"سُقيا".. مبادرة شبابية لحفر الآبار في قرى المغرب النائية
21:22 - 22 يونيو 2021أمام أعين تنتظر الفرج وأفئدة ملؤها الأمل في خروج ماء نقي تروي ظمأها، تعمل آلة الحفر الضخمة على إحداث ثقب عميق في الأرض القاحلة باحثة عن أولى القطرات التي ستسقي سكان قرى المغرب، وتخرج مزروعاتهم من كربتها.
نحن في قرية قطارة في ضواحي مدينة مراكش جنوبي المغرب، أمام ماكينة حفر عملاقة، حيث يشرف مؤسس ورئيس مؤسسة "سُقيا" محمد خليل الإدريسي (30 سنة) بنفسه على التنقيب عن الماء.
يرافقه في هذه المهمة شباب آخرون من نفس المؤسسة، التي تجوب المغرب لتمكين المناطق النائية من الحصول على مياه نقية صالحة للشرب.
24 بئرا في ستة أشهر
منذ تأسيسها بداية العام الجاري، حفرت مؤسسة "سُقيا" 24 بئرا في أقل من 6 أشهر.
ويؤكد الإدريسي في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية": "جاءتني فكرة إطلاق هذه المبادرة من خلال الزيارات التي كنت أقوم بها لمناطق نائية في إطار عملي لصالح الحكومة. صادفت قرى تعاني شح المياه وضعف الإمكانات. فتبادرت إلى ذهني فكرة الانطلاق في هذا المجال وتقديم يد المساعدة للناس الذين يحتاجونها".
وأضاف: "نشتغل مع جمعيات محلية وسلطات المناطق التي سيتم التنقل صوبها لحفر الآبار. كما يتم التنسيق أيضا مع تقنيين في المجال ومهندسين مختصين قبل اختيار مناطق الحفر، حتى يتسنى لنا تحديد الأماكن بدقة ودراستها جيولوجيا ومعرفة تفاصيل مهمة حول تربتها ومدى توفر الماء فيها".
وبعد الحصول على التراخيص اللازمة، تتواصل المؤسسة مع شركة الحفر ليتم تحديد موعد للانطلاق في مغامرة جديدة بحثا عن الماء في إحدى القرى المعزولة.
وتتراوح التكلفة الإجمالية لحفر البئر الواحدة ما بين 60 إلى 80 ألف درهم، (6 آلاف إلى 8 آلاف دولار).
فلكلور وأهازيج
عيون سكان القرية تراقب بلهفة ممزوجة بالدهشة عملية الحفر، فمعظم الدواوير التي زارها فريق مؤسسة "سُقيا" بعيدة ومعزولة، لا يعرف سكانها إلى المدينة سبيلا إلا لحاجة ملحة أو غرض إداري أو وعكة صحية مفاجئة تجبرهم على الخروج من بلدتهم الصغيرة لمواجهة هرج المدينة وصخبها المرعب.
قدوم الإدريسي ورفقائه ومعهم "وحش" من حديد لاستخراج الماء يثير فضول الجميع، ويستأثر باهتمام الصغير والكبير. الكل يترقب مخاض هذه الآلة التي ستلد ماء عذبا، ينهي ضنكهم ورحلاتهم الطويلة للبحث عن سائل لا كَدر فيه ولا عَلق يشوبه.
ومن بين المتفرجين على هذا المشهد نساء قرويات أتين لإكرام الضيوف، حاملات ما لذ وطاب من المأكولات والحلويات، ولا تخفى على أحد رمزية "قالب السكر" المعروف والورود التي تحملها فتيات في سن الزهور، تيمنا بها واحتفاء بما ستجود به الأرض.
بعد ساعات من الحفر، تقذف الأرض بركاتها، فيرتفع الماء ليلامس السماء. وعوض الفرار منه خشية تبليل ثيابهم، يرتمي الأطفال في أحضان البِرك التي خرجت لتوها من باطن الأرض، وتطلق النساء الزغاريد ويهرع الرجال إلى تبادل العناق، فيما يبدأ آخرون في الضرب على البنادير و"الطعارج" وهي أنواع من الطبول المغربية، ترحيبا بالماء، في أجواء تشبه حفل زواج.
تزويد السكان بالماء
ويقول الإدريسي في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية": "مهمتنا لا تنتهي عند حفر البئر وتدفق الماء، بل نعمل بعدها على توصيل الماء إلى بيوت سكان القرية. ويتم ذلك عن طريق وضع صهاريج ومضخات تتصل بها قنوات توصل الماء إلى البيوت".
واسترسل: "هدفنا تحقيق مشروع مائي متكامل لسكان البوادي. نحن نعمل على مدهم بالماء في بيوتهم لنخلصهم من عناء المشي لساعات لإحضار الماء. الغاية أن يفتح هؤلاء السكان الصنبور وينزل الماء من دون عناء".
وبسبب وعورة التضاريس في بعض المناطق، قد تصل كلفة إيصال المياه إلى البيوت إلى حوالي 20 ألف دولار.
وكانت آخر القرى التي زارها فريق مؤسسة "سُقيا" دوار قطارة ودوار سكورة ودوار تفركيوين، حيث تم حفر 3 آبار في يوم واحد.
ولفت الإدريسي إلى أن عملية الحفر تستمر أحيانا ساعات طويلة، وأحيانا تستمر من دون توقف إلى أولى ساعات الصباح، لكن المتحدث يضيف: "لا شيء يضاهي ابتسامة الشيوخ والنساء والأطفال عندما يخرج هذا الذهب من الأرض، لينهي مأساة يومية يعيشها سكان القرى".
مؤثرون للتحسيس بأهمية الماء
تسعى "سُقيا" إلى إشراك عدد أكبر من الفاعلين في نشاطها الخيري، عن طريق التحسيس بأعمالها وتوثيقها، لتشجيع شبان آخرين على التحرك ومد يد المساعدة.
وتقوم المؤسسة باصطحاب مؤثرين ومشاهير إلى الدواوير لتصوير أشرطة لحفر الآبار، ونشرها على صفحاتهم بمواقع التواصل الاجتماعي، لجلب أكبر عدد من المهتمين وطرح إشكالية الماء وتوعية عموم الناشطين على شبكات التواصل بأهمية الماء والمبادرات الخيرية.
وترمي مؤسسة "سُقيا" من خلال مبادراتها إلى ترسيخ ثقافة العطاء والتضامن، وتشجيع باقي الجمعيات والفاعلين المدنيين على مثل هذه الأعمال التطوعية.
وتعتبر إدارة المؤسسة أن حفر الآبار وتوصيل الماء إلى البيوت الفقيرة من بين أعظم الأعمال التطوعية، التي تغير حياة آلاف السكان بالمناطق النائية، وتخفف عنهم عناء السفر بحثا عن قطرات ماء.