بعد مأساة المانش.. سياسة الهجرة الأوروبية في دائرة الاتهامات
22:25 - 29 نوفمبر 2021بعدما لقي ما لا يقل عن 27 مهاجرا حتفهم يوم أمس الأربعاء في حادث غرق زورق في قناة المانش خلال محاولتهم للعبور نحو السواحل البريطانية من شمال فرنسا، أشارت جمعيات فرنسية بأصابع الاتهام إلى سياسة الهجرة الأوروبية.
واستنكرت عدة جمعيات تقدم المساعدة للمهاجرين واللاجئين في فرنسا الحادث المأساوي، بما في ذلك "يوتوبيا 56" ومنظمة "أوبيرج دو ميغران" في كاليه وجمعية "سلام".
مسؤولية الدول الأوروبية
ووفقا لمؤسس جمعية "يوتوبيا 56"، يان مانزي، في تصريحه لموقع "سكاي نيوز عربية"، فـ"شبكات التهريب إجرامية"، لكنه يصر في المقابل على "مسؤولية الدولة"، وقال: "المهربون متهمون ولكن من الواضح أن كل الأنظمة الإدارية التي تمنع المهاجرين من طلب اللجوء في بلادنا هي أيضا مسؤولة".
ويتابع: "تصاعد التوتر منذ عدة أسابيع، مع مراقبات الأمن المفرطة وتيسير وسائل إضافية لمنع المهاجرين من الحصول على حياة كريمة ومستقبل جيد. فهم فروا من الحروب والفقر والجوع في بلدانهم وعندما يصلون إلى أرضنا، لا يتم منح 70 في المئة منهم حق اللجوء".
ويعتبر يان مانزي أن كل الاجتماعات الأوربية التي ستعقد بسبب هذا الحادث "لن تقدم أي جديد يمنع وقوع هذه المآسي في مياه المانش وستظل المشكلة كبيرة، لأن هؤلاء المهاجرين سيواصلون المجازفة وفرنسا والمملكة المتحدة عليهما إيجاد حل بديل".
وأضاف: "هذا الحل البديل يتمثل في إنشاء ممرات آمنة إنسانية بين إنجلترا وفرنسا أو عبر تسوية أوضاعهم في فرنسا. مع فتح طرق الهجرة القانونية لعدد من المهاجرين الذين يحتاجون إلى اللجوء أو الذين يتعين عليهم الانضمام إلى عائلاتهم الموجودة على الجانب الآخر. خصوصا أن إنجلترا تظل هدفًا لأنهم حرموا من الحصول على تصريح إقامة في فرنسا وتركوا دون حقوق. لذلك يحاولون العبور إلى إنجلترا، نظرًا لعامل إتقان بعضهم للغة الإنجليزية من جهة ولقلة عمليات التحقق من الهوية و"العمل في الأسود"- وهي عبارة تطلق على العمل دون تصريح- من جهة أخرى".
اللاجئون في ألمانيا.. "ماما ميركل" تودعكم!
غضب وأسف
نفس الغضب عبرت عنه الأمينة العامة لجمعية "سلام"، كلير ميلو، لموقع "سكاي نيوز عربية"، حيث قال: "نحن مدمرون، نبكي حال هؤلاء المهاجرين ولكننا غاضبون أيضًا لأننا كنا نعلم أن هذا سيحدث وللأسف سيتكرر".
وتضيف متأسفة: "بمجرد وصولهم إلى فرنسا، يعتبر المهاجرون غير الشرعيين أن أمر الوصول إلى التراب البريطاني هينا. فيركبون قوارب صغيرة بالعشرات ويتحدون جليد البحر في فضل الشتاء البارد. فتكون النتيجة مأساوية".
مراجعة اتفاقية توكيه
أما جمعية "أوبيرج دو ميغران" في كاليه فتشير بأصابع الاتهام إلى اتفاقيات توكيه التي وقعت عام 2003 خلال القمة الفرنسية البريطانية الخامسة والعشرين.
