3 "ملفات شائكة".. طالبان تواجه صعوبات "بناء الدولة"
21:34 - 30 أغسطس 2021في تصريحاته الأخيرة حول مخطط حركة طالبان لترتيب الحياة السياسية والعامة في أفغانستان بعد خروج القوات الأميركية من مطار كابل، ظهر القيادي البارز في الحركة شير محمد عباس، مرتبكا وغير واضح في رؤيته وما تنوي الحركة السير عليه.
فمن جهة، أعلن أن الحكومة المفترض إعلانها خلال أيام ستتشكل بعد مشاورات قيادة الحركة مع من أسماهم "مختلف الجماعات العرقية والأحزاب السياسية في البلاد"، إلا أن طالبان وضعت الرئيس الأفغاني الأسبق حامد كرزاي ورئيس مجلس المصالحة الوطنية عبد الله عبد الله قيد الإقامة الجبرية، ومنعت أي نشاط سياسي لباقي الأحزاب، ورفضت عودة الزعماء السياسيين للجماعات العرقية الأفغانية إلى البلاد تحت بند العفو العام الذي أعلنته.
ما يصح بحق الحكومة الأفغانية المتوقع تشكيلها، والتي تسعى الحركة لأن تكون بوابتها لنيل الاعتراف الدولي بها، يصح أيضا على ملفات تشكيل الجيش وتوفير الأموال للخزينة العامة. فالحركة التي تسعى فعليا لتصفية كل إرث الدولة الأفغانية السابقة، تصطدم باستحالة إعادة تأسيس الدولة دون تلك القواعد المؤسساتية التي كانت، هذا غير الشروط الدولية المفروضة عليها في ذلك الاتجاه.
الحكومة الأفغانية المشتركة، التي من المفترض أن تشكلها حركة طالبان خلفا لحكومة الرئيس أشرف غني، يظهر وكأنه مطلب وشرط رئيسي لأربعة أطراف ذات تأثير على الملف الأفغانية. فالمعارضة العسكرية لحركة طالبان في إقليم بانشير بقيادة أحمد مسعود تعتبر ذلك شرطا للدخول في مفاوضات مع الحركة بشأن مستقبل أفغانستان.
كذلك تُجمع مختلف القوى السياسية الأفغانية، بالذات من الحساسيات القومية والطائفية على ضرورة فعل ذلك، للتسليم بشرعية حُكم طالبان. لكن الجهتان الأكثر إصرارا على ذلك هما الولايات المتحدة الأميركية مع القوى الدولية، وإلى جانبها الدول الإقليمية المحيطة بأفغانستان، لغرض التعاون وفتح الحدود.
الباحث الأفغاني مراد همسروب شرح في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، المخاوف لدى الحركة، في حال تشكيلها للحكومة المشتركة أو تشكيل حكومة منفردة.
وقال: "وعود الحركة بحكومة تضم مختلف الأطراف يبدو وكأنه حديث هوائي. فلا يُعرف النظام السياسي الذي ستلتزم به الحركة، والذي سيكون راعيا ودستورا لتلك الحكومة. كذلك لم يُعرف ما هي نسبة تمثيل كل جهة وما هي تلك الجهات أساسا".
وتابع: "لكن الأهم هو عدم تحديد الجهة التي يمكن أن تراقب وتحاسب تلك الحكومة وحسب أي قانون. وأي تحديد لتلك المعايير، إنما هو تقليل من سلطة الحركة الكلية على البلاد، وخضوعها لمنطق الدولة وتعاليها على القوى السياسية، وهو أمر لن تقبل به طالبان، وعدم قبولها هذا سيحول دون الاعتراف الدولي بها".
كذلك تعاني الحركة من تحدي إعادة تشكيل الجيش الأفغاني، فحسبما أعلن المتحدث الرسمي باسم الحركة، ذبيح الله مجاهد، فإن طالبان ستحافظ على الجيش وتدمج مقاتليها ضمن صفوفه، وتغير نوعا ما من عقيدة الجيش القتالية.
الصحفي الأفغاني المختص بالشؤون العسكرية، هيبة الله جوانشوش، المقيم في فرنسا، شرح في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية" معضلة الحركة في ذلك الاتجاه.
وقال: "تعرف الحركة إن مقاتليها المقدرين بحوالي سبعين ألفا، يُستحال أن يسيطروا على البلاد بهذه المساحة الشاسعة والمجتمع المقدر بأكثر من ثلاثين مليونا، والحدود المقدرة بأكثر من سبعة آلاف كيلومتر، هذا غير التحديات الأمنية المتمثلة بالجماعة المتطرفة المناوئة للحركة".
وتابع: "لكن إعادة الآلاف من مقاتلي الجيش السابقين، وإن برُتب عسكرية متواضعة، لن يعني بأي حال إن هذا الجيش لن يكون قادرا في المستقبل على إعادة ترتيب نفسه وخوض انقلاب على الحركة، خصوصا في سنواته الأولى، حيث لا يزال يحتفظ بجزء من عقيدته وولائه للدولة التي أسقطتها طالبان، وهو أكبر تحد مُلح تواجهه الحركة راهنا، ومحل نقاش حميم بين قادته السياسيين والعسكريين".
المسألة الثالثة التي تواجهها طالبان تتعلق بالميزانية العامة الواجب توفيرها للحكومات المركزية والمحلية، كروات ومصاريف تشغيلية واستثمارات، حتى تستطيع القيام بواجباتها في الحكم، وهو أمر يبدو صعبا للغاية بالنسبة للحركة.
فالحكومات السابقة، وبسبب الاعتراف الدولي والمساعدات الخارجية كانت توفر أكثر من 10 مليارات دولار سنويا، نصفها من المساعدات وتجارة العبور البري والجوي عبر أفغانستان، وجزء مهم من الاستثمارات الخارجية، بالإضافة إلى استفادتها من الجهد العسكري المجاني الذي كانت تبذله قوات التحالف الدولي.
كل ذلك متوقف راهنا، حتى ما كان يملكه البنك المركزي الأفغاني جمدته السلطات الأميركية، والمقدر بحوالي 8 مليارات دولار، مما يعني أن السلطات الأفغانية المستقبلية تحت سيطرة طالبان، ستكون مجبرة على تقديم تنازلات سياسية وموضوعية للحصول على مساعدات وتسهيلات مالية أجنبية، ولو بالحد الأدنى.