ما أسباب عدم إقبال المغاربة على فكرة التبرع بالأعضاء؟
22:07 - 18 أكتوبر 2021منذ أزيد من أسبوع، انطلقت، عبر شبكات التواصل الاجتماعي في المغرب، حملة توعوية وإعلامية حول أهمية التبرع بالأعضاء وزرعها، وذلك بمبادرة من جمعيات من المجتمع المدني.
وذكر بلاغ للمنظمين، الذي اطلعت عليه "سكاي نيوز عربية"، أن هذه الحملة، التي تم إطلاقها بمناسبة اليوم العالمي للتبرع بالأعضاء وزرعها، الذي يتم الاحتفال به في 17 أكتوبر من كل سنة، تروم تحفيز المواطنين على التبرع من أجل المساعدة في تطوير عملية نقل وزرع الأعضاء.
وتهدف الحملة أيضا إلى زيادة الوعي بأهمية هذا العمل الإنساني والتضامني، الذي يساهم في إنقاذ حياة العدد من الأشخاص، حيث تم تسخير الشبكة العنكبوتية من أجل تعبئة جميع مكونات المجتمع المغربي، لاسيما المهنيين في مجالي الصحة والإعلام من أجل المساعدة في ترسيخ ثقافة التبرع بالأعضاء بين المواطنين المغاربة.
ناقوس الخطر
وحذرت البروفيسور أمال بورقية، رئيسة الجمعية المغربية لمحاربة أمراض الكلي، من الحاجة الملحة لمعالجة العجز المتنامي في مجال التبرع بالأعضاء وزرعها، لا سيما خلال السنتين الأخيرتين اللتين عرفتا تراجعا غير مسبوق بفعل الجائحة.
وقالت الخبيرة في الأخلاقيات الطبية، في تصريح لـ"سكاي نيوز عربية"، إن العجز المسجل في هذا المجال الحيوي، يعزى لعدة عوامل أهمها قلة الوعي المجتمعي ونقص المعلومات حول الممارسات والتقنيات المستخدمة في عملية الزرع، بالإضافة إلى المعتقدات الخاطئة والخوف من هذه العملية أساسا.
وشددت الخبيرة الدولية على أهمية الإعلام في تبليغ الرسالة، وتوعية المواطنين بأهمية التبرع بالأعضاء؛ "فالموضوع إلى جانب كونه مبهما بالنسبة للكثيرين، فهو يعرف تداخلا في المجالات التي تُعنى به، بما في ذلك الطب والفقه والمجتمع".
كما لفتت بورقية إلى ضرورة إماطة اللثام عن كافة العوامل النفسية التي تحيط بالتبرع، وتوضيح النقاط الملتبسة حتى لا نسقط في الشائعات والكلام الفارغ.
وتابعت البروفيسورة، ضمن حديثها قائلة: "إذا كان التواصل مع المواطن ضعيفا، والتوعية لا ترقى إلى المستوى المطلوب، فإن المجال يبقى مفتوحا أمام الأكاذيب، والمخاوف التي لا أساس لها، بحيث يتساءل العديد من الناس عن مصير أعضائهم بعد التنازل عنها ويخشون التلاعب بها، وهذه أشياء لا أساس لها".
وسجلت الخبيرة بأن بعض دول الخليج وعلى رأسها الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية تبقى نموذجا يحتدى به في التعاطي مع التبرع بالأعضاء، مذكرة أن الجارة الإسبانية هي الأخرى مثال للوعي بأهمية التبرع بالأعضاء، بحيث تحتل مراكز متقدمة على صعيد العالم.
التبرع بالأعضاء ليس ترفا
ردا على المخاوف التي يعبر عنها عدد من المغاربة بخصوص التبرع بالأعضاء، قال البروفيسور خالد فتحي، الأستاذ بكلية الطب في جامعة محمد الخامس، إن الترسانة القانونية الخاصة بتنظيم عمليات التبرع بالأعضاء بالمغرب متقدمة جدا، كما أن انجازات المنظومة الصحية في هذا الحقل الطبي متطورة بما يكفي.
وأشار البروفيسور، في حديث مع "سكاي نيوز عربية"، إلى أنه "لازالت هناك تمثلات مغلوطة لدى فئات واسعة من المغاربة حول التبرع بالأعضاء؛ وهذا يعود بالأساس إلى عاملين، أولهما أن قطاع الصحة يرزح تحت أعباء كثيرة، وهو منهك ويعاني من مشاكل مزمنة، تنخر جسده".
واسترسل فتحي قائلا إن البعض داخل قطاع الصحة في المغرب لا زال يعتبر التبرع بالأعضاء ترفا ولا يرقى لأن يحضى بالأولوية.
وبالتالي، يضيف الأستاذ بكلية الطب في جامعة محمد الخامس، "فرغم وجود كفاءات طبية عالية المستوى، وتَوفر بنية لوجستية قادرة على احتضان مثل هذه العمليات وإنجاحها، إلا أن الأمر لم يصل بعد النضج المطلوب".
وزاد البروفيسور في معرض حديثه أن ضعف ثقافة التبرع لدى المغاربة تعيق إقبالهم على التخلي عن أعضائهم بعد الوفاة، وهنا تشير أصابع الاتهام إلى غياب الإعلام الهادف الذي يركز على المنجزات العلمية، بحيث ليست لدينا نقاشات ومناظرات علمية يشارك فيها العلماء والأطباء لمناقشة موضوع التبرع بشكل منتظم يشجع الناس على التبرع".
الاستثمار في "المؤثرين"
في سياق متصل، دعا خبراء مغاربة إلى توفير أرضية مناسبة لتنسيق الجهود ونشر الوعي بأهمية التبرع بالأعضاء.
تعليقا على الموضوع، قال البروفيسور فتحي: "إن المغاربة مجبولون على التطوع والكرم ونجدة الآخر، ويمكن لخطباء الجمعة أن يلعبوا دورا كبيرا في إقناع المغاربة بالتخلي عن تحفظهم. في الغرب هناك مؤثرون حقيقيون، يقودون الرأي العام، وهذا نفتقده في المغرب، حيث هناك تناول مناسباتي للموضوع في يومه العالمي".
وزاد فتحي قائلا: "يجب أن يكون هناك تحالف طبي إعلامي لتطوير هذا الحقل، من خلال النزول، يدا في يد، للمعترك المجتمعي وتبديد مخاوف الجمهور وحثه على التبرع، خصوصا وأن القانون المغربي يعود إلى 1999، وهو قانون متطور جدا يتماشى ومبادئ الشريعة الإسلامية التي تحض على بذل كل الجهود لإحياء النفس البشرية، حيث ينظم التبرع بين الأموات والأحياء وبين الأحياء فيما بينهم، والذي يكون بينهم عامل قرابة".
كما أن القانون المغربي يحمي المتبرع من أي ضرر، ويفرض عقوبات قاسية على كل من يتلاعب أو يتاجر في هذه العمليات، ويحدد الخطوات العملية للتبرع.