في خضم أزمات لبنان.. "المؤونة" تبعث من جديد
14:34 - 14 أغسطس 2021لا قاع للأزمات الطاحنة التي تعصف بلبنان، فكل يوم يمر يجلب معه أزمة جديدة تعمق من عذابات اللبنانيين، الذين باتوا يواجهون معاناة حقيقية في الحصول على أبسط المقومات.
ودفع هذا الواقع المرير ببروز ظاهرة "المؤونة" التي غابات لسنوات عن المجتمع اللبناني، وتقوم على تخزين المواد الأساسية وتجفيفها لكي تصمد فترة طويلة من الوقت ولا تتأثر بانقطاع التيار الكهربائي، المشكلة التي استفحلت أخيرا في لبنان مع تزايد عدد ساعات القطع.
وتعمل لبنانيات في مناطق شتى بلبنان على تتجفيف اللحوم" القاورما" وصولاً الى تجفيف الخضار والفاكهة، إلى جانب سلق القمح وتجفيفه لتحويله إلى "مسامير الركب" (البرغل).
وتشهد القرى اللبنانية نشاطاً غير مسبوق لإعداد المونة المنزلية التي لا تحتاج الى الثلاجات المبردة وتدوم لمدة أطول.
وجالت مراسلة "سكاي نيوز عربية" على عدد من القرى اللبنانية لتسليط الضوء على هذه الظاهرة.
"منذ سنوات طويلة لم نقم بتجهيز المؤونة في المنزل"، بهذه الجملة تختصر فيوليت، من بلدة بشري شمالي لبنان، التجربة الجديدة التي تخوضها وصديقاتها.
السبب في الانهيار الاقتصادي
وأضافت: "اعتدنا شراء المواد التموينية الجاهزة من المتاجر، إلا أن الأزمة الاقتصادية وانهيار سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار، أديا إلى انخفاض القدرة الشرائية، فباتت الأسعار نار ".
وأمام هذا الواقع، صارت فيوليت تعد عصير "رُب البندورة" (معجون الطماطم) وربُ الرمان ، كما بدأت بإعداد الجبن في المنزل لأنه "أنظف وأرخص".
وتؤكد "أم ابراهيم" في البقاع اللبناني أنها انتقلت إلى مراحل جديدة من الإنتاج، من طحن " الكشك" البلدي إلى إعداد الجبن المنزلي الذي وصل سعر منافسه الصناعي إلى 50 ألف ليرة لبنانية ( وهو مبلغ كبير لذوي الدخل المحدود بلبنان)، ومربيات المشمش والتين والسفرجل .
وعلى تلال جبل الشيخ تنتقل نديمة من جهة إلى أخرى بين " حلة" حليب الماعز لإعداد اللبنة وبين "حلة " (وعاء نحاسي كبير للطهي ) عصير التوت.
وتقول إن لا وقت لديها للكلام فهناك أوراق العنب التي يجب تصفف قبل حلول المساء، وفي مكان آخر يحتاج اللبن والجبن لحركة سريعة بسبب انقطاع التيار الكهربائي عن الثلاجات.
وتكتفي نديمة بالقول" عدنا الى المونة والطلب على المؤونة في ازدياد"
وتقول ماجدة غانم من أهالي بلدة كفرشوبا في القطاع الشرقي لجنوب لبنان صاحبة صفحة "مونتنا" إن الإقبال هذا العام سيكون أكبر وفق توقعاتنا على الرغم من ارتفاع الأسعار، مشيرة الى أن الحاجة للمؤونة أكبر في الوقت الحاضر، خصوصا البرغل والحبوب والعدس.
وتجهز ماجدة البرغل من سنة إلى أخرى وتستخدم " الجاروشة" لتبقى نكهة البرغل على ما هي.
وتضيف: "حالياً المواسم سريعة ومتلاحقة ولا وقت للهو نعد عصير التفاح والتوت.
وتقول ناهدة إن الإقبال على الملوخية المجففة جعلنا نعمل بأوقات مضاعفة، فالطلب كبير على المونة المجففة بسبب انقطاع الكهرباء في لبنان، وخوفاً من غلاء الأسعار.
تفسير الظاهرة
وبنظر علم الإجتماع تعتبر العودة الى التقاليد القديمة مؤشر إلى سلوك جديد للكائن الإقتصادي.
وتؤكد الخبيرة في علم الإجتماع ريما حميدان لموقع "سكاي نيوزعربية": "لا يمكن التغاضي عن أثر الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي خلقت صدمة للمواطن اللبناني الذي خسر ودائعه وفقد مدخراته، وتلاشت قوته الشرائية".
وأضافت أن "هذا الأمر أدى إلى خلق شعور بالخوف من المستقبل وعدم الأمان، ودفع الناس إلى محاولة توفير أكبر قدر ممكن من الأموال، لذلك انتقلت العائلات إلى إعداد حاجاتها الغذائية بنفسها لتوفير النقود".