أمازيغ وهجرة وصراع متواصل.. هكذا تدق سبتة ناقوس الخطر!
15:22 - 21 مايو 2021ما تزال مدينة سبتة المغربية، الخاضعة للسلطات الإسبانية، والقريبة من مدينة طنجة شمالي المغرب، تعيش على وقع تدفق آلاف المهاجرين غير القانونيين خلال اليومين الماضيين، فيما بدأ الهدوء يسود محيط سياجاتها الحدودية، بعدما تعززت حراساتها من الجانبين الإسباني والمغربي، بآلاف العناصر الأمنية.
والمدينة المتوسطية، التي يحيط بها البحر من جهاتها الثلاث، شمالا وشرقا وغربا، فيما تتصل جنوبا بالنفوذ الترابي لجهة طنجة تطوان الحسيمة، تبلغ مساحتها قرابة 20 كلمترا مربعا، وتبلغ ساكنتها نحو 83 ألف نسمة، في أغلبهم مسلمون، إلى جانب أقلية يهودية، إضافة إلى سكان مسيحيين، وأقليات هندوسية، وفدت على المدينة خلال القرون الماضية، الأمر الذي يعتبره المتخصصون "تغييرا مُمنهجا للواقع الديمغرافي للمدينة من طرف الإسبان".
واحتلت إسبانيا مدينة سبتة منذ عام 1668، بعدما كانت قد تعرضت للاحتلال البرتغالي في العام 1415، وذلك في سياق ضم إسبانيا لمملكة البرتغال بكاملها، العام 1580، ثم إطلاق الفاتيكان لدعوته القاضية باحتلال السواحل المتوسطية للمغرب، عقب سقوط الأندلس، عام 1491.
وفيما حاول المغاربة استعادتها منذ القرنين السادس عشر والثامن عشر الميلاديين، توطد الاحتلال الإسباني لها، مع مجيء القارن الثامن عشر، حينما فرضت الحماية الإسبانية على شمال المغرب بأكمله.
ويُطالب المغرب منذ فك ارتباطه بالحماية الإسبانية، بمدينة سبتة، وباقي ثغوره المحتلة، عبر التفاوض، بالرغم من إصرار إسبانيا على فرض الأمر الواقع، بمنحها مدينة سبتة حكما ذاتيا تحت سيادتها عام 1995، فيما يتمسك المغرب بأطروحته التي تبناها منذ العام 1956، التي تقوم على مواصلة الكفاح من أجل استكمال الوحدة الترابية للمملكة.
وقوبلت زيارة الملك الإسباني السابق خوان كارلوس عام 2007 إلى المدينة، باستنكار مغربي رسمي وشعبي، حيث شكلت الزيارة إشارة سياسية لتمسك مدريد بسيادتها على المدينة.
أمازيغ محافظون على الروابط
حسن السليماني، (اسم مستعار)، البالغ من العمر 52 عاما، ابن مدينة سبتة أبا عن جد، مايزال محتفظا بلغته الأمازيغية الريفية، التي يتحدث بها معظم سكان الشمال والشمال الشرقي في المغرب، إضافة إلى إجادته التامة للغة الإسبانية، وكذلك الحديث بالدارجة المغربية، ولو بصعوبة بالغة.
ويقول حسن، الذي يدير موقعا إلكترونيا في المدينة، إن "الحادثة التي شهدتها سبتة خلال الأيام الماضية، وبقدر فظاعتها من الناحية الإنسانية، إلا أنها أعادتني إلى موطن الأجداد بقوة، فعشرات الاتصالات الهاتفية من الصحفيين الذين يريدون معرفة ما حدث، أحيت لساني المغربي، وأكدت لي أنني أنتمي إلى هناك".
وأضاف، بنبرة ملؤها الفرح، في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، متحدثا عن ارتباط سكان سبتة بالمغرب، "إن الإنسان يستحيل أن يخرج من روابطه الاجتماعية والإنسانية والثقافية، ولو جرت عليه الكثير من عوامل التنشئة القانونية والسياسية".
من جهته، علق الباحث الثقافي والأديب المغربي، أحمد زاهد، على الروابط الإنسانية بين سكان سبتة ومليلية، بالقول إن "سكان المدينتين مازالوا يتحدثون اللغة الأمازيغية الريفية بطلاقة تامة، ومازالوا يحافظون على كل عادات أمازيغ شمال المغرب، كما ماتزال لديهم جميعهم روابطهم العائلية والاجتماعية التي يحافظون عليها، إضافة إلى حفاظهم على كل تقاليد الأعياد وصلوات الجمعة وغيرها".
وأكد زاهد، في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "الفترة التي سبقت إغلاق السلطات الإسبانية لبوابتي المدينتين، في وجه سكان مدينتي الناظور وتطوان والضواحي الرقيبة منهما، كانت تشير إلى مختلف معالم الروابط الاجتماعية التي لم تمْحُها قرون طويلة من الاستعمار الإسباني، والمرافقة لمختلف السياسات الرامية لإحداث تغيير في الوقائع الديمغرافية والثقافية".
مشكل الهجرة.. من المسؤول؟
من جانبه، أكد الباحث المختص في شؤون الهجرة عبر المتوسط، أحمد زايد، أن "ملف الهجرة يبقى أهم ملف من الملفات التي تجمع بين المغرب ودول الاتحاد الأوروبي، بما فيها إسبانيا"، مؤكدا أن "تلك الدول تنظر إلى التعاون المغربي بمنظور تجزيئي لتلك الملفات، خصوصا ملفات الهجرة والتعاون الاقتصادي والأمني، والوحدة الترابية المغربية".
وأضاف، في حديث لموقع "سكاي نيو عربية"، أن "المغرب لديه نظرة شاملة تربط كل تلك الملفات ببعضها البعض"، معتبرا أن "واقعة تسلل آلاف المهاجرين إلى سبتة يأتي في ظل تدهور العلاقات المغربية الإسبانية".
ونبه إلى أنه "لا يمكن إغفال التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية على مجتمع الهجرة، بعد إغلاق مداخل ومخارج المدينتين، بسبب تداعيات فيروس كورونا"، مشيرا إلى أن "المدينتين كانتا متنفسا لمحيطهما"، داعيا إلى "التفكير في حلول جماعية لإرجاع الأمور إلى سابق عهدها، والتخفيف من الأزمات الناشئة".