الحرب الاقتصادية على روسيا.. هل يكتوي الغرب أيضا بنيرانها؟
17:03 - 02 مارس 2022رغم تكلفتها الكارثية على المستويات الإنسانية والسياسية والاقتصادية، لا صوت يعلو على صوت الحرب بشقيها العسكري بين روسيا وأوكرانيا، من جهة، والاقتصادي بين الغرب وروسيا عبر العقوبات، التي تفرضها مختلف الدول الغربية على موسكو، من جهة أخرى.
ويرى مراقبون وخبراء اقتصاديون، أن الجميع خاسر في هذه الحرب التجارية ومن العودة لسياسات العقوبات والعقوبات المضادة والمحاور المتنابذة، وإن تفاوتت درجات تلك الخسارة، لأن الكلفة الاقتصادية لتداعيات هذه الأزمة العالمية ستكون فلكية، وربما سيحتاج العالم لسنوات حتى يتمكن من التعافي من آثارها ومن لملمة جراحه.
يقول المستشار في قطاع الأعمال والاستثمارات، تيمور دويدار، من العاصمة الروسية موسكو، في حوار مع "سكاي نيوز عربية"، إن "العقوبات قاسية للغاية وهي بدأت تطال بنوكا روسية حيوية، لها علاقة مباشرة وعضوية بتمويل القطاعات الصناعية والاستثمارية والعسكرية الاستراتيجية في روسيا".
وشرح أن تلك البنوك تمول مشروعات ضخمة للدولة بميزانيات روسية وتجلب استثمارات لصالح الدولة، وتمول كافة المشروعات الخاصة بدعم الصادرات الروسية، وهناك بنوك مخصصة لتمويل المشروعات والصناعات العسكرية.
وأضاف "من أبرز البنوك المستهدفة مثلا، بنك سبير وهو أكبر بنك روسي موجود منذ زمن الاتحاد السوفييتي، ولديه أكبر شبكة فروع في البلاد، مستهدف بالعقوبات وغالبية الناس هنا يعتمدون في رواتبهم عليه، ولهذا تجد طوابير طويلة أمامه".
خسائر روسية بالجملة
يقول دويدار "سعر صرف الروبل منهار، وروسيا تعتمد في الكثير من صناعاتها على المواد الخام المستوردة ولهذا ستنعكس العقوبات الغربية على رفع الأسعار، وتزيد بالتالي نسب التضخم العام والخاص وبما يثقل كاهل المواطن الروسي من جراء الغلاء والأزمة الاقتصادية".
الحروب وتأثيرها الاقتصادي علينا
وقال إن القطاع التجاري الروسي في هبوط، وهناك عقوبات حتى على قطاع التكنولوجيا، والضرر من كل ذلك مضاعف، نظرا لعدم وجود تنوع في مصادر الصناعة الروسية كما يجب، حسب ما يقول.
وتابع الخبير الروسي "الناتج القومي الروسي من الاجمالي العالمي لا يتعدى 2 في المئة، فيما كان سابقا إبان الاتحاد السوفييتي أكثر من 30 في المئة، ولهذا فالنفوذ الاقتصادي الروسي ليس كبيرا نسبيا، ومع هذا، الاقتصاد الروسي هو الثامن عالميا وهو اقتصاد قوي وضخم بغض النظر عن حصته من الناتج العالمي".
واستطرد " تم تجميد نحو 40 في المئة من الاحتياطي النقدي الروسي باليورو والدولار في الخارج، وهذا القدر مستثمر على شكل سندات وهو بمئات المليارات، لكن بما أن روسيا قد سحبت غالبيتها وأودعتها في الأسواق الصينية والآسيوية، بعد أزمة شبه جزيرة القرم في العام 2014 مع الغرب، فإن قرابة 60 في المئة من الاحتياط النقدي الروسي بالخارج في مأمن، وموسكو تستعين به الآن لمواجهة الضغوط والعقوبات الغربية".
"مقاومة روسيا"
ويضيف "الغرب يسعى لتدمير روسيا اقتصاديا، لكن موسكو قادرة بدوم شك على التحمل وتجاوز تبعات هذه العقوبات، وهي تملك قدرات وطاقات اقتصادية مهولة بطبيعة الحال".
ويقول الخبير إن الضرر سيكون على الطرفين الروسي والغربي، خاصة الأوروبي في الضفة الغربية، كما يشرح الخبير الاقتصادي الروسي، قائلا "بايدن لم يفرض عقوبات على القطاع النفطي الروسي كون واشنطن تستورد سنويا نحو 135 مليون برميل نفط من روسيا، وقبل هذه الأزمة وصلت حصة الديزل الروسي في السوق الأميركية، إلى 23 في المئة أي نحو ربع حجم السوق، ولهذا واشنطن تفرض العقوبات على موسكو بما لا يتعارض مع مصالحها، وتضغط على الأوروبيين لفعل العكس".
ويضيف "واشنطن بدورها في أزمة، على وقع ارتفاع أسعار مشتقات النفط والطاقة بفعل تأثيرات حرب أوكرانيا، كونها أعلنت الاستعانة بالاحتياط النفطي الأميركي بواقع 63 مليون برميل سيباع في السوق المحلي، لمنع أسعار البنزين من الارتفاع أكثر بما سيسهم في إحداث نقمة شعبية على حكومة بايدن، الذي يعاني أصلا من تراجع شعبيته".
أما في أوروبا فسعر الغاز للألف متر مكعب، وصل للتو إلى ألفي دولار، وهذا رقم كارثي سينعكس سلبا على المواطنين الأوروبيين وعلى مختلف قطاعات الصناعة الأوروبية، وفق الخبير الاقتصادي الروسي.
الجميع خاسر
وتابع أن الأنكى هو خط السيل الشمالي الثاني لنقل الغاز الروسي لأوروبا، الذي طالما كان كابوسا يقض مضاجع واشنطن، من تطور العلاقات الروسية مع بلدان الاتحاد الأوروبي، إذ تم وقفه من قبل ألمانيا تحت ضغوط الولايات المتحدة عبر تعليق تشغيل هذا الخط من قبل المستشار الألماني، وبهذا وضعت ألمانيا وأوروبا نفسيهما في ورطة كبيرة جدا، رضوخا لضغوط واشنطن ومصالحها".
ويردف دويدار "ما زال ضخ الغاز الروسي مستمرا لأوروبا التي لا يمكنها الاستغناء عن هذا الغاز رغم التلويح اللفظي بذلك، ورغم ذلك، فالأسعار باتت كارثية بأوروبا فما بالك في حال وقف ضخ الغاز الروسي تماما لها، حيث لا يمكن حتى مجرد تخيل تبعات ذلك على الاستقرار السياسي والاقتصادي في بلدان القارة العجوز، خاصة دولها الكبرى كألمانيا وفرنسا".
ويمضي المستشار الاقتصادي الروسي، في تعداد أوجه الضرر البالغة لسياسة العقوبات على موسكو وعواصم الغرب على حد سواء، بالقول: “إغلاق المجالات الجوية الأوروبية مثلا أمام حركة الطيران الروسي، ستترتب عليه خسائر مادية فادحة على الطرفين الروسي والأوروبي، وهكذا فنحن أمام حرب اقتصادية وتجارية غربية شعواء على روسيا، سترتد مفاعيلها السلبية على مطلقيها كذلك، ولن تكتوي موسكو فقط بها، وبالدرجة الأولى هنا أوروبا هي المتضرر الأكبر وتليها الولايات المتحدة".