تأثير عجز الاستثمارات ما يحد ّمن إمكانية رفع الإنتاج".
واستطرد: "كما هناك عجز في قدرات الإنتاج الإضافية لدى غالبية المنتجين للغاز، أما العجز الآخر ففي قدرات شحن الغاز المسال عالميا. وهناك عجز آخر في الرؤية لدى الدول الأوروبية المستهلكة للغاز لأنها تريد إمدادات إضافية من جهة المنتجين بدون ضخ استثمارات تساعد بالاستكشاف والإنتاج والنقل والبنية التحتية لمدّ الأنابيب".
أما الخبير الجزائري عبد الرحمن عية، فيقول إن الاتفاقية لا بد أن تترافق وخطوات عملية من روما تهدف إلى جلب الاستثمارات بالعملة الصعبة، وتأمين القدرات الاستخلاصية للطاقة بهدف تهيئة الأرضية المناسبة لاستخراج الغاز.
ويضيف أن للبلدين مصلحة كبيرة في الاتفاقية ولا سيما أن الجزائر تحتاج إلى مداخيل إضافية في سبيل تعزيز اقتصادها، وأيضًا ستخفف إيطاليا من الضغط على شركائها الأوروبيين، من خلال إيجاد بديل للغاز الروسي، لذلك ستعمل روما بسرعة على المساعدة في رفع إنتاج الغاز المحلي الجزائري ولا سيما أن الأخيرة تستهلكه في إنتاج الكهرباء.
أكبر مورّد لإيطاليا
والصفقة الجديدة مع إيطاليا قد تدفع الجزائر لتصبح أكبر مورّد غاز لإيطاليا، لكنها تفرض على الجزائر زيادة الإنتاج رغم التحديات التي تشهدها صناعة الطاقة في السنوات الأخيرة بسبب الافتقار إلى الاستثمار ونقص الإمكانيات في هذا البلد العربي.
وتنتقل صادرات الغاز من الجزائر إلى أوروبا عبر ثلاثة خطوط أنابيب، أحدهما يسمى "ترانس ميد" ، وينقل الغاز إلى إيطاليا وسيتم استخدامه لنقل الغاز الإضافي، وخطان أرضيان آخران إلى إسبانيا، أحدهما يمر عبر المغرب وتم إغلاقه مؤخراً بسبب النزاع الدبلوماسي بين الجزائر والرباط.
كما أن إيطاليا هي أكبر زبائن الغاز الجزائري الذي يوفر ثلث احتياجاتها، ففي الفصل الأول من سنة 2021 استوردت 6,4 مليارات متر مكعب، بزيادة قدرها 109 % مقارنة بسنة 2020، بحسب وكالة الأنباء الجزائرية.
ويقول وزير الطاقة الإيطالي، روبرتو سينغولاني، إن بلاده تستهدف الاستغناء عن الغاز الروسي في غضون 24-30 شهراً.
ويضيف أنه "منذ أن غزت روسيا أوكرانيا، وإيطاليا تكثف جهودها من أجل تأمين مصادر بديلة للغاز وبحثت مع قطر الغنية بالغاز الطبيعي المسال إمكانية ذلك".
ومعلقا يقول أنتوني دوركين، الخبير في المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية، إن الجزائر تحاول الاستفادة من السياق الحالي للحرب في أوكرانيا لزيادة شحناتها إلى أوروبا ومداخيلها.
ويضيف" أنها تريد أيضًا أن تُظهر أنها شريك موثوق به لأوروبا على صعيد الطاقة".
والجزائر باعتبارها الحليف التاريخي لموسكو، أكدت مرارا بأن قدراتها لتصدير كميات إضافية من الغاز إلى أوروبا، محدودة للغاية ولا يمكنها تعويض الغاز الروسي.
وبحسب دوركين، فإن الجزائر "ستلتزم على الأرجح سياسة متوازنة للحفاظ على علاقاتها مع روسيا وأوروبا في الوقت نفسه".
وأشار إلى أن الجزائر زبون تاريخي للسلاح الروسي لكنها تستورد أيضًا من دول أوروبية مثل إيطاليا وألمانيا، وأنها امتنعت عن التصويت أو صوتت ضد قرارات اتخذتها الأمم المتحدة لفرض عقوبات على روسيا بعد غزوها لأوكرانيا.
واعتبر أن "الحفاظ على العلاقات مع روسيا لا يعني أن الجزائر ستضيع فرصا تجارية لجني أرباح من تصدير" غازها.
وتستخدم إيطاليا الغاز لتوليد نحو 40% من الكهرباء، وتستورد أكثر من 90% من احتياجات الغاز من روسيا، نقلاً عن رويترز.
وأثار الهجوم الروسي على أوكرانيا مخاوف تتعلق بأمن الطاقة، دفعت أوروبا إلى البحث عن خطط لتنويع إمدادات الوقود الأحفوري في أوروبا بعيدا عن روسيا والتحول بشكل أسرع إلى الطاقة المتجددة.
وتقول وكالة الطاقة الدولية، إن أوروبا يمكن أن تخفض وارداتها من الغاز الروسي بأكثر من النصف في غضون عام، لكن القيام بذلك سيتطلب مجموعة من الإجراءات السريعة، من تبديل غلايات الغاز بمضخات حرارية، إلى زيادة واردات الغاز الطبيعي المسال.
وتعد إيطاليا من أكبر المستخدمين للغاز في أوروبا وتستود أكثر من 90 % من إجمالي احتياجاتها من الغاز، من روسيا والجزائر.