تحركات النهضة بعد قرارات سعيد.. هل تستعيد أحداث الثمانينيات؟
15:32 - 26 يوليو 2021مع صدور القرارات الرئاسية التونسية، التي استجابت لانتفاضة الشعب التونسي وما يعانيه من ظروف تحت سُلطة حُكومة حزب حركة النهضة "الإخواني"، تواردت الأنباء بشأن الاستعدادات الداخلية التي تنظمها الحركة لإنزال أعضائها إلى الشارع وإحداث فوضى وقلاقل أمنية، إلى جانب تحركات من قبل التنظيم الإخواني الليبي، حيث جهز عناصره لتجاوز الحدود مع تونس.
وتذكر هذه التحركات بعقد الثمانينيات في تونس، حينما كانت حركة النهضة تستخدم كل الوسائل غير الشرعية للإطاحة بالنظام السياسي والاستقرار في تونس.
فبعدما غابت الحركة عن كل المشهد السياسي أثناء مرحلة التحرر الوطني التونسية، في أربعينيات وخمسينيات القرن المنصرم، في مواجهة الاستعمار الفرنسي، الذي لم يشهد طوال أكثر من ثلاثة أرباع قرن (1881-1956) احتل فيها تونس أية حركة مقاومة من قِبل الإسلام السياسي، فإن الحركة أسست نفسها وعقدت مؤتمرها الأول في منطقة "منوية" التونسية في الـ13 من شهر أغسطس من العام 1979، أي بعد شهور قليلة من انقلاب آية الله الخوميني على شاه إيران وثورة الشعب الإيراني. حيث كانت الأوراق التأسيسية والهيكلة التنظيمية للحركة في مؤتمرها التأسيسي مليئة بالرغبة والسعي لإعادة تنفيذ ما حدث في إيران، وبدعم من نظام الملالي الإيراني، كما كشفت الوثائق فيما بعد.
بعد قرابة عام واحد من التأسيس، أعلنت قوات الأمن التونسية في شهر ديسمبر من العام 1980 اكتشاف التنظيم السري للجماعة، بعد إلقاء القبض على القياديين صالح كركر وعيسى الدمني، اللذين كانا يستحوذان على كل الوثائق الخاصة بالحركة، بما في ذلك شبكات التنظيمات السرية الرديفة للحركة، وآليات عملها وانتشارها ومهامها السرية المخالفة للقانون.
ترافق ذلك التحرك من التنظيم الإخواني في تونس مع حدثين إقليميين مؤثرين. فمن جهة بدأ النظام الإيراني بالخطوات الفعلية لنشر أذرعه الإقليمية، وذلك تحت حجة "نشر الثورة الإسلامية"، حيث تأهبت الكثير من التنظيمات الإخوانية استعداداً لذلك. كذلك حدثت "عملية القفصة" داخل الأراضي التونسية، حينما قام مجموعة من الشُبان التونسيين من الحركة القومية السرية المدعومة من الرئيس الليبي السابق معمر القذافي بالهجوم على مدينة قفصة التونسية عبر الحدود الجزائرية، للسيطرة على منطقة تونسية وإحداث فوضى داخل تونس، الأمر الذي دفع حزب النهضة للتفكير بتطبيق نماذج مماثلة طوال ذلك، بالرغم من أن الرئيس التونسي "الحبيب بورقيبة" أعلن فتح البلاد أمام التعددية الحزبية مباشرة بعد القضاء على ذلك التنظيم المسلح.
لكن التنظيم الإخواني لم ينتظر ولم يلتزم بالقانون المنظم للحياة السياسية في البلاد، فأعلن عقد مؤتمره الثاني في مدينة سوسة، في نفس اليوم الذي كان الحزب الاشتراكي الدستوري "الحاكم" يعقد مؤتمره للنظر في أحوال البلاد، فقط ليضع السلطة أمام الأمر الواقع.
وبالرغم من محاولات السلطات التونسية إيجاد مساحة مشتركة تسمح للحركة بالعمل السياسي المضبوط حسب الدستور والقانون، حيث كان رئيس الوزراء التونسي المشهور "محمد المزالي" قد التقى بقيادات الحركة أكثر من مرة، بالذات عبد الفتاح مورو، وفاوضهم إلى أن تم الإفراج عن قياداتهم والسمح لهم بالعمل الدعوي والثقافي والاجتماعي، وحتى تأسيس اتحاد للطلبة رديف للحركة، هو "الاتحاد العام التونسي للطلبة".
لكن قيادات الحركة فرت إلى الخارج، بما فيها القيادي الأكثر "اعتدالاً" عبد الفتاح مورو، الذي طلب اللجوء السياسي بعد مقابلة الرئيس الفرنسي وقتئذ "فرنسوا ميتران"، والمستشار الألماني "هيلمت شميت"، طالباً التدخل في الشؤون الداخلية التونسية، الأمر الذي رفضته الدولتان.
في شهر مارس من العام 1987 ألقت السلطات الأمنية التونسية القبض على القيادي في الحزب "راشد الغنوشي"، متهمة إياه بتلقي التمويل المالي من نظام إيران، الأمر الذي دفع الحركة لتحريك أنصارها في الشارع، وإحداث قلاقل أمنية، وصلت في أواخر ذلك العام إلى استهداف أربعة نُزل في مدينة سوسة التونسية، حيث جُرح خمسة عشر مواطن تونسي.
وبناء على ذلك حكمت المحكمة العليا التونسية على زعيم الحركة راشد الغنوشي بالسجن مع الأشغال الشاقة مدى الحياة، وألقت القبض على 800 من أعضاء الحركة، وفككت الأجهزة الأمنية التنظيمات السرية الرديفة للحركة.
أضرت سياسات حركة النهضة التونسية طوال عقد الثمانينيات بالاقتصاد التونسي وتطور بنيته التحتية، إلى جانب تعكيرها لمسيرة التطور الطبيعي للحياة السياسية في البلاد، حيث أدخلت آليات العمل السري والدعم الخارجي والتنظيمات الرديفة واستخدام القلاقل الأمني ضمن المنافسة السياسية، وقبل ذلك كله عدم الاعتراف بالقانون والسيادية العليا لمؤسسات الدولة.