مغربيات ينتزعن عمودية مدن كبرى.. والعيون على "المناصفة"
23:58 - 22 سبتمبر 2021دخل اسم نبيلة لمريني تاريخ تدبير الشأن المحلي في المغرب، بعدما أصبحت أول سيدة تتولى منصب عمدة الدار البيضاء، أكبر مدينة بالمملكة وعاصمتها الاقتصادية.
وتنمتي الرميلي لحزب التجمع الوطني للأحرار، الذي فاز بالمرتبة الأولى في الانتخابات العامة التي نظمت مؤخرا في المغرب، وقد تمكنت من إزاحة منافسها الوحيد، عبد الصمد حيكر، العضو في حزب العدالة والتنمية والنائب الأول للعمدة السابق للمدينة.
ولم تخرج هزيمة الحزب المحسوب على الإسلام السياسي في العاصمة الاقتصادية عن سياق الخسارة المدوية التي مني بها في الانتخابات على الصعيد الوطني.
وقد اختارت العمدة الجديدة، وهي أيضا المديرة الجهوية للصحة بالدار البيضاء، أربع نائبات لها إضافة إلى ستة نواب من الرجال.
وإلى جانب نبيلة الرميلي، حافظت زميلتها في الحزب امباركة بوعيدة على منصبها رئيسةً لإحدى أهم الجهات الصحراوية، فيما كرست فاطمة الزهراء المنصوري عن حزب الأصالة والمعاصرة خسارة حزب العدالة والتنمية بفوزها بعمودية مدينة مراكش خلفا لمحمد العربي بلقايد العمدة السابق المنتمي لحزب العدالة والتنمية الذي فقد مقاعده المحلية بالمدن الكبرى.
من النور إلى العتمة .. تنجح في حياتها فتوهب الأمل
ومن المنتظر أن أن يؤول منصب عمدة العاصمة الرباط إلى اسم نسائي أيضا، فيما تنظر الجمعيات النسائية باستحسان لهذا الاختراق الذي أحرزته النساء في استحقاقات الثامن من سبتمبر، لكنها تدعو إلى بذل المزيد من الجهود من أجل تحقيق هدف المناصفة الذي ينص عليه دستور 2011.
وينص الفصل 19 من الدستور المغربي، على أن الرجل والمرأة على قدم المساوة، في الحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
وتلزم الوثيقة الدستورية الدولة بأن تسعى إلى تحقيق "مبدأ المناصفة بين الرجل والنساء وتحدث لهذه الغاية هيئة للمناصفة وكل أشكال التمييز".
وضمن ردود الفعل المعبر عنها، اعتبر ائتلاف "المناصفة دبا" أو المناصفة الآن أن تقدم تمثيلية النساء في المجالس المنتخبة مؤشر إيجابي على مستوى الأرقام، مقارنة مع المحطات الإنتخابية السابقة، لكنه عبر عن أمله في تحقيق المزيد في كل المحطات القادمة تماشيا مع الدستور وكل الإلتزامات الدولية التي صادق عليها المغرب بخصوص إرساء مبدأ المناصفة والمساواة بين الرجال والنساء في جميع الحقوق ".
وفي بيان له، دعا ائتلاف "المناصفة دبا" كل الأحزاب السياسية إلى ترشيح النساء على رأس كل المجالس المقبلة، "مادامت هناك نفس الثقة والقدرات التي منحت لهن عند تقديمهن إلى جانب الرجال أمام الناخبين".
وقد شهدت انتخابات الثامن من سبتمبر حضورا نسائيا أقوى مقارنة بالإنتخابات السابقة، حيث ارتفع عدد المترشحات لمجلس النواب بنسبة 34 في المئة، كما بلغت نسبة النساء في الترشيحات للانتخابات البلدية والجهوية 30 في المئة.
الثلث في الطريق نحو المناصفة
ويعزى هذا الحضور النسائي على مستوى الترشيحات، إلى التعديلات التي أدخلت على القوانين الانتخابية ضمن الجهود التي يبذلها المغرب من أجل دعم تمثيلية النساء بمختلف المجالس المنتخبة.
وتنص بعض التعديلات التي صادق عليها مجلس النواب على ضرورة تخصيص الاحزاب لثلثي الترشيحات للنساء في القوائم الانتخابية، مع اشتراط تخصيص المرتبتين الأولى والثانية في كل قائمة، حصريا للنساء.
وترى بشرى عبدو رئيسة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، أنه وخلافا للحضور النسائي على مستوى الترشيحات، فإن النتائج التي أفرزتها صناديق الإقتراع كانت باهتة.
ولم تتمكن سوى ست نساء من الفوز في الدوائر المحلية من أصل 305 من المقاعد المخصصة لتلك الدوائر، فيما وصلت 90 مترشحة إلى قبة البرلمان عن طريق اللوائح الجهوية.
