في ذكرى تحريرها.. "خلوها أجمل" ترمم ذكريات الموصل
11:04 - 10 يوليو 2021على مدار 4 سنوات، ينطلق عمر ورفاقه كل صباح في الموصل شمال شرقي العراق، نحو مهمة جديدة مليئة بالمتاعب والمخاوف والأمل في نفس الوقت، لإعادة الحياة إلى شوارع ومنازل مدينتهم العتيقة التي دمرها تنظيم داعش الإرهابي، ونقل نجاح تجربتهم إلى بقية المدن.
وبعزيمة قوية، أطلق عشرات الشبان حملة "خلوها أجمل" لتنظيف شوارع ومستشفيات مدينة الموصل عقب تحرير شرقها في يناير 2017، وتدريجيا توسعت المهمة حتى أصبحت حملة إعادة إعمار ثاني أكبر المدن العراقية.
وفي سنة 2018، بدأت كل من دولة الإمارات ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونيسكو" شراكة لاستعادة التراث الثفافي والديني الشهير لمدينة الموصل، في إطار مبادرة "إحياء روح الموصل".
وبفضل مبادرة، ستتم إعادة بناء جامع النوري ومئذنته في الهضبة إلى جانب كنيستي الساعة والطاهرة، وهو ما يساعد على توفير ألف فرصة عمل وتدريب مهني.
وسيوفر المشروع نقطة محورية لقطاع السياحة في الموصل، من أجل دفع النمو الاقتصادي في المستقبل.
وفي ذكرى تحرير الموصل، تواصل موقع "سكاي نيوز عربية" مع أحد مسؤولي الحملة لإلقاء الضوء على دورها في مرحلة إعادة بناء المدينة، التي تحررت في العاشر من يوليو 2017.
واختير اسم حملة "خلوها أجمل" بالتشاور بين أعضاء الفريق، الذين توافقوا على اسم يحمل الأمل في إعادة إحياء روح الموصل بعودة سكانها وترميم ذكرياتها.
واحتل تنظيم داعش الموصل في 2014 وسط علامات استفهام لم تجد إجابات حاسمة بعد، بشأن السهولة التي وجدها في السيطرة على المدينة الكبيرة.
وفي أكتوبر 2016 أعلنت الحكومة العراقية التي كان يقودها آنذاك حيدر العبادي، "معركة تحرير الموصل" بالتعاون مع قوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق، وأعلن طرد التنظيم منها في يوليو 2017.
بداية عفوية
لم يدر بخلد المؤسسين أن تتحول الفكرة إلى حملة تطوعية تضم مئات الشباب والفتيات. ويقول أحد المؤسسين، عمر السعرتي: "بعد تحرير الجانب الأيسر من الموصل تجمع حوالي 20 شابا لطرح فكرة عفوية بشأن تنظيف الشوارع والمستشفيات من ركام الحرب".
وتابع: "بحماس بالغ نُشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي الفكرة، لنجد ترحيبا كبيرا من متطوعين بلغ عددهم 50 شخصا، للمشاركة في مهمة التنظيف ورفع آثار القصف والاشتباكات".
وتوسعت الحملة في أعداد المتطوعين وفي مهامها، لتصبح من أكبر الحملات التطوعية المحلية في الموصل؛ ما بين تنظيف المناطق وترميم المباني وإعادة إحياء المناطق التراثية المتضررة من سنوات الحرب.
ورغم صعوبة المهمة في الجانب الأيسر من المدينة، نظرا لاستمرار الحرب وقتها في الجانب الأيمن، فإن الحملة نجحت في فترة قصيرة بتنظيف ما بين 60 إلى 70 مستشفى ومدرسة، مما شجع بعض سكان تلك الأحياء الفارين وقت الحرب على العودة إلى مناطقهم بعد عودة المدارس والمستشفيات للعمل.
وطوال معركة الموصل، تضرر أكثر من 5 آلاف موقع، وأكثر من 8500 مبنى، و98 بالمئة من المباني السكنية بالمدينة القديمة، و80 بالمئة من المستشفيات والمراكز الطبية، ودُمر المسجد النوري الكبير و130 كلم من الطرقات.
