دول أوروبا الاسكندنافية والحريق الأوكراني بين النأي والتورط
21:04 - 27 مارس 2022فيما تتصاعد الأزمة الأوكرانية كرانية مخلفة صدوعا وشروخا عميقة في مشهد العلاقات والتوازنات الدولية، يرى المراقبون أن الدول الاسكندنافية المجاورة لروسيا في شمال أوروبا، كفنلندا التي تمتد حدودها المشتركة مع روسيا على مدى أكثر من 1330 كيلومترا، يبدو أنها بدأت محاولة النأي بنفسها عن التداعيات الكارثية للحرب الروسية الأوكرانية التي دخلت شهرها الثاني.
ويشير المراقبون إلى أن هذه الدول بحكم موقعها الجيوسياسي، فإنها تكاد تكون في عين العاصفة، ما يرتب عليها التعامل بحذر مع هذه الأزمة والسعي للحفاظ على استقلاليتها وحياديتها وتوازن علاقاتها دوليا.
وفي هذا الإطار، لمحت فنلندا إلى أنها لن تجرؤ على التقدم بطلب للالتحاق إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو"، خشية من إثارة غضب روسيا.
وذلك على لسان الرئيس الفنلندي، سولي نينيستو، الذي توقع أن تواجه بلاده هجمات سيبرانية ضخمة، وحتى ردا عسكريا من طرف موسكو حال تقدم بلاده بطلب الانضمام إلى الناتو، بحسب صحيفة "ديلي ميل" البريطانية.
وحول الشد والجذب بين روسيا ودول اسكندنافية على وقع احتمال ضمها للناتو، يقول رائد العزاوي، أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأميركية بالقاهرة، في لقاء مع سكاي نيوز عربية :"نحن أمام موقف فنلندي ليس جديدا ولا مستغربا تماما، ففنلندا بحكم الواقع الجيوسياسي، حيث أن حدودها تمتد على مدى نحو 1400 كيلومتر مع روسيا، فإنها محكومة باتخاذ موقف متحفظ وحذر من مسألة انضمامها لحلف الناتو أقله في المدى المنظور وفي ظل هذه الظروف الدولية العاصفة، على ما عبرت عنه بوضوح تصريحات الرئيس الفنلندي هذه، وهلسنكي معنية ولا شك بتجنب التورط في الأزمة الأوكرانية بشكل مباشر، ونتذكر هنا حرب الشتاء بين فنلندا وروسيا، بين عامي 1939 و1940 والتي تحرص فنلندا على تلافي وقوع ذلك مرة أخرى".
وفي العموم فإن الفنلنديين وكذلك السويديين، وفق العزاوي: "هم أقرب لدول الغرب والناتو من روسيا، لكن العقل السياسي في كلا البلدين حريص على التعاطي بحصافة وعقلانية باردة مع قضية معقدة كمسألة انضمامهما لحلف الناتو، وهو يعي جيدا أن وقوعهما في خط التماس بين روسيا والناتو، ينبغي على ضوء هذا الواقع التعامل بحذر بالغ وعدم التورط في الصراع بين الجانبين".
ويضيف أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأميركية بالقاهرة: "الناتو أذرعه مفتوحة أمام انضمام مختلف دول أوروبا وبما فيها الاسكندنافية منها بطبيعة الحال، ورغم تمتع السويد وفنلندا بعلاقات جيدة ومتطورة مع مختلف دول الناتو، لكنها تفضل البقاء كدول مستقلة عن المحاور والأحلاف العسكرية، وملتزمة ببناء وتطوير شراكات وعلاقات متوازنة وودية مع الجميع، مع روسيا وكذلك مع الناتو".
فانضمام هلسنكي وستوكهولم للحلف سيقود لا محالة لمشكلات العاصمتان في غنى عنها، وفق العزاوي، مردفا: "خاصة وأن الدول الاسكندنافية عامة حريصة على الحفاظ على تطورها الاقتصادي واستقرارها السياسي ونموذجها التنموي والديمقراطي المكين".
ويتابع العزاوي: "هذه الدول تراهن على أن علاقاتها المتوازنة والمتطورة مع حلف الناتو دون انضمام مباشر ورسمي له، أكثر منفعة ومردودية إيجابية لها، وبما يحافظ على استقلالها وتوازنها ورخائها الاقتصادي وتجاربها التنموية البالغة التقدم، وبما يكبح بالتالي أي تهديد روسي محتمل لها".
أما رامي القليوبي، الأستاذ في كلية الاستشراق بالمدرسة العليا للاقتصاد بموسكو، فيقول في حوار مع سكاي نيوز عربية: "التصريحات الفنلندية هذه لا يمكن قراءتها على أنها جزم بعدم الانضمام للناتو أو تأكيد الانضمام، فهي دولة مجاورة وتملك حدود طويلة جدا مع روسيا، وهذا ما يولد مخاوف لدى سكانها من أنها قد تكون هدفا للجيش الروسي بشكل أو بأخر، إن لم تنضم للناتو، وهو ما ينعكس في استطلاعات الرأي هناك، حيث تميل الكفة نحو تأييد انضمام بلادهم للناتو، على عكس دوائر صنع القرار السياسي الفنلندي التي ترى أنه يجب على البلاد البقاء كدولة محايدة والالتزام بذلك".
ويضيف الأستاذ في كلية الاستشراق بالمدرسة العليا للاقتصاد بموسكو: "وضع فنلندا يختلف كثيرا عن وضع أوكرانيا، حيث تعتبر روسيا أن الأخيرة تقع ضمن مناطق النفوذ التقليدية والمباشرة لها، بينما هي لا ترى في فنلندا ذلك والتي هي جزء من الاتحاد الأوروبي، ولهذا لا يبدو الحديث عن وجود خطر أو تهديد روسي لفنلندا أو السويد طرحا واقعيا ووجيها".
هذا وكانت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، قد حذرت فنلندا والسويد من "تداعيات عسكرية خطيرة"، في حالة أطلقتا محاولة الالتحاق بحلف الناتو.
وقالت: "لا ينبغي لفنلندا والسويد بناء أمنهما على الإضرار بأمن الدول الأخرى".