أزمة الشرق.. هل تنجح جوبا في إعادة الحياة لـ"رئة السودان"؟
15:52 - 14 ديسمبر 2021تعيش منطقة شرق السودان حالة من الغليان وسط تهديدات بإعادة إغلاق الطريق والميناء الحيوييْن في البلاد، في حال لم تُنفَّذ مطالب عدة، ما استدعى تدخل دولة جنوب السودان لتقريب وجهات النظر بين الجانبين.
ومطلع الشهر الجاري، هدد زعماء قبائل البجا السودانية بعودة عمليات التصعيد والإغلاق شرق البلاد، مع انتهاء مهلة الشهر التي منحوها للحكومة، وعدم تنفيذ مطالبهم في 4 ديسمبر.
ومع انتهاء المهلة، أرجأ المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة خطوات إغلاق ميناء بورتسودان والطريق القومي بشرق السودان لمدة أسبوعين؛ استجابة لطلب لجنة حكومية لحل الأزمة برئاسة نائب رئيس المجلس السيادي الفريق محمد حمدان دقلو "حميدتي".
وآنذاك، قال القيادي بالمجلس، محمد طاهر، إن اللجنة العليا المكلفة بأزمة الشرق برئاسة دقلو طلبت منحها مهلة لحل القضية، وأن التأجيل يأتي لإجراء المزيد من المشاورات مع كل مكونات الشرق؛ للوصول إلى نتائج إيجابية.
ويرفض مجلس نظارات البِجا والعموديات المستقلة في شرق السودان برئاسة محمد الأمين ترك، اتفاقية مسار شرق السودان الموقعة في عاصمة دولة جنوب السودان بين الحكومة وممثلي شرق السودان في الجبهة الثورية فبراير 2020.
وكان ترك قد صرح أكثر من مرة بأن مسار الشرق مرفوض في كل الولايات الشرقية ولن يطبق عليهم، وطالب بنصف موارد شرقي البلاد للولايات الشرقية، وإلغاء مسار الشرق في سلام جوبا، وحل الحكومة الانتقالية، وتشكيل حكومة كفاءات.
وأوضح أنهم جلسوا مع رئيس مجلس السيادة ونائبه ورئيس الوزراء بشأن مطالبهم التي ظلت كما هي منذ عامين، حتى قبل التوقيع الرسمي على اتفاقية جوبا.
متى بدأت الأزمة؟
في 17 سبتمبر الماضي، بدأت قبيلة البجا، وهي أحد أكبر المكونات السكانية في شرق السودان، إغلاق الميناء الرئيسي للبلاد، ووضعت متاريس "حواجز" في العديد من المدن والنقاط الواقعة على الطريق الرئيسي الذي تمر به صادرات وواردات البلاد، وكذلك إغلاق خطَّيْ تصدير واستيراد النفط.
ورفعوا عدة مطالب رئيسية هي: "إنهاء التهميش، وتحقيق التنمية لمناطق الشرق، وإلغاء اتفاقية مسار الشرق المضمن في اتفاقية جوبا للسلام، وتغيير الحاضنة السياسية أو توسيعها (الائتلاف الحاكم)، وحلّ لجنة إزالة التمكين واستبدالها بمفوضية مكافحة الفساد، وحلّ الحكومة الحالية، وتشكيل مجلس عسكري يدير البلاد لفترة انتقالية تعقبها انتخابات".
ومطلع نوفمبر، رفع مجلس "البجا" الحصار الذي كان مفروضًا على ميناء بورتسودان والطرق القومية التي تؤدي إلى الإقليم، ولكن لمدة شهر واحد لمنح الحكومة المركزية في الخرطوم فرصة لحل القضية وإلغاء اتفاقية مسار الشرق موضوع الأزمة.
وساطة جوبا
ومطلع الأسبوع الجاري، تدخلت دولة جنوب السودان على خط الأزمة في محاولة لرأب الصدع وعودة الحياة إلى طبيعتها في منطقة الشرق التي تعد بمثابة رئة السودان، حيث إن عمليات الإغلاق السابقة أصابت الحياة بالشلل التام.