ذكريات وتحديات
قرار دخول المدينة بعد انتهاء الاشتباكات مباشرة، لم يكن بالأمر الهين على السعرتي وأعضاء الحملة، وبمجرد أن وطأت أقدامهم شوارع المدينة، انهالت ذكرياتهم التي تردد صداها بين الجنبات المليئة بالركام وأنقاض الحرب.
ويسرد السعرتي في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية" هذه اللحظات، قائلا: "بدخول الموصل شعرنا بالحزن على ما لحق بالمدينة من دمار والذكريات المرتبطة بكافة شوارعها، لكن ما جعلنا نتغلب على تلك المشاعر دافعنا الأساسي في إعادة إحيائها".
وجاء انهيار البنية التحتية بالكامل للمدينة القديمة، مثل شارع النجفي، والجسور والمستشفيات، أكبر تحدي للفريق الذي حرص على ترميمها للحفاظ على ذكريات أهالي الموصل.
ولم تتوقف صعوبات مهام الحملة التطوعية عند هذا الحد، بل امتدت إلى عرقلة من بعض المسؤولين الحكوميين لأعمال الترميم والبناء التي تتطلب بطبيعة الحال إجراءات رسمية.
وفي هذا الصدد، يقول مسؤول الحملة: "تعرضنا لضغوط من جانب جهات حكومية لتأجيل الموافقات على المشاريع، مما دفعنا للجوء إلى العلاقات الشخصية لإنهاء الأوراق".
ومع غياب الدعم المادي لـ"خلوها أجمل" من قبل المؤسسات الحكومية، اعتمدت مشاريعها على الدعم الذاتي من أعضاء الفريق والمتبرعين من خارج الموصل، إضافة لدعم مؤسسات دولية في تقديم المساعدات الغذائية وترميم المحال.
ويجد السعرتي أن الرغبة الحقيقة لدى سكان الموصل والمتطوعين في إنجاح الحملة، كانت عاملا رئيسيا لتخطي العقبات وكسب متطوعين جدد تتراوح أعداهم ما بين 120 إلى 130 عضوا قادرا على تقديم الدعم دون مقابل مادي باختلاف التخصصات.
وسرعان ما تحول الأمر إلى ثقة متبادلة بين أعضاء الحملة والمتطوعين، تُرجم على أرض الواقع في شكل إنجازات.
فرحة العائدين
ويعدد السعرتي أهم إنجازات الفريق، قائلا: "نجحنا في إحياء أكبر الحدائق بالعراق، وهي حديقة الشهداء، بتنظيفها من حوالي 40 عبوة ناسفة، وإعادة ترميم منازل الجانب الأيمن الأكثر تضررا من الحرب والمليء بالجثث؛ لذا استعنا بقوات الدفاع المدني لإزالة العبوات وانتشال الجثث".
ويجد الفريق فرحة العائدين أكبر دليل على النجاح، مما يدفعهم للاستمرار في ترميم تاريخ الموصل، خاصة بعد ترميم الجسر العتيق، أقدم جسور المدينة، ونحو 115 منزلا وشارعا؛ لتعود الحياة للمنطقة بالكامل.
كما تم إعمار 140 محل، لتعود حركة البيع والشراء في شارع جامع النوري الكبير، آخر المناطق المحررة من داعش.
التوسع في بقية المدن
ويحكي السعرتي عن التحدي الآخر الذي أُضيف لحملتهم في العامين الأخيرين: "بعد انتشار فيروس كورونا قمنا بشراء أكثر من 200 أنبوبة أكسجين ليستفيد منها 1000 مصاب مع تقديم 10 آلاف من سلال الغذاء للعائلات المحتاجة، ونحرص في كل عيد على رعاية 1000 طفل يتيم بتقديم الملابس وإعداد برامج ترفيهية لهم".
ورغم ما تعرضت له حملة " خلوها أجمل" من صعوبات، يوضح السعرتي أن الفريق ظلت لديه روح المثابرة لتستمر كافة المشاريع من بناء ومساعدات إنسانية.
واختتم حديثه إلى موقع "سكاي نيوز عربية" بالقول: "الحملة لم تتراجع في أي لحظة عن أهدافها، بل تدخل مرحلة جديدة بالتسجيل كمنظمة غير حكومية قادرة على الاستمرار في إعمار الموصل، وتوسيع أعمالها في باقي المدن العراقية المتضررة".