ويرى مراقبون أنه من دون احتساب الفائزات عن طريق اللوائح الجهوية (الكوتا النسائية)، فإن نسبة نجاح النساء في هذه الانتخابات لا تتعدى 2 في المئة.
وكان البرلمان السابق يضم 81 نائبة من أصل 395 مقابل 67 نائبة في البرلمان المنتخب عام 2011.
وفي تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية" تؤكد الناشطة في المجتمع المدني، أنه حان الوقت لأن تنتقل الأحزاب السياسية في المغرب من مسألة تطبيق القوانين التي تنص على ضرورة ترشيح النساء، إلى الإيمان بالمناصفة الحقيقية. وألا يكون الحضور النسائي مجرد "تأثيث" للمجالس المحلية والجهوية.
عشرون عاما من التمييز الإيجابي
وعلى غرار مجموعة من الدول العربية، اعتمد المغرب عام 2002 نظاما للتمييز الإيجابي يقوم على وضع "كوطا" مخصصة للنساء، كآلية مؤقتة بهدف تعزيز تمثيلية النساء داخل البرلمان، وانخراطهن الفعلي في الحياة السياسية.
لكن وبعد مرور عشرين عاما، بدأت أصوات تنادي بضرورة تجاوز هذا النظام في أفق تفعيل المناصفة الحقيقة التي تقوم على الإيمان بقدرات النساء على المشاركة في الفعل السياسي.
ويرى القيادي في حزب الاستقلال، عادل بنحمزة، أن الأحزاب المغربية لم تستوعب مفهوم "الكوتا" بالشكل الصحيح، حيث وضعت النسب التي ينص عليها نظام "الكوتا" كحد أقصى لتمثيلية النساء في المؤسسات المنتخبة، في حين أن هذا النظام يشكل فقط مرحلة مؤقتة تشجع الأحزاب على ترشيح النساء في أفق الرفع تلقائيا من تمثيلية النساء في الطريق إلى المناصفة.
وفي تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية" يؤكد بنحمزة أن اعتماد نظام الكوتا "لم يكن ناضجا في الحياة السياسية المغربية وإنما شكل تطبيقا لإلتزامات المغرب الدولية وتماشيا مع الدينامية التي شهدتها الساحة السياسية الدولية فيما يخص الحضور النسائي".
ويضيف القيادي في حزب الاستقلال أن الأحزاب لم تشهد تحولا كبيرا بل إن العقلية الذكورية لا تزال سائدة.
من جانبها، ترى ابتسام عزاوي، وهي شابة استفادت قبل سنوات من نظام الكوطا لتصبح نائبة برلمانية، أن هذا النظام ساهم بشكل كبير في رفع تمثيلية النساء داخل الهيئات المنتخبة، وخاصة بالبرلمان.
وترى السياسية الشابة، في حديث مع "موقع سكاي عربية" أنه إضافة إلى ماهو قانون وإجباري، فإن مجموعة من الأحزاب قامت باجتهادات من أجل تقديم وجوه نسائية للتباري على مستوى الدوائر المحلية، مستشهدة بوضعيتها الخاصة حيث فازت كوكيلة لائحة حزبها، الاتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية، في إحدى أهم دوائر العاصمة الرباط.
ورغم ذلك، تعتبر ابتسام عزاوي أن عدد النساء اللواتي يخضن التجربة الإنتخابية بشكل مباشر، بعيدا عن آليات التمييز الإيجابي وقوة القوانين، يبقى ضئيلا مقارنة بالرجال.
وترى المنتخبة المحلية، أنه حان الوقت للتفكير في آليات أخرى للإنهاء مع نظام "الكوطا" للمرور من مرحلة فرض حضور النساء بقوة القانون، إلى تمكينهن من خوض الانتخابات بشكل مباشر بناء على الكفاءة.
نظرة المجتمع
وإلى جانب "العقلية الذكورية"، التي لا زالت تسيطر على بنية معظم الأحزاب السياسية، حيث توجد سيدة واحدة على رأس حزب مغربي، وهي نبيلة منيب التي تتزعم الحزب الإشتراكي الموحد، فإن النظرة المجتمعية للمرأة تقف بدورها عائقا أمام تحقيق إختراق نسائي لافت للمشهد السياسي.
ويرى عبد الحميد بنخطاب، أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق بالرباط، أن المجتمع المغربي لا يمكنه أن يتخلص من النظرة النمطية للمرأة إن لم تساهم المرأة بنفسها في هذه المعركة النضالية.
ويشير الأستاذ إلى أن النساء يشكلن كتلة ناخبة قوية تتجاوز خمسين في المئة من الناخبين، لكنهن غالبا لا يصوتن للنساء المنتخبات، ويؤكد في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية" أنه لا بد من فتح نقاش مجتمعي يستهدف التوعية بضرورة تمكين النساء سياسيا.