وأكدت الوساطة الجنوبية أهمية التوصل إلى توافق تام بين كافة مكونات منطقة شرق السودان، وصولًا لرؤية محددة حول كيفية إدارة المنطقة.
جاء ذلك خلال اجتماع جمع نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي"، ورئيس وساطة جنوب السودان، توت قلواك، بحضور الأطراف الموقعة على اتفاق جوبا للسلام في السودان.
ووفق بيان لمجلس السيادة السوداني، قال توت قلواك إن الاجتماع ناقش أزمة شرق السودان، وأهمية التوصل لتوافق تام بين كافة المكونات وصولًا لرؤية محددة حول كيفية إدارة المنطقة.
وأشار إلى أن الشرق يعد بوابة السودان، مما يستدعي العمل على استقراره، مؤكدا أن رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت، يتابع باهتمام بالغ تنفيذ اتفاق السلام الموقع بجوبا.
واستجاب فريق الوساطة، لدعوة رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، إلى ضرورة مواصلة وفد الوساطة لجهوده من أجل تقريب وجهات النظر بين كافة المكونات؛ للوصول لاتفاق يضمن لأهل شرق السودان السلام والاستقرار والتنمية.
وأوضح قلواك أن جلسات فريق الوساطة مع الأطراف المختلفة، تتواصل خلال اليومين المقبلين، لبناء قاعدة مشتركة ترضي جميع أهل الشرق باختلاف مكوناتهم.
خنق الحكومة
الكاتب والمحلل السياسي السوداني، هيثم محمود، قال إن الشرق به مكونان رئيسيان هما "البجا" و"البني عامر"، وبين الجانبين "ما صنع الحداد"، خاصة بعد احتواء حكومة عبد الله حمدوك للبني عامر واعتبار مكون البجا من فلول نظام "المؤتمر الوطني" (الحزب الحاكم إبان عهد عمر البشير)؛ ما زاد من حالة الاحتقان، على حد قوله.
وأضاف محمود، في تصريحات لـ"سكاي نيوز عربية"، أن كثيرين يعتقدون أن قضية الشرق ستحل باستيعاب الناظر ترك وتعيينه عضوًا بمجلس السيادة الانتقالي، وهو رأي لا يسنده منطق؛ لأنها باتت قضية جماهيرية وحقوق شعب تتفق فيها كل مكونات الشرق (بجا، بني عامر، المكونات الأخرى) وبإمكان ثوار الشرق خنق الحكومة المركزية من بإغلاق الميناء الوحيد.
وأوضح أن الحكومة ليس باستطاعتها فتح جبهة أخرى للحرب في الشرق مهما كلفها الأمر، ولن تستطيع فتح مسار الشرق الذي أقحم في اتفاقية جوبا للسلام التي تجاوزت مكونًا رئيسيًّا وفئة كبيرة من أهل الشرق.
وأشار إلى أن تأخر الحكومة في تنفيذ مطالب أهل الشرق وتكوينها لـ"لجنة كسيحة" لم تنشط إلا بعد تهديدات بالتصعيد سيعقّد المشهد بشدة في حال إغلاق الميناء الرئيسي والمنفذ البحري الوحيد، خاصة أن الإغلاق السابق قد كبَّد البلاد خسائر فادحة، وأسهم في انهيار الاقتصاد المتهالك.
انفراجة قريبة
واعتبر أن ما حدث مؤخرًا من التعامل مع الناظر ترك خلال أزمته الصحية بداية مبشرة؛ حيث أنه وجد اهتمامًا خاصًّا من الدولة إذ غادر للأردن بطائرة خاصة للعلاج.
وتوقع المحلل السياسي نجاح وساطة دولة جنوب السودان في نزع فتيل الأزمة التي أظهرت فيها الحكومة مؤخرًا اهتمامًا ومرونة، وتعاملت مع ترك كزعيم بعد أنباء عن ترشيحه للسيادي والاهتمام بصحته، وهي عوامل مؤثرة جدًّا في الشعب السوداني.