ويوضح منسق الجمعية، بيير غوك، لموقع "سكاي نيوز عربية" أنه "يجب تجاوز بنود معاهدة توكيه التي تهدف إلى إعاقة الهجرة غير الشرعية إلى بريطانيا من خلال تعزيز مراقبة الحدود. ما ترتب عنه تحويل الحدود البريطانية من دوفر (المملكة المتحدة) إلى كاليه (فرنسا)".
وتعود ظروف توقيع اتفاقيات توكيه، إلى إغلاق مركز الصليب الأحمر بمدينة سانجاط الفرنسية في نهاية عام 2002 بناءً على طلب بريطانيا، ورغبة لندن حظر عبور حدودها من غير مواطني الاتحاد الأوروبي الذين ليس لديهم تأشيرة دخول. كما نصت الاتفاقيات على تعزيز الرقابة على الحدود.
وهكذا، تم إنشاء مكاتب مشتركة لمراقبة الهجرة في موانئ القناة وكاليه على الجانب الفرنسي ودوفر على الجانب الإنجليزي. والأشخاص الذين مُنعوا من الوصول إلى الأراضي الإنجليزية يجب أن يظلوا في فرنسا.
ولهذا يطالب منسق جمعية "أوبيرج دو ميغران" بريطانيا وفرنسا بالعودة إلى طاولة الحوار والتفكير في "حلول إنسانية" تمنع فقدان المزيد من الأرواح و"تتجاوز بنود اتفاقيات توكيه".
بنود مجحفة
وقد سبق أن انتقدت بنود اتفاقية توكيه، إذ في محاولة لتحسينها، تم توقيع اتفاقيات ثنائية أخرى عامي 2009 و2010 وعام 2014 ، تنص على قيام بريطانيا بتمويل مراقبة الحدود وتأمين مواقع العبور في كاليه، حتى لا يصبح الأمر متروكا بشكل متزايد للسلطات الفرنسية للسيطرة على الهجرة غير الشرعية إلى بريطانيا.
وعام 2018، وبعد تسعة أشهر من وصوله إلى الإليزيه، وقع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة الوزراء البريطانية آنذاك، تيريزا ماي، اتفاقيات ساندهيرست. وتهدف أساسا إلى تسوية قضية القاصرين غير المصحوبين بذويهم. فتم تخفيض المدة النهائية للم شملهم مع عائلاتهم في المملكة المتحدة من ستة أشهر إلى ثلاثين يومًا. بالإضافة إلى ذلك، تعهدت لندن بدفع مبلغ بقيمة 50 مليون يورو لتمويل المراقبة في كاليه.
لكن هذه المراقبة لم تجد نفعا، وهذا ما يؤكده منسق الجمعية: "منذ سنوات ونحن ندد ونحذّر من الوضع الخطر عند الحدود. مثل هذا الحادث المميت كان متوقعا ويمكن تجنبه. وبلغة الأرقام، عدد المهاجرين الذين قضوا منذ عام 1999 على هذا الساحل يفوق 300 شخص. وخلال الأسابيع الأخيرة غرقت زوارق كثيرة و لايزال بعض المهاجرين في عداد المفقودين. أصبح حالنا يشبه ما يحدث في البحر الأبيض المتوسط".
ويختم حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية" قائلا: "كلما ازدادت التعزيزات الأمنية لمراقبة المهاجرين غير الشرعيين كلما وقعوا ضحايا في أيدي المهربين الذين يتقنون فن الهرب من الشرطة".
وللإشارة، يتزامن مصرع السبعة والعشرين مهاجرا مع تصريح الإدارة البحرية لقناة المانش بأن هناك "تسارعا جديدا" في شهر نوفمبر الماضي لمحاولات العبور فيما كانت وتيرتها بطيئة في خريف السنوات الماضية. إذ سجلت أجهزتها 15400 محاولة عبور وإنقاذ 3500 مهاجر خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2021.