غضب الإخوان والاقتصاد.. "صداع" يؤرق حكومة الجزائر الجديدة
08:32 - 02 يوليو 2021تنتظر الحكومة الجزائرية الجديدة التي يترأسها أيمن بن عبد الرحمن تحديدات ثقيلة، لا سيما الأزمة الاقتصادية التي استفحلت مع كورونا، إضافة إلى الغضب الإخواني من فشل حركة "مجتمع السلم" الموالية للتنظيم في الانتخابات البرلمانية.
وكان الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، كلّف قبل يومين، وزير المالية السابق أيمن بن عبد الرحمن، بتشكيل الحكومة خلفا لرئيس الوزراء السابق عبد العزيز جراد الذي استقال عقب إعلان النتائج النهائية للانتخابات التشريعية التي جرت 12 يونيو الماضي.
وكما كان متوقعا فقد استقر تبون في اختياره لرئيس الحكومة على شخصية ذات وزن اقتصادي لها خليفة في التسيير، وبعيدة عن التوازنات الحزبية التي أفرزها صندوق الانتخابات.
وتواجه الجزائر أزمة اقتصادية واجتماعية عميقة، لم تتمكن حكومة عبد العزيز جراد التي تشكلت في أواخر عام 2019، من تجاوزها، على الرغم من احتلال الجزائر المركز الرابع كأكبر اقتصاد في إفريقيا.
ويعتمد اقتصاد الجزائر بشكل كبير على عائدات النفط، كما بلغت نسبة البطالة في وفقا لإحصائيات البنك الدولي أكثر من 12 بالمئة.
لماذا بن عبد الرحمن؟
وتعليقا على هذا يقول محمد مصطفى عبد الرؤوف، مدير مكتب وكالة أنباء الشرق الأوسط في الجزائر ، في حديث لموقع"سكاي نيوز عربية" إن اختيار أيمن بن عبد الرحمن لمنصب الوزير الأول (رئيس الوزراء) يعكس اهتمام القيادة السياسية في الفترة المقبلة بالملفات الاقتصادية، التي تأثرت بشدة بسبب أزمة كورونا، حيث أثرت على أسعار النفط مما أضر بالاقتصاد بشكل كبير.
ويضيف عبد الرؤوف، أن بن عبد الرحمن صاحب الـ 55 عاما يعد أحد الخبراء الاقتصاديين البارزين في الجزائر، وسبق أن شغل منصب محافظ بنك الجزائر المركزي، كما عمل وزيرا للمالية في أول حكومة عينها الرئيس تبون في يناير 2020.
ويعرف رئيس الحكومة الجديد بأنه "تكنوقراطي غير منتمي لأي حزب، وحاصل على درجة الماجستير في العلوم الاقتصادية والمالية، وأبرز المهام التي أسندت له هي "رقمنة قطاعي الجمارك والضرائب، وإعداد مخطط للتعامل مع التداعيات الناجمة عن جائحة كورونا"، وفق عبر الرؤوف.
وأضاف أن بن عبد الرحمن يواجه تحديات تبدأ بتشكيل الحكومة من الأحزاب الفائزة بمقاعد المجلس الشعبي الوطني (الغرفة السفلى بالبرلمان) وما ينجم عن ذلك من اختلافات حول الحقائب الوزارية، وإجراء إصلاحات اقتصادية واسعة لمعالجة الآثار السلبية لكورونا، إضافة إلى تهدئة الحراك الشعبي الذي مازال يتظاهر يوم الجمعة من كل أسبوع للمطالبة بتغيير النظام بالكامل.
"حلول صعبة وعاجلة"
غير أنه رأى أن التحدي الأكبر في الملف الاقتصادي، بسبب انخفاض احتياطي النقد الأجنبي إلى نحو 42 مليار دولار بعد أن كان 72.6 مليار دولار في 2019، وهو ما قد يفرض إجراءات عاجلة كتعويم الدينار الجزائري في ظل التضخم الناجم عن وجود سوق موازية للعملة، ورفع الدعم عن المحروقات وبعض السلع الأساسية وإصلاح النظام البنكي، وتخفيف القيود المفروضة على الاستثمار الأجنبي في الجزائر.
ومن أبرز القوانين التي عمل الوزير الأول الجديد على صياغتها عندما كان وزيرا للمالية، قانون الإصلاح الجبائي وقانون إصلاح النظام المالي وقانون تنظيم السوق الموازية، وإصلاح النظام المصرفي وهذه الملفات الأربعة هي التي ساهمت في إقناع تبون بضرورة تعيينه رئيسا للوزراء لمواصلة برنامجه الإصلاحي.
