تهجير وتغيير ديموغرافي جراء قصف تركيا على كردستان العراق
13:10 - 24 مايو 2021لقرابة ساعة كاملة، تجولت "سكاي نيوز عربية" في أنحاء قرية جيلكا الحدودية، التابعة لبلدة باتيفى في محافظة دهوك في إقليم كردستان العراق، ورصدت آثار التدمير والحرائق التي خلفتها عمليات القصف التركية على كامل المنطقة المُحيطة بها.
عشرات القُرى الحدودية التابعة لناحية باتيفى الشمالية، تتعرض لعمليات القصف بمختلف أنواع الطائرات التركية، حيث يشن الجيش التركي مُنذ أكثر من شهر هجمات مُركزة ضد مقاتلي حزب العُمال الكُردستاني المتحصنين في المناطق العصية في "جبال متينا" الحدودية، بين تركيا وإقليم كردستان العراق.
متى العودة إلى العراق؟
العم جرجيس، الآشوري العراقي البالغ من العُمر حوالي 80 عاماً، نازح الآن من قريته إلى بلدة زاخو القريبة.
يقول العم جرجيس في حديث مع "سكاي نيوز عربية": "شهدت خلال حياتي مختلف الأحداث العسكرية التي جرت في العراق منذ العهد الملكي، بما في ذلك سنوات الصراع الطويلة بين الأحزاب القومية الكردية والحكومة المركزية العراقية، وحتى الحرب الإيرانية العراقية، لكنني لم أشهد عنفاً ضارياً مثل عمليات القصف التركية لمنطقتنا، وما تتلوها أحياناً من معارك بين الجيش التركي ومُقاتلي حزب العُمال الكردستاني. أؤكد أن الجبال تهتز أثناء سقوط الصواريخ، التي تخلفها عادة حرائق يُستحيل إطفاؤها".
وتشبه حالة العم جرجيس أحوال سُكان أكثر من ثلاثين قرية حدودية في تلك المنطقة، يعيش فيها خليط من السكان الأكراد والسريان والآشوريين، الذين نزحوا بأغلبيتهم نحو البلدات الأكثر أماناً جنوب تلك المنطقة، باتيفا زاخو ودهوك. حيث تسعى المؤسسات الحكومية والجمعيات الأهلية لتأمين سكن مؤقت لهم في تلك المناطق.
طانيوس بطة، شريك العم جريس في المسكن، يروي لـ"سكاي نيوز عربية" سيرة نزوح عائلته من المعارك العسكرية التركية طوال قرن كامل: "هُجر جدي قبل أكثر من قرن من قرية سريجكى في جبال هكاري التي تقع داخل تركيا راهناً، بعد المعارك التي كان يقودها الجيش التركي ضد الآشوريين. استقر جدي وأولاده بالقرب من بُحيرة أورمية التي تقع ضمن إيران راهناً، لكن الهجمات التركية أثناء الحرب العالمية دفعتهم للهجرة مجدداً إلى العراق للدخول في حماية بريطانيا. لكن العمليات العسكرية ضدهم في منطقة سيميل دفعتهم بعد ثلاثين عاماً للجوء إلى القرى الحدودية هذه، التي هُجرنا منها مجدداً الآن، ولا نعرف إلى أن نفر".
عملية المخلب
وينفذ الجيش التركي حملة عسكرية موسعة في تلك المنطقة، تحت مُسمى "المخلب"، منذ أواسط شهر أبريل " الفائت. وهي العملية العسكرية الثالثة للجيش التركي من أوائل العام.
العملية العسكرية التركية الراهنة التي يشارك فيها قرابة خمسة آلاف جندي من قطاعات الكوماندوز المختصة في المعارك الجبلية، يسندها غطاء جوي كثيف، بالذات من الطائرات الحربية المُسيرة، التي تكاد ألا تغيب عن أجواء المعارك، لمنع مقاتلي حزب العمال الكُردستاني من التحرك وإعادة التموضع أثناء الليل.
وتقول البيانات الرسمية التركية إن عمليتها العسكرية تستهدف القضاء على معسكرات حزب العُمال الكُردستاني في منطقتي "آفا شين" و"خواكورك" الجبليتين. لتكون خطوة أولى لتثبيت النقاط العسكرية والتمدد لاحقاً نحو معسكرات الحزب الرئيسية في جبال قنديل.
واستبعد الباحث سركال كروان أوغلو في حديثه مع "سكاي نيوز" إمكانية تحقيق الحملة التركية لأهدافها المُعلنة بسهولة، مُعللاً: "مُنذ قرابة ثلاثة أعوام، أي مع دخول الطائرات المُسيرة ميدان الحرب بشكل مُكثف، أعاد مُقاتلو حزب العُمال الكُردستاني تكتيكاتهم، فصاروا يتنقلون كمجموعات أقل عداداً، ويتبادلون التواصل عبر أدوات أكثر تشفيراً، لذلك فإن التفكير العسكري بالسيطرة على المعسكرات والقواعد يكاد ألا يعني شيئاً".
ويكمل كروان أوغلو حديثه مع "سكاي نيوز": لأجل ذلك، وحتى لا يُعلن الجيش التركي إيقاف عمليته العسكرية الراهنة بشكل مفاجئ ودون نتائج، مثلما فعل قبل شهور قليلة، فإنه يستهدف إيقاع أكبر حجم ممكن الأضرار بكامل المنطقة المُستهدفة. ليخلق من طرف أزمة إنسانية يُحملها لحزب العمال الكُردستاني، بما في ذلك ردود القواعد الاجتماعية في تلك القُرى الحدودية. كذلك يستهدف ترهيب السُكان المحليين، الذين يشك في علاقتهم مع مُقاتلي الكُردستاني".
وتشكل العشرات من القرى في المنطقة الحدودية واحة استثنائية للتعايش القومي والديني بين مُختلف أبناء الهويات العراقية، كذلك تُعتبر مصدراً رئيسياً لأجود أنواع المواد الغذائية الطبيعية، فما يزال الرعي والبستنة الخالية من الأسمدة وبناء المناحل التي تُنتج أفضل أنواع العسل على مستوى العالم، يسبب بقاء تلك المنطقة بمثابة محمية طبيعية.
في حديثه مع "سكاي نيوز عربية" يقلل نينوس من إمكانية العودة السريعة إلى قريتهم التي نزحوا منها.
نينوس الذي هو أكبر أبناء العم جرجيس يقول إن المجريات لا تبشر بوجود أي أفق: "نحنُ مزارعون ورعاة، لا نستطيع أن نتخلى عن بساتيننا ومواشينا أبداً، ولو لأسبوع واحد في السنة. فلهذا الأسبوع أن يقضي على جهدنا الذي راكمناه لسنوات كثيرة. فعائلتنا تملك أكثر من سبعياً هكتاراً من البساتين التي تحتاج إلى سقاية واهتمام يومي. كذلك مواشينا التي تتجاوز المائة، فهي دون رعاية منذ أكثر من عشرة أيام، وربما ماتت من الجوع والعطش في البيوت التي أقفلنا أبوابها. حتى لو عدنا بعد أيام، فمن يعرف، ربما تتجدد المعارك بعد شهرين أو ثلاثة من جديد".