ملايين العراقيين يقطنون العشوائيات.. ومخاوف من "مخاطر كثيرة"
22:50 - 27 ديسمبر 2021باتت آلاف العشوائيات المنتشرة في معظم مدن العراق، والتي تتكاثر كالفطر، تشكل مخاطر أمنية واجتماعية واقتصادية وصحية، فضلا عن تشويهها جمالية التخطيط العمراني والمديني للبلاد.
وفي أحدث المؤشرات والإحصائيات الصادمة حول عدد وواقع هذه العشوائيات، كشفت وزارة التخطيط العراقية على لسان المتحدث باسمها عبد الزهرة الهنداوي، في تصريحات لوكالة الأنباء العراقية الرسمية، أن عدد العشوائيات، وبحسب المؤشرات المتوفرة لدى الوزارة، بلغ 4 آلاف عشوائية منتشرة في كل المحافظات العراقية، وبواقع 3 ملايين و300 ألف شخص يسكنون فيها، موضحا أن محافظة بغداد تحتل المركز الأول لجهة وجود العشوائيات، بواقع 522 ألف وحدة سكنية.
وأكد المسؤول العراقي أنه بعد إقرار قانون تسوية السكن، ستشرع وزارة التخطيط بتطبيق الخطة الخاصة بمعالجة العشوائيات، خاصة وأنها تتضمن حلولا شاملة وهي على محورين، الأول الحد من انتشار العشوائيات والثاني وضع مجموعة من الآليات والإجراءات وفقا لطبيعة كل عشوائية، إذ ستقوم الوزارة بمسح اقتصادي واجتماعي شامل للعشوائيات، بغية الوقوف على طبيعة بنائها وتنظيمها.
وللتعليق على فداحة هذه الأرقام المعلنة حول عشوائيات العراق وعدد سكانها، يقول الباحث العراقي، رعد هاشم، في حديث مع "سكاي نيوز عربية": "العشوائيات في بغداد وبقية مدن العراق المتكاثرة، هي نتاج جملة عوامل، أبرزها هجرة أبناء الريف والقرى للمدن، على وقع شح الخدمات وترديها هناك، وهي بالمناسبة متردية حتى في المدن العراقية، وتأثيرات ظاهرة الجفاف والتصحر وتداعيات التغيرات المناخية، وبسبب الفشل الذي راكمته الطبقة السياسية الحاكمة في العراق على مدى نحو عقدين من الزمن، في معالجة تداعيات ظاهرة النزوح والارتحال من الأرياف للمدن من قبل القرويين الذين يسكنون في مناطق عشوائية وضواحي حول المدن، وبذلك تحولت العشوائيات لأماكن سكن وتجمع الطبقات الشعبية الفقيرة والمعوزة، مما حفز الكثير من الجهات والعصابات التي تستغل البشر وتتاجر بهم وتوظفهم كعمالة رخيصة، على العمل على ترويج المخدرات فيها، وعلى خطف الأطفال والمتاجرة بالأعضاء البشرية، فضلا عن خطر تحولها حتى لبيئات خصبة لتغلغل الجماعات الإرهابية فيها".
ويضيف الباحث العراقي: "السلطات العراقية تتحمل بدون شك وزر هذا الواقع المأساوي في العشوائيات، ونتذكر كيف أن الحديث الحكومي طيلة سنوات طويلة عن تخصيص ميزانيات طائلة لمشروعات إسكان وخدمات، اتضح أنها كانت في الواقع مجرد مشاريع وهمية وواجهة للتربح والفساد، وأنها شكلت فقط وعودا انتخابية سرعان ما تتلاشى بعد انقشاع غبار معركة الانتخابات، شأنها شأن مختلف الوعود الكبيرة الكاذبة التي يتم إغداقها قبيل المواسم الانتخابية، والتي تحبط الرأي العام وتزرع اليأس بين الناس من تحسن أوضاعهم وأوضاع بلدهم، أقله في التأسيس لمرتكزات بناء سكني عصري، يجمع هؤلاء المواطنين القاطنين في العشوائيات في بيئات ومجمعات سكنية لائقة تتمتع بالعوامل والشروط الصحية والإنسانية".
هذا القنوط الناجم جراء الإخفاق الحكومي المزمن في حل مشكلة السكن ومعالجة ظاهرة العشوائيات الخطرة في العراق، كما يرى هاشم، متابعا: "ولد الكثير من ردود الفعل والخضات والاهتزازات المجتمعية، حيث أن هذه المجمعات العشوائية غير المنتظمة تولد بكل تأكيد بيئات مفرخة وجاذبة للجريمة والفساد والإرهاب حتى، والمشكلة أن الطبقة السياسية الحاكمة بعيدة جدا عن الدنو من تلمس حلول هادفة لحل هذه المشكلة الوطنية والاجتماعية المزمنة، وهنا فإن الاتفاقات التي تم مؤخرا الحديث عنها مع الصين مثلا، لا يعول عليها كثيرا كونها قد تسهم فقط في حلول جزئية تكاد لا تلحظ لمشكلة عويصة ومتعاظمة".
ويسهب هاشم في شرح التعقيدات المحيطة بملف العشوائيات العراقية، قائلا: "حتى توزيع الحكومة لقطع الأراضي على مواطنين، لم يسهم هو الآخر في تخفيف حدة أزمة السكن والعشوائيات، كونها كانت توزع بانتقائية وبانتهازية وابتزازية في غالب الأحيان، ووفق الانتماءات السياسية والعائلية حتى لذلك عملية توزيع الأراضي، تخللها قصور كبير وإجحاف بحق قطاعات واسعة من العراقيين، الذين هم بحاجة ماسة لها".
هذا ويحذر المراقبون من أن العشوائيات التي باتت سمة غالبة في كبريات مدن العراق، أسهمت في تعميق حدة التفاوتات الطبقية والمجتمعية بين أبناء المدينة الواحدة، وأن بقاء هذا الملف معلقا سيخلف تداعيات كارثية على الأمن والسلم الاجتماعيين في البلاد.