الطاقة والأمن الغذائي.. كيف تربك روسيا السوق العالمية"
19:28 - 25 فبراير 2022بعد شن روسيا هجوما عسكريا على أوكرانيا، توالت التساؤلات حول العواقب الاقتصادية لهذا الهجوم على أوروبا خصوصا في مجال الطاقة والحبوب. إذ تشكل روسيا ثالث أكبر منتج للنفط في العالم وأكبر منتج للغاز فيما تعتبر أوكرانيا سلة خبز أوروبا.
قد تكون الدول الأوربية لديها ما يكفيها من هذه المواد الخام لكن الأسعار آخذة في الارتفاع. فقد أدى قرار الرئيس الروسي، فلاديمير بوتن، إرسال قواته إلى الأراضي الأوكرانية فجر الخميس، إلى إثارة الذعر في البورصة العالمية.
وقبل ذلك، كان الاتحاد الأوروبي قد وافق بالإجماع يوم الثلاثاء الماضي على عقوبات اقتصادية ضد موسكو.
وأمام هذا الوضع المتوتر وتنفيذ الهجوم العسكري، لماذا تكثر المخاوف من ارتفاع أسعار المواد الأساسية على المستوى الأوروبي في الأيام المقبلة؟
الغاز الروسي
في عام 2020، استهلك الاتحاد الأوروبي 394 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي. ثم عاد وانتعش الاستهلاك في عام 2021، ليبلغ الطلب الأوروبي حوالي 460 مليار متر مكعب.
وبحسب تصريح محلل الغاز الأوروبي الأول في استشارات الطاقة ICIS، توم مارزيك مانسر، لموقع "سكاي نيوز عربية"، فإن "روسيا هي أكبر مورد لأوروبا، حيث غطت أنابيب الغاز الروسية أكثر من 30٪ من الطلب الأوروبي. تأتي بعدها النرويج بـ 24٪ وشحنات الغاز الطبيعي المسال بـ 19٪. فيما بلغ الإنتاج المحلي للغاز داخل الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة 16٪. تم الحصول على الإمدادات المتبقية من بلدان أخرى مثل الجزائر وليبيا وأذربيجان".
لكن يختلف استهلاك الغاز بين البلدان الأوربية. إذ يمثل الغاز الطبيعي 37٪ من طاقة هولندا، و32٪ للمملكة المتحدة التي لم تعد تنتمي إلى الاتحاد الأوروبي، و30٪ للمجر وبلجيكا وإيطاليا، و26٪ لألمانيا و20٪ لفرنسا.
لهذا قد يؤثر خفض إمدادات الغاز من روسيا على هذه الدول بشكل مختلف. ويفسر محلل الغاز الأوروبي الأمر بأن "دول البلطيق لا ترتبط مع فنلندا فعليًا بشبكة خطوط الأنابيب الأوروبية الرئيسية، لذا لا يمكنها الاعتماد إلا على واردات الغاز الطبيعي المسال في حالة تغير إمدادات الأنابيب من روسيا. كما أن جنوب شرق أوروبا يعتمد أيضًا بشكل كبير على الغاز الروسي إلا أنه لا يرتبط جدًا ببقية أوروبا الغربية والوسطى. لكن إذا ارتفع سعر الغاز فالأكيد أن كل الأسواق الدولية ستتأثر".
ويستعبد المحلل الأوروبي أن يكون للغاز الروسي بدائل كثيرة في أوروبا بالنظر إلى أنه هو المصدر الرئيسي للغاز في القارة العجوز. لكنه يوضح في المقابل أن "الإنتاج المحلي يقترب إلى جانب واردات خطوط الأنابيب من النرويج والجزائر وأذربيجان من الحد الأقصى. وهذا يترك سوق الغاز الطبيعي المسال كخيار رئيسي لإمداد إضافي".
ومن جانب آخر، يرى بعض المحللين أنه رغم إمكانية إمداد منتجي الغاز الرئيسيين الآخرين - الولايات المتحدة وكندا وإيران وأستراليا وقطر- القارة بالغاز الطبيعي المسال، لا يمكنها أن تحل محل الغاز الروسي بالكامل. لأنه يجب إعادة تحويله إلى غاز في أوروبا كما أن الشحن البحري لا يزال بطيئًا بسبب الأزمة الصحية مما قد يؤدي إلى بطء وصول الواردات من هذه المادة الخام.
غير أن توم مارزيك مانسر يؤكد على أنه على الرغم من الوضع الحالي، يستمر تدفق الغاز الروسي إلى أوروبا كالمعتاد، عبر جميع الطرق الرئيسية، بما في ذلك أوكرانيا.
