المغرب وألمانيا.. واقع دولي جديد يُخرج الأزمة من دائرة الصمت
00:29 - 07 مايو 2021أعلن المغرب، يوم الخميس، استدعاء سفيرته لدى ألمانيا من أجل التشاور، على خلفية ما وصفها بـ"مواقف عدائية" متراكمة من برلين، في "انتهاك" لمصالح المملكة.
وقال بيان صادر عن الخارجية المغربية إن برلين اتخذت "موقفا سلبيا بشأن قضية الصحراء المغربية"، مسجلا أن هذا "الموقف العدائي" قد جاء في "أعقاب الإعلان الرئاسي الأميركي، الذي اعترف بسيادة المغرب على صحرائه".
وبحسب البيان، فإن سلطات ألمانيا تشارك في "مقاضاة أحد المدانين السابقين بارتكاب أعمال إرهابية" فكشفت عن معلومات حساسة قدمها الجانب المغربي".
واتهم المغرب ألمانيا بـ"محاربة مستمرة، ولا هوادة فيها للدور الإقليمي الذي يلعبه المغرب، وتحديدا دور المغرب في الملف الليبي".
ديبلوماسية مغربية "راقية"
وفي تعليقه على تطورات العلاقات الدبلوماسية المغربية الألمانية، قال الباحث الاستراتيجي، لحسن بوشمامة، إن "المغرب أبان لحد الآن على حنكة دبلوماسية عالية، لأن الطريقة التي أدار بها الأزمة الصامتة بينه وبين ألمانيا تظهر حرصه الشديد على أن يعيد العلاقات إلى جادة الصواب، كما تكشف في الوقت نفسه عدم تساهله المطلق مع أي مساعي للإضرار بمصالحه العليا".
وأضاف بوشمامة، في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية" أن "من يلاحظ كيف بدأ الأمر، سيكتشف أن المغرب قد اختار حالة من الكمون لمدة طويلة، منذ أن تم استبعاده من حضور مؤتمر برلين حول ليبيا، رغم دوره الحاسم والمركزي في المصالحة الليبية، ثم"تحرشات ألمانيا بالموقف الأميركي الذي ذهب حد الاعتراف الرسمي بالسيادة المغربية على الصحراء".
وأوضح "لا شك الآن أن الأمور قد زادت عن حدها بالنسبة للمملكة، ولا شك أن لدى قيادة البلد من المعلومات ما يكفي لتبرير قرار من هذا القبيل، لأن المغرب ليس زاهدا في العلاقات الودية مع الأمم والشعوب، لكنه بالقدر نفسه ليس زاهدا في مصالحه الاستراتيجية وحقوق شعبه".
وكانت الحكومة الألمانية قد استدعت السفيرة المغربية لديها، بداية مارس الماضي، من أجل مشاورات وصفتها بـ"العاجلة"، وذلك عقب رسالة مسربة كان قد بعثها وزير الخارجية المغربي إلى رئيس الحكومة المغربية، بشأن تعليق التعاون مع السفارة الألمانية في الرباط، وكافة أنشطة المنظمات الألمانية في البلاد.
وتعود فصول الأزمة التي توصف بـ"الصامتة"، بين المغرب وألمانيا، بحسب مراقبين، إلى ما يعتبره البعض اصطفافا لألمانيا إلى جانب خصوم الوحدة الترابية المغربية، خصوصا وأن البلد الأوروبي قد استثنى في وقت سابق المغرب من حضور مؤتمر برلين حول ليبيا.
وكانت ألمانيا قد دعت إلى اجتماع لمجلس الأمن الدولي لبحث الاعتراف الأميركي بالسيادة المغربية على الصحراء، في ديسمبر الماضي، تزامنا مع رسالة كيلي كرافت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة حينها، إلى الأمين العام للمنظمة الدولية أنطونيو غوتيريس، حيث تضمنت الرسالة نسخة من إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذي يعترف "بأن كامل أراضي الصحراء هي جزء من المملكة المغربية".
التعاون الأمني
وفيما أشار بيان الخارجية المغربية بخصوص استدعاء السفيرة المغربية في برلين، إلى أن ألمانيا تشارك في مقاضاة أحد المدانين السابقين بارتكاب أعمال إرهابية، بما في ذلك كشفها عن المعلومات الحساسة التي قدمتها أجهزة الأمن المغربية إلى نظيرتها الألمانية، فإن الأمن المغربي كان قد نبه نظيره الألماني مرتين، الأولى في سبتمبر، والثانية في أكتوبر 2016، وذلك بخصوص تنفيذ عملية إرهابية سينفذها التونسي أنيس عامري، وفقا للصحيفة اليومية الألمانية "دي فيلت".
ويقول الباحث في قضايا الإرهاب والحركات المتشددة، محمد الروين، في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية" إن "ألمانيا وبدل أن توطد علاقاتها مع المغرب، وتستفيد من خبراته الأمنية في مكافحة الإرهاب، فإنها توفر بيئة مناسبة للإرهابي محمد حاجب كي يبث مقاطع الفيديو من داخلها على منصات التواصل الاجتماعي، والتي يحرض فيها على ارتكاب الأعمال الإرهابية ضد المغرب ومؤسساته ومواطنيه".
ونبه الروين إلى أن "الأمر يتعلق بشخص تتوفر فيه جميع عناصر الملف الإرهابي، من أفكاره التي يعبر عنها، إلى تحركاته وأسفاره بين بؤر التوتر، ثم سجله الجنائي، حيث كان قد قضى عقوبة سجنية مدتها عشر سنوات، على ذمة التورط في جرائم إرهابية".
ونفى الباحث المختص في قوانين الإرهاب بين المغرب وأوروبا، أن يكون حاجب قد تعرض لأي تعذيب في المغرب، مؤكدا أن "تلك مجرد مزاعم فارغة، لأن حاجب كان قد تمتع بجميع شروط المحاكمة العادلة، وبانسجام تام مع ما قتضيه حقوق الإنسان"، ومنبها إلى "خطورة استمرار ألمانيا في دعم شخص مثله بدل توطيد التعاون الأمني مع المملكة".
تحالف دولي وإقليمي مزعج
من جانبه، قال الباحث المهتم بشؤون غرب إفريقيا، أحمد صلحي، في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية" إن "قراءة سلوك المغرب الخارجي تجاه القوى الدولية، توحي بأنه بات يتصرف كرأس الرمح في تحالف دولي وإقليمي جديد"، مشددا على أن "هذا الواقع الجديد قد بدأت معالمه ترتسم عشية تحرير المغرب لمعبر الكركرات من عناصر البوليساريو، ثم تعاظم مع الاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية على الصحراء".
ونبه صلحي إلى أن "وزير الخارجية المغربي كان قد أكد أن المملكة لم تعد تقبل من الدول أن تبقي مواقفها من النزاع المفتعل حول الصحراء في الدائرة الرمادية"، مؤكدا على أن "التحالف الدولي والإقليمي الجديد لا يتسع للمناورات الصبيانية التي تقف وراءها عناصر معادية للوحدة الترابية المغربية، بهدف الإيقاع بين الرباط والدول الأوروبية".
وأردف صلحي موضحا أن "الطريقة التي تسائل بها المغرب كبريات دول العالم، وتضعها في موقع الصمت والحرج، تبين بجلاء أن النظام الإقليمي المتوسطي قبل الاعتراف الأميركي بالسيادة المغربية على الصحراء، ليس هو ذاك الذي بعده"، معتبرا أن "هذا الحزم المغربي إنما هو تأكيد على أن الاعتراف الأمريكي ثابت وذو آثار سياسية وقانونية عميقة".