غير النفط والذهب.. هذه أسرار قوة الروبل الروسي
07:36 - 17 أبريل 2022تحولات واسعة اتخذتها موسكو في سبيل إنقاذ الروبل من عثرته الكبيرة منذ بداية الحرب في أوكرانيا، بالتزامن مع تقويض الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين للنظام الاقتصادي الروسي، الأمر الذي سبب هبوطًا للعملة المحليّة.
وتعاني روسيا من الحصار الاقتصادي وحزمة العقوبات، الأمر الذي دفع بنك غولدمان ساكس للتوقع بأن ينكمش الاقتصاد الروسي بنسبة 10% هذا العام، مع ارتفاع التضخم إلى 20%، فضلًا عن إحداث ارتباك واسع في سعر صرف الروبل، قبل أن ينتعش مرّةً أخرى قبل أيام ليعود إلى مستوياته السابقة.
واختار النظام المالي الروسي التعامل بطرق غير تقليدية أحدثت جدلًا واسعًا لإيقاف تدهور العملة، كان على رأسها قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتن ببيع الغاز والنفط مقابل الروبل، جنبًا إلى جنب مع قرار البنك المركزي بربط الروبل الروسي بالذهب، على الأقل بالحد الأعلى لسعر صرفه.
على أرض الواقع، نجحت تلك القرارات في النجاة بالروبل من الانهيار، إذ عاد سعر صرف الدولار إلى نحو 80 روبلًا، وهو المستوى الذي كان عليه قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا يوم 24 فبراير الماضي، بعد قفزته القياسية التي وصلت لـ117 روبلًا جراء العقوبات.
وقال مستشار الاقتصاد السياسي المقيم في باريس، أحمد إسماعيل، في تصريحات خاصة لـ"اقتصاد سكاي"، إنَّه في مواجهة العقوبات الغربية المتزايدة بهدف إضعاف اقتصادها وعملتها الوطنية، اتخذت روسيا بعض الإجراءات لحماية الروبل، مثل مطالبة المصدرين ببيع 80 % من عائداتهم من العملات الأجنبية وشراء الروبل بالإضافة إلى زيادة أسعار الفائدة إلى 20 %.
وأوضح إسماعيل أنه مع ذلك، فإن الإجراء المهم للغاية والذي قد تكون له تداعيات عالمية، هو قرار البنك المركزي الروسي بربط الروبل بالذهب، بسعر ثابت قدره 5000 روبل (نحو 61 دولارًا) للغرام الواحد، للفترة الممتدة بين 28 مارس حتى 30 يونيو.
وتقدر احتياطيات روسيا من الذهب بنحو 2298.5 أطنان، أي قرابة 74 مليون أونصة، وهي خامس أكبر احتياطي في العالم.
وأشار مستشار الاقتصاد السياسي إلى أنه مع تعرض الذهب الروسي للعقوبات أيضًا، يمكن بيع أسهم البنوك الخاصة ومخزون الأفراد من الذهب إلى البنك المركزي، وبالتالي يسهم ذلك في تعزيز قيمة الروبل، كما طلبت موسكو من الدول "غير الصديقة" أن تدفع بالذهب أو بالروبل مقابل تجارة الغاز مع روسيا، الأمر الذي سيساعد موسكو على زيادة احتياطياتها من الذهب وبالتالي تعزيز العملة الوطنية.
سرعة التعافي
وحسب تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي"، فإن صعود الروبل سريعًا وعودته إلى مستويات ما قبل الحرب، أثار موجة من التساؤلات عن قدرة موسكو على التعافي بهذه السرعة.
واعتبر المحلل الاقتصادي آدم تورز، تعافي العملة الروسية بـ"الانطباع الخادع"، إذ قامت السلطات الروسية بإنشاء "مصادر مصطنعة" للطلب على الروبل، وعلى رأس ذلك مطالبة الأوروبيين بشكل متزايد بدفع ثمن الغاز الروسي بالروبل.
ورغم الرفض الأوروبي الواسع للقرار الروسي فإنه فتح مجالًا أمام دول أخرى للاستفادة؛ على رأسها الهند التي زادت بشكل كبير من وارداتها من النفط الروسي.
كما سبق أن اتخذ المركزي الروسي عددًا من القرارات لوقف تدهور الروبل، منها تعليق بيع العملات الأجنبية، وتقييد السحب النقدي من حسابات العملات الأجنبية المفتوحة في البنوك في حدود 10 آلاف دولار أميركي حتى سبتمبر المقبل، وحظر سحب الباقي، إلا بالروبل، وفق سعر الصرف المعمول به.
واتفق طرح "تورز"، مع ما ذكره وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، بأن "التلاعب" الروسي كان السبب الرئيسي لانتعاش الروبل مؤخرًا بعد أن منعت الحكومة الروسية مواطنيها من تحويل الأموال إلى الخارج".
خطوة سياسية
ويعتقد الرئيس التنفيذي لمركز "كوروم للدراسات الاستراتيجية" في لندن، طارق الرفاعي، في تصريحات خاصة لـ"اقتصاد سكاي"، بأن قرار ربط الروبل بالذهب، خطوة سياسية من بوتن لمحاولة إعطاء القوة والتنافس الدولي لعملة بلاده المحلية لفتح الباب أن تكون عملة ذات قوة شرائية في وقت يعاني النظام المالي الروسي من تحديات جمّة.
لكن الرفاعي أشار إلى أنه مِن الصعوبة بمكان ربط الروبل أو أي عملة100 % بالذهب، ولكن قد يتم ربطه جزئيًّا كما يحدث حاليًّا.
ويرى الرفاعي أن الخطوة الأخيرة من قبل روسيا لبيع الغاز بالعملة المحلية كانت حتمية بعد رؤية الروبل ينهار بما يزيد على 75 % مقابل الدولار منذ بداية الحرب، ومنذ القرار تعززت العملة الروسية وتحسن وضعها.