مكافحة الفساد في تونس.. الخطوط الجوية تدخل دائرة الضوء
03:30 - 03 أغسطس 2021أصدرت السلطات القضائية في تونس، الاثنين، قرارا بحظر السفر بحق مسؤولين كبارا في شركة الخطوط الجوية التونسية، وذلك على خلفية تورطهم في قضايا فساد مالي وإداري واستغلالهم مناصبهم لتحقيق منافع شخصية.
وشملت قرارات المنع من السفر خمسة مدراء، فضلا عن مهندسين اثنين بالشركة لاتهامهم باستغلال وظيفتهم لتحقيق منافع من دون وجه حق والإضرار بالإدارة، وذلك وفق ما أعلنه المتحدث الرسمي باسم القطب القضائي الاقتصادي والمالي محسن الدالي، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء التونسية.
وقال الدالي إن "القطب القضائي الاقتصادي والمالي قرر تحجير (حظر) السفر على عدد من المسؤولين في شركات حكومية، من بينهم خمسة مدراء ومهندسين اثنين ينتمون إلى الناقلة الجوية، وستنظر الأجهزة القضائية في شبهات الفساد واستغلال الوظيفة والإضرار بالإدارة التي تعلقت بهم".
وتأتي قرارات منع المسؤولين بشركة الخطوط الجوية التونسية ضمن حملة الرئيس التونسي قيس سعيد لتعقب ملفات الفساد في عدد من الشركات العمومية، وذلك في أعقاب القرارات التي تم الإعلان عنها في الخامس والعشرين من شهر يوليو الماضي والتي كانت بمثابة الزلزال السياسي الذي هز البلاد، وذلك بتجميد عمل مجلس النواب ورفع الحصانة على النواب وإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي من منصبه، فضلا عن عزل وزراء ومسؤولين آخرين وتقديم آخرين للمحاكمة.
وعلق المحلل والكاتب السياسي ماجد برهومي، على القرارات الصادرة بحق عدد من مدراء الخطوط التونسية، بأنها "إجراءات تحفظية تندرج بالتأكيد ضمن حرب يقودها الرئيس لتعقب الفساد الإداري والمالي المتفشي داخل عدد من المنشآت العمومية ومحاسبة رؤوس الفساد وسوء التصرف".
وأكد برهومي في تصريحات لسكاي نيوز عربية أن "شركة الخطوط الجوية التونسية باتت من أكثر الشركات التي شهدت تراجعا مدقعا في رقم معاملاتها وتكبدت خسائر فادحة نتيجة سوء التصرف المالي والإداري وتدخل أطراف أجنبية في سياساتها، مما ساهم في تفاقم ديونها وتراجع مكانتها كواحدة من أكبر الشركات الحكومية في البلاد".
وأضاف: "حتى تبدو الصورة واضحة من الجانب القانوني، فإن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، كما أن قرينة البراءة متوفرة في ملف تحجير السفر على مدراء الخطوط الجوية التونسية، والتحقيقات القضائية هي التي ستثبت إدانة هؤلاء من عدمها، ولكن في الوقت نفسه لا بد من الإقرار بأن انهيار مداخيل الشركة وتهاوي مكانتها وتفاقم خسائرها هي أدلة على وجود فساد إداري وسوء تصرف مالي واستغلال نفوذ من قبل المسؤولين داخلها، ويظهر ذلك في تضاعف عدد العاملين والموظفين، مما أثقل كاهل المؤسسة ماليا، فضلا عن أزمة واضحة في أسطول الطائرات، إذ إن أغلب الطائرات خارج نطاق الاستغلال".
وأشار المتحدث إلى أن تعاقد الخطوط التونسية مع شركة "تاف" التركية نتجت عنه خسائر مادية فادحة للناقلة الجوية التونسية التي عاشت في الأعوام القليلة الماضية على وقع الأزمات المالية وسوء التسيير الإداري بحسب وصفه.
وشهدت الخطوط الجوية التونسية انهيارا واضحا في إيراداتها، وذلك بنسبة تجاوزت 29 بالمائة خلال الأشهر الستة الأولى من سنة 2021، لتناهز 183 مليون دينار، وفق مؤشرات نشرت على موقع بورصة الأوراق المالية بتونس.
وفيما أرجعت مصادر من الشركة هذا التراجع، إلى انخفاض عدد المسافرين بنسبة 42 بالمائة، من 579 ألف مسافر نهاية يونيو 2020، إلى 338 ألف مسافر نهاية يونيو 2021، أكد خبراء في الاقتصاد أن سوء التصرف والفساد المالي وارتفاع حجم الأجور تعد من الأسباب الرئيسية لتلك الأزمة الخانقة.
وكانت نشاط الناقلة محل انتقادات لاذعة من قبل أعضاء في البرلمان السابق، حيث أكد النائب السابق بدر الدين القمودي، رئيس لجنة مكافحة الفساد بالبرلمان وجود "ملاحق تكميلية غير قانونية لعقد الخطوط التونسية مع الشركة التركية "تاف"، مما أفرز بحسب قوله خسائر ضخمة لخزينة الدولة بأكثر من 500 مليون دينار من العملة الصعبة وذلك من جراء التخفيض بما نسبته 70 بالمائة من مستحقات الديوان التونسي للطيران المدني والمطارات.
بدوره، يرى المحامي حازم القصوري أن "قرارات تحجير السفر على عدد من مدراء شركة الخطوط التونسية تأتي في سياق محاربة الفساد وغسيل الأموال والإضرار بالإدارة، وذلك تتمة لحرب الرئيس التونسي ضد الفساد".
وقال القصوري لسكاي نيوز عربية: "القرارات التي تم الإعلان عنها من قبل القطب القضائي الاقتصادي والمالي تندرج ضمن قانون مكافحة الإرهاب ومنع غسيل الأموال، ولكن هذه الإجراءات تبقى احترازية ضد كل من تعلقت بهم شبهات الفساد المالي والاستيلاء على أموال المجموعة الوطنية وتحقيق منافع شخصية دون وجه حق إلى حين انتهاء الأبحاث بحقهم".
وحول التداعيات القضائية لهذه الملفات قال القصوري: "هؤلاء المسؤولين يتمتعون بقرينة البراءة. مثل هذه الإجراءات تظل بانتظار نتائج التحقيقات وذلك استنادا لعلوية القانون وبعيدا عن مبدأ التشفي. لم يعد هناك مجال للتخفي وراء الحصانة البرلمانية أو القضائية أو الإدارية، وهذه خطوة هامة جدا وإيجابية في إطار الحرب على الفساد واستئصاله".