مصر تقود جهود إطلاق مسار سياسي جاد للقضية الفلسطينية
09:56 - 01 يونيو 2021تحركات مصرية متواصلة في ملف القضية الفلسطينية، تؤسس لإطلاق مسار سياسي جاد، استثمارا لما تحظى به مصر من ثقة ونفوذ بالمجتمع الدولي، يؤهلها للبناء على الدور الذي قامت به في التوصل للهدنة الأخيرة بين إسرائيل والفلسطينيين.
وتحظى التحركات المصرية بداية من العمل على تثبيت الهدنة ووصولا لإحياء مفاوضات السلام على أساس حل الدولتين، مرورا بمهام عريضة تعمل عليها القاهرة، من بينها الجهود الإغاثية وملف إعادة الإعمار وتبادل الأسرى، وحتى ملف المصالحة الفلسطينية، بتأييد واسع من الجانب الفلسطيني بشكل خاص، لما تتمتع به القاهرة من صلات قوية مع مختلف الأطراف الفاعلة في الملف.
وتتوزع الجهود المصرية ما بين جهود أمنية وسياسية ودبلوماسية وإنسانية، تتضافر فيها الأجهزة المعنية بالدولة، لاسيما جهاز المخابرات العامة بقيادة اللواء عباس كامل.
وبموازاة ذلك تعمل القاهرة على "إنجاز المصالحة الفلسطينية في أقرب وقت"، على اعتبار أن وجود استراتيجية فلسطينية موحدة يدعم الموقف الفلسطيني في أي مسار سياسي.
وشدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الاثنين، على أن بلاده "تدعم الشعب الفلسطيني وقادته"، مؤكدا على ضرورة توحيد الجبهة الداخلية الفلسطينية تحت مظلة منظمة التحرير.
المسار السياسي
يقول السياسي الفلسطيني، المستشار في العلاقات الدولية أسامة شعث، إن "التحركات المصرية الأخيرة فيما يتصل بالقضية الفلسطينية هي تحركات مهمة ومحمودة وبناءة"، مشيرا إلى أن "الشعب الفلسطيني بكل فئاته يشعر بالاطمئنان والثقة في مصر وفي دورها القومي العروبي لحماية أشقائها أبناء الشعب الفلسطيني من العدوان والقصف ولوقف الإجراءات التهويدية لمدينة القدس من اعتداءات واقتحامات للمسجد الأقصى ومحاولات هدم في الشيخ جراح وبطن الهوى وسلوان وغيرهم".
ويردف شعث في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية" من القاهرة، قائلا: "مصر تحركت ومازالت تبذل جهودا مضنية في الملفات والمسارات كافة وبشكل متواز ومتواصل، من أجل إيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية".
أول هذه الملفات هو الملف والمسار الأمني، والذي تضطلع به المخابرات العامة المصرية، ويشمل وقف إطلاق النار وتثبيت التهدئة ومفاوضات تبادل الأسرى.
ويثمّن شعث دور مصر وقدرتها على تثبيت التهدئة كما فعلت ذلك مسبقا في مفاوضات الهدنة 2009 و2012 و2014 وقبل ذلك أيضا طيلة عقود من الصراع، فمازالت مصر تتولى عملية وقف إطلاق النار والتهدئة منذ توقيع اتفاق الهدنة الدائمة 1949.
ويتابع قائلا: "أما بخصوص مسألة تبادل الأسرى، فقد نجحت مصر قبل ذلك في إنجاز وعقد صفقة تبادل أسرى في 2012".
الملف الثاني الذي تتحرك فيه مصر هو تحقيق المصالحة الوطنية، والتي أصبحت ضرورة ملحة يتعين إنجازها بين القوى الفلسطينية المختلفة.
ويشير السياسي الفلسطيني إلى أن "مصر تولت ملف المصالحة في 2005 ونجحت أكثر من مرة بعقد اتفاقات مصالحة بين القوى الفلسطينية المنقسمة".
الملف الثالث يتعلق بالملف الإنساني، وتقوم به الوزارات المعنية المصرية بدورها، من إرسال المعونات الغذائية والطبية العاجلة، واستقبال المصابين.
وكذلك ونتيجة الخبرة المصرية في البناء والإعمار وتشييد البنية التحتية، ستتولى مصر إدارة عملية إعادة الإعمار في غزة، علما بأنها احتضنت قبل ذلك مؤتمر إعادة الإعمار في 2014.