ذراع "إخواني" يقاطع تشكيل الحكومة
الملف الذي لا يقل توترا عن الملف الاقتصادي ربما في الفترة المقبلة هو موقف الأحزاب التابعة أو المحسوبة على تنظيم الإخوان من الحكومة، وسط قلق من أن تتخذ موقفا يعطلها أدائها.
وجاء ذلك بعد أن أعلن رئيس حركة مجتمع السلم، الذراع السياسية للتنظيم، عبد الرازق مقري، الأربعاء، أن حركته لن تكون جزءا من الحكومة الجديدة.
وكان إعلان مقري مفاجئا تماما، كما كان إعلانه عن يقينه بتصدر حزبه لنتائج الانتخابات وفوزه بالمركز الأول مفاجئا؛ لأن هذا الإعلان جاء قبل إجراء الانتخابات.
ففي 7 يونيو الماضي، أي قبل 5 أيام من الانتخابات، صرح مقري بأن "المؤشرات الأولية تؤكد أن الحركة في الموقع التنافسي الأول بهذه الانتخابات".
إلا أنه بعد ظهور نتيجة الانتخابات، وحلول الحركة في المركز الثالث، وليس الأول، أعلنت على لسان المقري في مؤتمر صحفي، الأربعاء، عدم المشاركة في الحكومة، مبررا ذلك بأن "التزوير الانتخابي لبعض القوى السياسية والتزوير الممنهج الذي قادته بقايا العصابة منعنا من الوصول إلى الأغلبية".
وفي بيان أصدرته الحركة يوم 24 يونيو عقب إعلان النتائج النهائية، قالت إن الانتخابات شهدت "التزوير الممنهج" الذي منعها من تحقيق "الصدارة".
وحصلت الحركة على 65 مقعدا بالبرلمان، لتأتي في المركز الثالث بعد حزب "جبهة التحرير الوطني" الذي فاز بـ98 مقعدا، والقوائم المستقلة التي حصلت على 84 مقعدا بالمجلس التشريعي المؤلف من 407 مقاعد.
الابتزاز بالتهديدات
وكعادة الحركات الإخوانية حين استشعارها الفشل في الاستحواذ على الانتخابات، لوَّح المقري بتهديدات، ففي بيان أصدره يوم 13 يونيو، بعد يوم من انطلاق التصويت، زعم أولا أن حركته "تصدرت النتائج في أغلب الولايات وفي الجالية"، ثم أعقبها بتحذير للدولة من أن تنتهي الانتخابات على خلاف ما أعلن قائلا: "غير أننا ننبه بأنه ثمة محاولات واسعة لتغيير النتائج وفق السلوكيات السابقة، ستكون عواقبها سيئة على البلاد ومستقبل العملية السياسية والانتخابية".
وحركة "مجتمع السلم" أسسها محفوظ نحناح سنة 1990 ، وشاركت في عدة برلمانات ووزارات، وهي الآن واحدة من ثلاث أذرع إخوانية في الجزائر، والأخريين هما جبهة العدالة والتنمية وحركة البناء الوطني.
مأزق جديد
وإذا ما تلاقى الغضب الإخواني من عدم تصدرهم للانتخابات، مع المظاهرات التي تخرج تطالب بالتغيير في أيام الجمعة، يحذر مراقبون من أن هذا قد يذهب بالبلاد إلى مأزق جديد.
غير أن الرئيس الجزائري يبدو واثقا من عدم وقوع الجزائر في دوامة عنف الإسلاميين مرة أخرى الذي عانت منه في التسعينات.
وقال في تصريحات لمجلة "لو بوان" الفرنسية في أوائل يونيو الماضي، قبل الانتخابات، إن "أيديولوجية الإسلام السياسي التي سعت للاستيلاء على الحكم في التسعينيات لن يكون لها أي وجود في الجزائر".
وفي الوقت نفسه، أبدى عدم معارضته لوجود جماعات إسلامية إن لم تمارس العنف، غير أنه كذلك لوَّح بأن الفيصل هو التزامها بقوانين الدولة.
وقال: "هذا النموذج من الإسلام السياسي لا يزعجني لأنه لا يعلو فوق قوانين الجمهورية التي ستطبق بحذافيرها".