نساء أفغانستان.. رعب من عودة التسعينات
23:41 - 15 أغسطس 2021بينما تقترب حركة طالبان الأفغانية المتشددة من بسط سيطرتها على مُختلف مناطق البلاد، وتوارد أنباء متطابقة عن السلوكيات التي تنتهجها الحركة تجاه المجتمعات في مناطق سيطرتها، بالذات النساء، أعلن المتحدث باسم الحركة "سنحترم حقوق المرأة وسنسمح لها بالتعليم والعمل على أن ترتدي الحجاب". وهو تعهد شكك المراقبون بإمكانية التزام الحركة به، لممارساتها الفعلية راهناً على الأرض، ولتاريخ سلوكيات الحركة تجاه النساء
فريزة جيجكي هي واحدة من قرابة مائة ألف امرأة أفغانية، اللواتي فررن من أماكن سيطرة حركة طالبان نحو العاصمة كابول، حيث يشعرن إن العاصمة ستبقى مكاناً آمناً أكثر من بقية المناطق.
تشرح جيجكي في حديثها لسكاي نيوز عربية أحوال بعض النساء من معارفها، في المناطق التي دخلت تحت سيطرة حركة طالبان "كُنت أملك مع زوجي معملاً لتجفيف الفاكهة، في منطقة أيبك التي تقع بين العاصمة كابول ومدينة مزار شريف. ولطبيعة العمل الذي يحتاج لمهارة واعتناء تتميز به النساء، فقد كنا نملك أكثر من ثلاثين ورشة لتجفيف الفاكهة في المناطق بين مدينتي مزار شريف وكندوز، تعمل في كل واحدة منها قرابة عشرين امرأة. لكن ومنذ قرابة أسبوع، وبعدما تعرض الريف الشمالي بين المدينتين لاحتلال حركة طالبان، أغلقوا جميع تلك الورش، وطلبوا نساء تلك المنطقة بعدم الخروج من المنزل إلا للحاجة القصوى، الأمر الذي دفعني مع عائلتي للفرار إلى العاصمة كابول، خشية ممارسات مقاتلي الحركة ضدي وضد بنتاي الصغيرتان".
التغيير مقابل التخلص من أشكال العنف ضد المرأة
وكانت النساء الأفغانيات قد تعرضن لاضطهاد شديد من قِبل مقاتلي الحركة في النصف الثاني من تسعينات القرن المنصرم (1996-2001)، حينما كانت الحركة تحكم أغلب مناطق البلاد، بما في ذلك العاصمة كابول.
كانت النساء وقتئذ ممنوعات من التعليم والعمل، ويُسمح بتزويجهن في سنٍ مبكرة، ويخضعن بشكل كامل لسلطة الأبناء والأزواج، وتفرض عليها أنواع من الأزياء، مثل "الجاردو الأفغاني"، الذي هو أشبه ما يكون بكيس قماشي، إلى جانب ممارسات التعنيف الشديدة في حال تجاوزهن لأوامر الحركة.
حدث ذلك بالرغم من إن دستور أفغانستان للعام 1964 كان أقر بمساواة الرجال والنساء في أفغانستان، ومنح المرأة الأفغانية حقوقاً مساوية تقريباً لحقوق الرجال. وتشهد الكثير من الأفلام الوثائقية والأرقام الحكومية على نمو دور النساء في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في أفغانستان خلال العقود اللاحقة، حتى أن نسبة الأمية في أوساطهن قلت إلى ما دون النصف مما كانت عليه.
بعد تحرير أفغانستان من حركة طالبان، استعاد الدستور الذي أُقر في العام 2004 روح دستور عام 1964، بالذات في مساواة المرأة بالرجل وحقوقهن في التعليم والعمل.
الناشطة المدنية الأفغانية سهرداد مغلوب، عبرت عن المخاوف الشديدة لملايين النساء الأفغانية من مستقبلهن المنظور، وشرحت ذلك في حديث مع سكاي نيوز عربية "مهما كانت وعود قيادات الحركة، ففي المحصلة يعرف الجميع إن الحركة تستمد قوتها الداخلية والتصاق أعضاءها من طاقة الذكورة والعنف التي تحملها في جنباتها، وهي لا تستطيع أن تتخلى عن ذلك، خشية الانحلال وفقدان الجاذبية بالنسبة لأعضائها. النساء هُن المادة الأكثر يُسراً وسهولة لتطبيق ذلك، ويبدو أنه أمر محتوم".
تتابع مغلوب حديثها لسكاي نيوز "المشكلة أن الحركة ستتمكن خلال شهور قليلة من القضاء على أرث ونضال مديد للنساء الأفغانية، يمتد لأكثر من قرن كامل، من أيام مشاريع الملكة ثريا، زوجة الملك الأفغاني المتنور أمان الله (1919-1929)، حيث افتتحت المدارس والمشاغل والمنظمات والمجلات النسوية في أفغانستان، ثم تم إقرار قانون إلغاء الفصل بين الجنسين، إلى أن وصلنا لمرحلة الزعيم السياسي الحداثوي داوود خان، في أوائل الخمسينات من القرن المنصرم. وكما كانت الحركة قادرة في تسعينات القرن المنصرم من اقتلاع كل ذلك خلال شهور قليلة، ستفعل ذلك في الشهور المقبلة".
تطورت أحوال النساء الأفغانيات خلال السنوات الماضية، فقد انخفضت نسبة جرائم الشرف والعنف ضدهن إلى قرابة 250 حادثة في العام الواحد، بعدما كانت تزيد عن خمسة آلاف حالة في العام الواحد، كذلك صارت نسبة النساء في سوق العمل الأفغانية تتراوح بين 15-20 بالمائة، والمثير للاستغراب إن نسبتهن في القطاع الخاص كانت تتجاوز نسبتهن في القطاع العام.
مع سيطرت حركة طالبان على أجزاء واسعة من مناطق أفغانستان، وثقت اللجنة الأفغانية المستقلة لحقوق الإنسان مئات الحالات التي تعرضت فيه النساء لتعنيف ومعاقبة وإعادتهم بالقوة إلى بيوت أزواجهن، بما في ذلك أثني عشر حالة على الأقل لتزويج القاصرات، وطبعاً إغلاف المئات من المراكز التعليمية والإنتاجية التي كانت تنشط بها النساء.
اللجنة الأفغانية المستقلة لحقوق النساء، ومثلها مئات التنظيمات المدنية الأخرى، تخشى أن تفرض الحركة قوانينها المتطرفة في حال إحكام سيطرتها على مختلف مناطق البلاد، بالذات العاصمة كابول.