لا ماء ولا كهرباء في العراق.. ولا حلول في الأفق
03:12 - 06 أغسطس 2021مع تعرض 14 برجاً لنقل الطاقة الكهربائية للتخريب في محافظة صلاح الدين العراقية في يوم واحد، وانقطاع الكهرباء تماماً عن المحافظة التي تضم قرابة مليوني نسمة، يكون ملف عوز الطاقة الكهربائية قد وصل إلى ذروته في العراق.
وتتراجع نسب التغذية وساعات التوصيل لمختلف مناطق العراق شهراً بعد آخر، حتى أن أرقام المولدات الكهربائية المنزلية في العراق قد سجلت رقماً قياسياً على مستوى العام، إذ يستخدم المجتمع العراقي 4.3 مليون مولدة كهربائية صغيرة، بمعدل مولدة لكل تسعة مواطنين عراقيين.
محافظة صلاح الدين العراقية، والتي كانت من أكثر محافظات العراق عوزاً بالطاقة الكهربائية ونقص الموارد المائية، بسبب التناقص المتراكم من مياه نهر دجلة الذي يقطع المحافظة إلى قسمين، إذ تتراجع مستويات ما يملكه العراق من هاتين الطاقتين بالتقادم، وما تؤثران بهما من نتائج على المجتمع والبيئة وكامل أشكال الحياة في العراق.
يُقدر الخبراء المهنيون في وزارة الكهرباء العراقية حاجة العراق الفعلية للكهرباء بـ30 ألف ميغاوات، كي تتمكن الوزارة من تغذية جميع المواطنين طوال ساعات اليوم، لكن جميع مراكز الإنتاج الحكومية، بما في ذلك السدود والعنفات التي تنتج الكهرباء عبر الوقود أو ضغط الآبار الغازية، لا تنتج إلا 10 ميغاوات من الكهرباء، ويستورد العراق قرابة 4 ميغاوات من إيران، أي نسبة العجز في الطاقة الكهربائية في البلاد هي بحدود 55 بالمائة، هذا فيما لو عملت جميع مراكز الإنتاج وشبكات التوزيع دون أي تخريب أو فساد، وهو ما لا يحصل أبداً.
في الملف المائي، تُقدر المؤسسات الدولية حاجة العراق بحوالي 70 مليار متكر مكعب من المياه العذبة، يُستخدم ثُلثاه في القطاع الزراعي، حيث أن مجمل أراضي العراق الزراعية تستخدم نمط الري المنظم في القطاع الزراعي، تستهدف 1.8 مليون هكتار من الأراضي، توفر قرابة 60 بالمائة من حاجات العراق من المواد الغذائية.
لكن العراق فعلياً لا يحصل حتى على ربع تلك الكمية من المياه، بعدما خفضت تركيا من مستويات ونسب تدفق مياه نهري دجلة والفرات، إلى ما دون ربع ما كانت تسمح بتدفقه. فيما قطعت إيران بشكل شبه تام لأنهار الزاب الأسفل والكرخة وكروان وديالى الكبير، مما هدد بجفاف مختلف البحيرات الداخلية، الحبانية والموصل ودربنديخان وحمرين؛ الأمر الذي سيعني أن نصف المناطق الآهلة بالسكان راهناً في العراق ستتحول إلى صحاري خلال عشرة سنوات قادمة على الأكثر، بالذات المناطق الواقعة جنوب العراق.
المستشارة الاقتصادية في المركز العراقي للأبحاث نادين الجبالي شرحت في حديث مع سكاي نيوز عربية العلاقة بين الحيزين من الطاقة "تطورت الطاقة الكهربائية في العراق بعد سنوات من بناء السدود المائية في ثمانينات القرن المنصرم، وتراجعت مستويات المياه وقلة الاعتماد على الثروات الباطنية العراقية بطرائق وطنية، حيث نقص حجم انتاج العراق من الكهرباء من 16 ميغاوات إلى 9 ميغاوات وسطياً. ولا يمكن توقع لأية حلول لمشكلة الطاقة الكهربائية دون إعادة الحياة للحياة المائية في العراق".
وأضافت المستشارة في حديثها مع سكاي نيوز عربية "ثمة تجارب كما في المغرب ومصر وغيرها من دول المنطقة، حيث تمكنت بمبالغ مالية صغيرة من تشييد محطات إنتاج طاقة كهربائية حرارية وغازية قُدرت بحوالي 20 ميغاوات. وتمكنت تلك الدول من تحقيق (المعجزة الكهربائية) لأنها ببساطة كانت تملك إرادة وطنية لفعل ذلك، على عكس السلطة الحاكمة للعراق، أو غالبيتها".
لكن الباحث السياسي العراقي نداف العجمي، شرح في حديث مع سكاي نيوز عربية البُعد السياسي لمسألة الطاقة الكهربائية والمائية في العراق، واستحالة حله دون هذا البُعد.
وقال العجمي "صراحة الحل هو خروج العراق من ثنائية القطبية الإيرانية والتركية في هذين المجالين، إذ من المستحيل أن تخيل أن تمنح إيران الطاقة الكهربائية للعراق، في وقت ثمة فرق مروعة بولائها لإيران تفجر الأبراج الكهربائية، كذلك تركيا التي تعرض بناء وحدات للطاقة في العراق، في وقت تقطع المياه عنه".
يضيف العجمي في حديثه "الحل كامنٌ في مستويين، أول يتعلق ببناء وحدات كهربائية إنتاجية مركزية، ببرنامج وطني لإنتاج الطاقة، وعبر شراكة مع كبرى المؤسسات الدولية، واعتبار الأمر مسألة أمن وطني، وأساساً لخلق أية تنمية وطنية في البلاد. كذلك تهديد تركيا وإيران بالمقاطعة الاقتصادية والسياسية في حال الاستيلاء على الموارد المائية العراقية، فالأنهار الدولية ليست ملكاً لهاتين الدوليين، بل هي ملك موزع بين الدول التي تمر بها الأنهار، وحسب القوانين الدولية، وغياب الإرادة الوطنية مانع تام وأساسي أمام استمرار الأمر لغير مصلحة العراق".