من صاحب قناع توت عنخ آمون؟ خبيران بالآثار يجيبان
00:25 - 17 يوليو 2021رفض خبيران في وزارة الآثار المصرية النظرية التي انتشرت في وسائل الإعلام خلال الساعات الأخيرة لعالمة مصريات إنجليزية حول أن القناع الذهبي للملك المصري القديم الشهير توت عنخ آمون لم يُصنع له خصيصا، وإنما يعود إلى الملكة نفرتيتي زوجة الملك إخناتون.
ونشرت صحيفة " إكسبريس" البريطانية، الخميس، نقلا عن عالمة المصريات جوان فليتشر ما يشير إلى أن القناع الذهبي صُنع لحاكم آخر أو شخصية على درجة عالية من الأهمية، وربما تكون تلك الشخصية الملكة نفرتيتي بعد محاولة تركيب معالم وجه توت عنخ آمون الذي جاءت وفاته مفاجئة وهو لم يكمل العشرين من عمره.
واستدلت فليتشر على رأيها بأن فحص الصور والسجلات المرتبطة بمرحلة التنقيب والكشف عن مقبرة توت عنخ آمون التي تمت على أيدي عالم المصريات هوارد كارتر عام 1922 يشير إلى وجود آذن مثقوبة، وأن توت عنخ آمون لم يرتدِ الأقراط بعد الطفولة؛ فمن المفترض ألا يصور على القناع بآذنين مثقوبة.
ويبلغ وزن القناع الذهبي حوالي 11 كجم، وهو عبارة عن غطاء رأس ملكي به عقد من 3 أفرع ولحية مستعارة وقلادة على الصدر، وفي مقدمته ثعبان الكوبرا للحماية في العالم الآخر، وفي الأذنين ثقبين.
وحول مدى صحة تلك المعلومات، اتفق خبيران في الآثار المصرية في حديثهما لـ "سكاي نيوز عربية" على أن نظرية جوان فليتشر حول قناع توت عنخ آمون غير سليمة بالمرة؛ استنادا على بعض الدلالات من تاريخ الحضارة المصرية.
ارتداء الحكام للأقراط
ويقول مجدي شاكر، كبير الأثريين في وزارة الآثار المصرية إن "مومياء الملك توت عنخ آمون ذات آذان مثقوبة، ونجح الفريق المكتشف لمقبرته في العثور على أقراط ملكية تخص الملك وتعد من أجمل الحلي الفرعونية التي وجًدت بالمقابر، ما يدلل على صحة انتماء القناع الذهبي إلى الملك توت عنخ آمون".
كما يشير شاكر إلى أن المومياوات الملكية وجدران المعابد تثبت ارتداء الملوك للأقراط، حيث عثر على الكثير من المومياوات الملكية ذات آذن مثقوبة مثل مومياوات الملوك رمسيس الثاني ورمسيس الرابع ورمسيس الخامس، إضافة إلى النقوش على جدران مقبرة الملكة نفرتاري بوادي الملوك والملكات بالأقصر ومقابر تانيس لملوك الأسرتين الـ 21 والـ 22، ومقتنيات مقبرة الملك سيتي الثاني التي احتوت على أقراط.
وفكرة ثقب الآذن من أجل التزيين ظهرت في الدولة الحديثة وبين الأغنياء وأفراد البيت الملكي وتحديدا الملوك، وكان الملك تحتمس الرابع (عام 1410 قبل الميلاد) أول الملوك الذين ارتدوا الأقراط المصنوعة من الذهب والذهب المطعم، وأكدت مومياؤه على هذا الأمر بالعثور على الآذن مثقوبة، وفق الخبير الأثري المصري.
وبالمثل، يقول حسين عبد البصير، مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، إن القناع الذهبي هو بالفعل صنع من أجل الملك توت عنخ آمون ولا تحمل الآذن المثقوبة الموجود بالقناع دلالات انتمائه للملكة نفرتيتي، كما استدل بأن ارتداء الملوك الرجال في مصر الفرعونية للأقراط كان أمرا معتادا، خاصة وأن المصري القديم برع في اختيار أدوات التزيين على مدار العصور.
صناعة القناع
واستندت العالمة البريطانية في تحليها لانتماء القناع لشخص آخر إلى اختلاف الذهب المستخدم في صناعة الوجه وباقي الأجزاء، إضافة إلى وجود خط لحام مرئي على القناع.
ويفسر عبد البصير الدليل السابق الذي لجأت له فليتشر بأن صناعة القناع من الذهب مرتبطة بأهمية اللون الذهبي في مصر القديمة لرمزه إلى لون أشعة الشمس والديانة الشمسية وارتباطه بالطقوس الجنائزية والبعث في الحياة الأخرى؛ لذا كان القناع الشيء الأخير الذي يتم وضعه على التابوت، ويصنع من عروق الكوارتزيت المستخرجة من الجبل الأحمر.
ويعد القناع في العقيدة المصرية القديمة رمزا كبيرا باعتباره الوسيلة التي تربط بين الشخص والبعث، فمن خلال القناع تتعرف روح المتوفى على شخصية المتوفى، فتعود إليه ويعود إلى الحياة مرة أخرى.
وخضع القناع الذهبي في عام 2015 لترميم لحيته، وهو ضمن مقتنيات الملك الصغير الفاخرة والنادرة في المتحف المصري بوسط القاهرة، والمقرر نقله مع بقية مقتنياته إلى المتحف الكبير المنتظر افتتاحه قريبا.
عصر جذاب للتكهنات
ورغم أن فترة حكم توت عنخ آمون قصيرة المدة (1336- 1327 قبل الميلاد) إلا أنها تمثل أهمية لانتمائه لفترة عصر العمارنة في نهاية الأسرة 18 ونهاية ما يُعرف بالدولة الحديثة من تاريخ الحضارة المصرية القديمة، واحتفاظ مقبرته بكافة المقتنيات بحالة جيدة حيث تتجاوز 5 آلاف قطعة أثرية من بينهم العجلة الحربية والقناع والكرسي الذهبي.
واتفق عبد البصير وشاكر، على أن فترة حكم الملك توت عنخ آمون التي لم تتجاوز 9 سنوات ووفاته في سن مبكرة والغموض الذي يدول حول سبب الوفاة، إضافة إلى سرعة دفنه والعثور على مقبرته كاملة المقتنيات يدفع المهتمين بعلم المصريات لفرض تكهنات حول أن أثاثه الجنائزي ربما كان ملك لملوك آخرين مثل سمنخ كا رع ونفرتيتي.
وخلال السنوات الماضية، طرح جمعية استكشاف مصر (مقرها بريطانيا) وعالم المصريات البريطاني نيكولاس ريفيز، فرضية حول أن مقبرة توت عنخ آمون لم تبنَ له من البداية وانتماء وجه القناع إلى امرأة.
ويرى عبد البصير، أن الجدل حول ملوك عصر العمارنة حديث ممتد، وفي عام 2002 أعلنت جوان فليتشر عثورها على مومياء الملكة نفرتيتي بعد فحص إحدى المومياوات المكتشفة في مقبرة أخناتون، وهو الأمر الذي أثبت عالم المصريات زاهي حواس خطأه لعدم تطابق شكل رأس المومياء مع رأس نفرتيتي.
ولعصر العمارنة أهمية تاريخية خاصة، لما ظهر فيه من تطور في الإدارة والفنون والعمارة والديانة مثلت "ثورة" في مسار الحضارة المصرية.