"البصرة تغرق".. رئة العراق الاقتصادية في خطر
13:12 - 05 يناير 2022أعادت الأضرار التي لحقت بمناطق واسعة من محافظة البصرة جنوبي العراق، جراء الأمطار والسيول الجارفة التي تعرضت لها خلال الأيام القليلة الماضية، المطالب بضرورة إنهاء الإجحاف بحق المحافظة التي تعتبر "رئة" اقتصادية للبلاد.
وكان سيول ضربت البصرة، أخيرا مما أجبر الكثير من البصريين على استخدام قوارب الصيد الصغيرة للتنقل داخل بعض الأحياء والمناطق المغمورة بالمياه في المحافظة.
وفتحت هذه الحادثة باب النقاش الواسع مجددا حول ما يعتبره الكثير من أهالي البصرة إجحافا خدميا وتنمويا كبيرا بحق المحافظة، التي تعد من أغنى محافظات العراق بموارد الطاقة.
وأطلق ناشطون عراقيون على منصات التواصل الاجتماعي هاشتاغ "البصرة تغرق" للفت الأنظار لمعاناة سكانها، ولمفارقة أن المحافظة التي تنتج نحو ثلاثة أرباع النفط العراقي، تعاني من اهتراء البنى التحتية ومن انتشار الفقر والبطالة.
ترميمات شكلية
ويقول الباحث العراقي المتخصص في تحليل الأزمات، صفاء خلف، لموقع "سكاي نيوز عربية": "من الطبيعي أن تغرق مدينة مثل البصرة مع أقل هطول للأمطار، فبنية الصرف الصحي وتصريف الأمطار متهالكة، وتكاد تكون بلا فائدة، فآخر تحديث للبنيتين الفوقية والتحتية على نحو جدي جرى في العام 1989 عقب انتهاء الحرب العراقية - الإيرانية وعلى نحو محدود".
وتابع: "التحديث الثاني تم بعد عام 2003 الذي أعلنته القوات البريطانية، كان شكليا ومحدودا، وعمل على تخريب البنية الأساسية التي تعاني أصلا من مشكلات في التصميم والاستيعاب".
وأضاف أن" الجيش البريطاني عمل على ما يمكن أن نسميه بـ"شراء الاستقرار" عبر إطلاق عملية "السندباد" والتي رصد لها حينها 70 مليون جنيه إسترليني، لم يستهدف تحديث البنية بقدر ما استهدف دفع رشاوى للميليشيات والجماعات المسلحة التي امتلكت شركات ومكاتب هندسية، فتسربت الأموال لتلك الجهات تحت طائلة الفساد، فيما ظلت البصرة تعاني من اهتراء وعجز منظومة الصرف الصحي وتصريف الأمطار".
80 بالمئة من ميزنية العراق
وعلى الرغم من المخصصات الاتحادية السنوية للبصرة بشقيها، موازنة تنمية الأقاليم، وحقوق البترودولار، لكن المحافظة ظلت تعاني "إهمالا حكوميا منهجيا على الرغم من كونها المسؤولة عن تمويل موازنة الدولة العراقية بنحو 80 بالمئة من مبيعات النفط والغاز" بحسب خلف.
ويضيف أن عاصمة الجنوب العراقي "عانت من فساد مركب، فساد الحكومات المحلية، وقلة المخصصات الاتحادية، وتحكم الأحزاب والميليشيات بمشاريع البنية التحتية، فغالبية المحافظين ورؤساء مجلس المحافظة واجهوا تهما رسمية بالفساد، لذا ليس من المستغرب أن تغرق المدينة بسبب الأمطار أو تتكدس بشوارعها بالأزبال أو تتحطم بنيتها يوما بعد آخر، لجهة أن كل المشاريع كانت مجرد عقود وهمية تذهب أموالها لجماعات وأحزاب و متنفذين".
ويمضي الباحث العراقي في توضيح مقدمات ما تعانيه البصرة الآن، بالقول :"علاوة على تهالك البنية التحتية وقدمها، شهدت البصرة زيادة سكانية متسارعة نتيجة هجرة كثيفة إليها من محافظات قريبة كميسان وذي قار. مشكلة أحزمة فقر وعشوائيات تمتد من قلب المدينة لخارجها، والتقديرات الحكومية تشير إلى أن 15 بالمئة من سكان البصرة يقيمون في 700 مجمع عشوائي، يتضمن نحو 62 ألف وحدة سكنية، وارتفع عدد سكانها تبعا لذلك خلال 10 سنوات فقط من 1.5 مليون إلى 4 ملايين نسمة، وهذا يعني ضغطا هائلا على البنى التحتية".
لا اعتراف بالزيادة
ويتابع :"فيما الحكومة الاتحادية ترفض الاعتراف بالزيادة وتبقي المدينة عند حدود 2.5 مليون نسمة فقط، لجهة أن الاعتراف بالتضخم السكاني يعني زيادة ميزانية المحافظة من الموازنة الاتحادية، إضافة لزيادة عدد مقاعد البصرة في مجلس النواب العراقي، وهو ما قد يحدث اختلالا في ميزان القوى السياسي".
وإلى جانب ذلك، تواجه البصرة مشكلات أخرى، بحسب الباحث العراقي، منها "مشكلة التغير المناخي والتلوث الناتج عن الاستخراج غير النظيف للنفط والغاز، وطرح أطنان يوميا من الملوثات الدفيئة، مما يسبب ارتفاعا قياسيا بدرجات الحرارة وانحسار المناطق الخضراء مع تزايد التصحر وتلوث المياه، وارتفاع اللسان الملحي بسبب نقص المياه العذبة بعد قطع إيران المغذيات التاريخية عن البصرة،".
ويتابع: "كما أن المدينة وبسبب عوامل جيولوجية تنخفض سنويا بنحو 1.5 متر، ما يعني أنها مع تقادم الزمن ستكون نقطة منخفضة كثيرا عن مستوى سطح البحر، لذا فإن أي تسونامي مناخي قادم مستقبلا يجعلها عرضة للغرق المؤكد، فالدفاعات البيئية للبصرة باتت معدومة بسبب الإهمال والحروب والفساد الحكومي والتلوث والاكتظاظ السكاني".