ويلفت السياسي الفلسطيني في معرض حديثه مع موقع "سكاي نيوز عربية" إلى أن "الملف الأهم هو الملف السياسي، إذ تعمل الدبلوماسية المصرية ممثلة بوزارة الخارجية على إعادة إحياء عملية السلام ووضع حل سياسي شامل للقضية الفلسطينية، استنادا إلى قرارات الشرعية الدولية ومبدأ حل الدولتين"، موضحا أن "جهود القاهرة تحظى برضا وأمل فلسطيني وإسناد عربي وانفتاح دولي على هذه الجهود".
وتقود مصر منذ أيام جهودا حثيثة لتثبيت اتفاق وقف إطلاق بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية المسلحة، وضمان عدم تكرار التصعيد، الذي حدث قبل أيام قليلة.
والأحد، استقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، عباس كامل، حيث بحث الطرفان تعزيز التعاون الإسرائيلي المصري وقضايا إقليمية.
كما عقد كامل اجتماعا مع الفصائل الفلسطينية الاثنين، فيما زار وزير الخارجية الإسرائيلي غابي أشكنازي العاصمة المصرية القاهرة، في أول زيارة لوزير خارجية إسرائيلي لمصر منذ 13 عاما.
جولات مكوكية
وثمة تعويل فلسطيني واسع على الدور المصري والجولات "المكوكية" السياسية التي تقودها القاهرة، ولذلك فإن الرهان الكبير يقع على عاتق الجهود المصرية في وضع الأمور في نصابها، لإطلاق "مسار سياسي حقيقي وجاد"، بحسب ما يؤكده في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية" من القاهرة، القيادي بحركة فتح، وأستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، جهاد الحرازين.
ويشير الحرازين إلى الدعوة لعقد مؤتمر دولي للسلام مبني على أساس قرارات الشرعية الدولية ومبادة السلام العربية والقانون الدولي، لإنهاء الاحتلال ووقف أي اعتداءات جديدة خلال المراحلة المقبلة حتى تنعم المنطقة بأسرها بحالة من الهدوء والاستقرار.
ويقول الحرازين: "مازالت مصر تبذل جهودا كبيرة في هذا الاتجاه المتعلق بالقضية الفلسطينية، وذلك على المستويات كافة، سواء السياسية والإغاثية وملف إعادة الإعمار، وكذلك على صعيد العلاقة مع إسرائيل من أجل تهيئة الأجواء لإيجاد مسار سياسي، وهو الأمر الذي دأبت عليه القيادة المصرية، ولازالت تعمل عليه من خلال الزيارات والاتصالات المختلفة، بدء بزيارة وزير الخارجية إلى رام الله ثم تلى ذلك الوفود الأمنية المصرية التي تنقلت بين رام الله وغزة وتل أبيب، وحتى زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي للقاهرة وزيارة رئيس المخابرات المصرية لتل أبيب وقطاع غزة".
كل ذلك يمثل حالة من الحراك الكبير الذي تقوده مصر في هذا الاتجاه، نحو تحقيق معادلة جديدة وفقا لمجموعة من المسارات.
هذه المعادلة -وفق القيادي بحركة فتح- تستند بالأساس على المسار السياسي الذي ترى من خلاله مصر أن هناك فرصة الآن محققة في ظل حالة إجماع دولي وتغير المزاج الدولي باتجاه القضية الفلسطينية، وهذا الأمر يصب في مصلحة تحريك المياه الراكدة في عملية السلام، بالاشتراك مع مجموعة ميونخ، عبر رؤية لإطلاق عملية السلام وتحريك مسار المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية.
ويشير إلى الأدوار المصرية الموازية لدورها السياسي، بداية من الدور الإغاثي وعملية إعادة الإعمار، فضلاً عن سعي القاهرة من أجل توحيد الجهد الفلسطيني، من خلال العمل على وجود حكومة وحدة وطنية، عبر اتفاق مجموعة الفصائل الفلسطينية على رؤية واحدة باستراتيجية فلسطينية تستطيع مصر الترويج لها أمام العالم وإطلاق المسار السياسي، خاصة في ظل الدعوة لعقد مؤتمر دولي للسلام والتي أطلقها الرئيس محمود عباس.
ويتحدث عن رهان وصفه بـ "الكبير" من قبل المجتمع الدولي على الدور المصري الواسع في المنطقة، بعد عودة القاهرة لقيادة زمام الأمور ودورها الفاعل والقادر على تحريك الملف السياسي والتهدئة طويلة الأمد، مردفا: "أعتقد بأن مصر ستحظى بنجاح كبير في هذا الملف لما تتمتع به من ثقل سياسي ومكانة كبيرة لدى الفلسطينيين والإسرائيليين والمجتمع الدولي، والدول العربية التي تعتبر سندا للشعب الفلسطيني".