الجفاف يغزو شمال شرقي سوريا.. وتوقعات بنزوح الملايين
00:54 - 01 سبتمبر 2021على غرار يحدث في معظم مناطق وسط وجنوب العراق، فإن مناطق شاسعة من شمال وشرق سوريا، التي تسمى عرفا "الجزيرة السورية" ويقطنها حوالي 5 ملايين نسمة، مهددة بموجة جفاف شديدة، بسبب القطع المستمر لنهري دجلة والفرات المحيطين بالمنطقة.
وحسبما يقول الخبراء، فإن هذا الجفاف قد يؤدي خلال أقل من عقدين من الآن إلى أشكال من التصحر، وتاليا يقضي على الغطاء الزراعي في المنطقة التي تقدر مساحتها بثلث مساحة سوريا، وكانت تعتبر سلة غذاء البلاد خصوصا بالمواد الزراعية الاستراتيجية، من الحبوب والبقوليات والقطن.
هل هناك خطر من ندرة المياه العذبة على كوكب الأرض؟
ويروي أحمد الرويشد المزارع ابن المنطقة الأوضاع المأساوية لمئات أشجار الزيتون والعنب التي يملكها، فالرويشد الساكن مع عائلته في قرية علوة البجارة على نهر الخابور جنوب مدينة الشدادي الذي يعتبر من أهم روافد نهر الفرات، لم يتمكن من ري تلك البساتين إلا مرات قليلة طوال فصل الصيف.
وارتفعت درجات الحرارة بشكل استثنائي في صيف العام الجاري، وسط انقطاع تام للقنوات والترع التي كانت تمر من قريته.
وفي حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية"، يقول الرويشد: "حتى في سنوات الجفاف الشديدة في أوائل الستينات، بقيت الترع والسواقي المائية المتدفقة من الشمال تزودنا بالمياه. كان الفلاحون يستطيعون عبرها سقاية مزروعاتهم وبساتينهم".
وتابع المزارع السوري: "المجاري النهرية وقتئذ كانت الأساس للزراعات المروية والبساتين الشجرية، على عكس الزراعات البعلية التي كانت تعتمد على الأمطار. خلال العام الجاري حدث انقطاع تام. فأمطار العام الماضي لم تتجاوز ربع المعدل، وقطعت السواقي النهرية تماما، سواء في منطقتنا أو حتى في نهر الفرات نفسه، حيث تمكن سكان القرى المجاورة له من عبوره مشيا على الأقدام. وفي قريتنا وحدها ثمة قرابة 1500 شجرة مهددة بالجفاف".
وكانت اتفاقيات سياسية ومائية سابقة بين الحكومتين السورية والتركية قد حددت كمية 500 متر مكعب من المياه في الثانية الواحدة كنسبة تدفق لنهر الفرات من الأراضي التركية إلى داخل سوريا، و400 متر مكعب في الثانية الواحدة بالنسبة لنهر دجلة.
لكن، وبسبب مجموعة السدود التي بنتها تركيا على النهرين، ونتيجة استخدامها ورقة المياه ضد الإدارة الذاتية الكردية في المناطق الشمال الشرقية من سوريا، فإن تلك الحصة صارت تصل بنسبة الثلث فحسب، وتذهب أغلبها إلى التسربات الأرضية.
وبدأت انقطاعات المياه منذ أواخر فصل الخريف من العام الماضي، وتسببت بتحطم موسم القطن الذي يعتمد على الري النهري، لكنه صار يتجاوز ذلك للتأثير في البساتين والمناطق الشجرية، ويغير حتى من طبيعة التربة نفسها.
الخبير الزراعي والمدير المسؤول في وزارة الزراعة السورية حسن الأسطة، يشرح في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية" التأثيرات البيئية لذلك، عبر حدوث تبدلات جوهرية في طبقات التربة في كامل تلك المنطقة.
ويقول الأسطة: "كانت منطقة الجزيرة السورية مقسمة تقليديا إلى 3 مستويات: الجزيرة العليا وتشمل كامل الشريط الحدودي مع تركيا لعمق قرابة 50 كيلومترا جنوبا، وكانت من أخصب أنواع التُرب في العالم، ونظيرتها الوسطى التي كانت مكانا للزراعات الشجرية المتحملة مثل الزيتون والكروم والنخيل، والجزيرة الدنيا شبه الصحراوية التي يمكن استخدامها كمراع".
لكن "راهنا تتحول هذه الأخيرة إلى صحراء تامة وتهدد بالامتداد شمالا، بينما تبدو الجزيرة الوسطى مهددة بأن تكون مجرد أراض صالحة للرعي الحيواني، والجزيرة العليا تخسر كل أنواع جودتها السابقة، إذ ثمة زيادة في ملوحة الأرض وخسارة في نسب الآزوت الكثيفة التي كانت مرتفعة سابقا، بسبب شح المياه"، وفق الخبير الزراعي.
سكان الجزيرة السورية الممتدون على طيف قومي وديني متنوع، كانوا يعتمدون بغالبيتهم العظمى على الزراعة كمصدر اقتصادي وحيد لحياتهم.
لكن بحدوث هذه الموجة الجديدة من شح المياه فإن بطالة هائلة وندرة في الموارد تهدد أوساطهم، كما أن معظم قراهم لن تكون قابلة للحياة موضوعيا، مما قد يتسبب بهجرات جماعية هي أقرب ما تكون باقتلاع كلي.
وتزداد معاناة هؤلاء السكان لأن هذه المنطقة محاصرة أساسا، وتقريبا مقطوعة الصلة عن العالم الخارجي، ولا تستطيع السلطات المحلية تقديم أي حوافز مشجعة للمزارعين للاستمرار في الاستقرار في مناطقهم، كذلك فإن التغيرات المناخية ستكون حاجزا أمام إعادة تلك الخصائص الأولية للتربة والبيئة الزراعية في المنطقة، حتى لو أعيد ضخ المياه بعد أوقات قريبة.