ويختم محلل الغاز حديثه بالقول: "في الواقع، بالنظر إلى الطريقة التي يتم بها شراء الغاز الروسي، التي تعتمد على عقود طويلة الأجل، فإن التدفقات عبر أوكرانيا تتزايد في الأيام الأخيرة." إذ هناك نوعان من العقود، الأول: يتعلق باتفاقيات طويلة الأجل تتعهد بموجبها روسيا بتسليم كمية معينة من الغاز إلى دولة معينة على مدار عام، وهو ما تحترمه دائمًا حتى الآن. والثاني هو العقود "الفورية" التي بموجبها لا تكون روسيا ملزمة بالبيع.
سوف النفط وتوازنه
أصبح سعر النفط عالميا يعكس مقياس الخوف والتوتر في الأسواق. فبمجرد دخول الجيش الروسي الأراضي الأكرانية فجر الخميس، وصل سعر البرميل إلى 102 دولار للمرة الأولى منذ أكثر من سبع سنوات.
ويفسر يير لابويه، الباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية ومتخصص في قضايا الطاقة هذا الخوف باختلال التوازن بين العرض والطلب في الآونة الأخيرة والتي سبقت التدخل العسكري الروسي.
ويوضح لموقع "سكاي نيوز عربية" بأنه في الأصل، البترول المنتج والمصدر من الدول المنتمية إلى أوبك+ (منظمة الدول المصدرة للنفط) ومن ضمنها روسيا لم يعد يلبي تطور واحتياجات السوق العالمية.
ويتابع، "أما التخوف الحالي، فيعود إلى أنه في ظل هذا الاختلال، قد يقوم "الدب الروسي" بالحد أو التقليل من إمداداته البترولية على المستوى العالمي سواء باختياره أو غصبا عنه". إذ تعتبر روسيا هي ثاني أكبر منتج للنفط في العالم ومصدر رئيسي للخام. كما أن 35 في المائة من المنتجات البترولية المستهلكة في الاتحاد الأوروبي تأتي من روسيا.
ويرى المتخصص في قضايا الطاقة، أن "موسكو قد تلجأ إلى هذا الحل حتى يرتفع ثمن البرميل عالميا وتشكل بذلك ورقة ضغط على الدول المعارضة لها. إلا أنها بهذه الطريقة ستؤذي حلفاءها على رأسهم الصين التي ستعاني أيضا من تداعيات غلاء الأسعار، وهو الأمر الذي لا تسعى إليه الحكومة الروسية".
كما يمكن أن تكون للعقوبات التي تقررها الدول الغربية والولايات المتحدة تأثير سلبي على إنتاج الذهب الأسود الروسي وصادراته. إذ من الممكن أن تفرض عقوبات اقتصادية تهم تجارة البترول.
هل فعلا ستتأثر سلة خبز أوروبا؟
أما على مستوى سوق الحبوب، فقد حولت روسيا قمحها إلى سلاح جيوسياسي. إذ يشكل 10 في المائة من الإنتاج العالمي فيما 22 في المائة من صادرات العالم من القمح هي روسية.
ويعتقد مدير نادي ديميتر المتخصص في عالم الزراعة، سيباستيان أبيس، في تصريحه لموقع "سكاي نيوز عربية"، "أن أوروبا ليس لديها أي تخوف فيما يخص القمح الروسي لأنها تضم دولا تنتجه، بل وتنافس روسيا على بعض الأسواق الدولية خاصة شمال إفريقيا ودول منطقة الشرق الأوسط".
ويعتبر أن تخوف هذه الدول من غلاء هذه المواد الأساسية لتحقيق الأمن الغذائي معقول، خصوصا أن أسعارها الحالية مرتفعة بشكل "خيالي".
كما أن أوكرانيا تعتبر بلدا زراعيا بامتياز، فهي تشكل 4 في المائة من الإنتاج العالمي من القمح و12 في المائة من صادرات العالم. وتصدر لمصر وبنغلادش وتونس وباكستان وبعض دول منطقة الشرق الأوسط.
ويتجلى ارتباطها بالاتحاد الأوروبي- وفقا لعالم الزراعة- على مستوى منتجين أساسيين. الأول هو الذرة. فأوكرانيا هي رابع دولة مصدرة في العالم و50 في المائة من صادرت الذرة إلى الاتحاد الأوروبي تأتي منها لهذا أطلق عليها "سلة خبز أوروبا".
ويضيف، "ثم يأتي نبات "الكولزا" المهم في إنتاج الزيوت الذي تصدر إلى ألمانيا وهولندا وبلجيكا. كما أن أوكرانيا تعتبر المنتج الأول عالميا لنبات "نوار الشمس"، الذي تصدره للهند والصين وأوروبا وبعض الدول العربية".
ويختم حديثه بالتأكيد على أن الأسمدة النيتروجينية هي أيضا ستشهد ارتفاعا مهما في أسعارها لأنها تحتاج إلى الغاز الذي يعرف ارتفاعا مهولا في أسعاره. هذا بالإضافة إلى أن 25 في المائة من صادرات سماد الأمونياك المهم تصدره روسيا".