مع اقتراب الانتخابات في المغرب.. جدل بشأن "الإحسان السياسي"
00:30 - 06 مايو 2021يعتبر شهر رمضان فرصة لنشر قيم البر والإحسان وتقديم المساعدات والهبات، فيما يمثل هذا الشهر أيضا حسب المتابعين للشأن السياسي، فرصة سانحة لسماسرة الانتخابات من أجل استمالة الأصوات الانتخابية، من خلف ستار العمل التضامني.
وعلى بعد أشهر قليلة من الانتخابات التشريعية في المغرب، طفا مجددا إلى السطح النقاش حول لجوء بعض الأحزاب السياسية لطرق ملتوية، من أجل استمالة أصوات الناخبين والتأثير على اختياراتهم.
وتوجه أصابع الاتهام إلى بعض الأحزاب السياسية أو الوجوه المستقلة ممن ترغب في الحصول على مقعد في البرلمان أو في أحد المجالس المحلية، بتسييس العمل الاجتماعي، من خلال استغلال العمل الخيري وتوظيفه لخدمة أغراض سياسية.
وكانت السلطات المغربية، قد منعت خلال آخر انتخابات تشريعية نظمت سنة 2016، النشاطات الخيرية التي تقوم بها جمعيات مدنية خلال شهر رمضان، في محاولة لمنع استغلال بعض الأحزاب السياسية لهذا الشهر الفضيل للترويج الانتخابي، في شكل حملات سابقة لأوانها.
"الإحسان السياسي"
وعبرت 3 أحزاب معارضة، هي "التقدم والاشتراكية"، و"الأصالة والمعاصرة"، و"الاستقلال"، عن رفضها لظاهرة توظيف العمل التضامني والخيري لمآرب سياسة.
كما شددت هذه الأحزاب في بيان مشترك، على أن "هذه الظاهرة غير القانونية التي تعتمد على الاستغلال غير المشروع للبيانات والمعطيات الشخصية للمواطنين، تستوجب تدخل السلطات المعنية من أجل ردع وإيقاف تلك الأحزاب"، مؤكدة رفضها لاستمالة أصوات الناخبين "بأشكال بئيسة استقبلها الرأي العام بكثير من السخط والاستهجان".
وقد تعرض حزب "التجمع الوطني للأحرار" المشارك في الائتلاف الحكومي، مؤخرا إلى موجة انتقادات من طرف أحزاب أخرى، اتهمته بتوظيف العمل الخيري خلال شهر رمضان في السياسة، عبر جمعية "جود" المحسوبة على الحزب.
من جانبها، طالبت فيدرالية اليسار الديمقراطي (تحالف سياسي لثلاثة أحزاب) الجهات المعنية، بفتح تحقيق في الموضوع من أجل وضع حد لهذه الممارسات، التي تتعارض مع كل القوانين.
ولوحت الفيدرالية في بيان لها، بخوض كل الأشكال الاحتجاجية "لفضح هذه الممارسات غير الأخلاقية، التي تهدد سلامة العملية الانتخابية" في المغرب.
تشويه المسار الانتخابي
واستنكرت الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، المنضوي في تحالف فيدرالية اليسار الديمقراطي، نبيلة منيب، ما وصفته بـ"الحملات الانتخابية السابقة لأوانها والاستغلال البشري للأوضاع الاجتماعية للفئات المعوزة داخل المجتمع، لخدمة أغراض سياسية".
وفي حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية"، دعت منيب إلى ضرورة تدخل السلطات لمحاربة مثل الممارسات غير المقبولة، باعتبار أن "تقليص الفوارق الاجتماعية وخلق فرص شغل وإرساء جهوية متضامنة، هو من اختصاص الدولة".
وقالت المتحدثة، إن بعض الأحزاب السياسية المشاركة في الائتلاف الحكومي، "تلجأ إلى الاستثمار في توزيع المساعدات والإعانات، مما يعود عليها بحصد الأصوات".
وحملت رئيسة الحزب الاشتراكي، المسؤولية إلى الأحزاب السياسية في انتشار هذه الظاهرة، متهمة إياهم بـ"الانتهازية واستغلال العمل الإحساني، بدل القيام بالدور المنوط بها في تأطير المواطنات والمواطنين، وحثهم على المشاركة في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام".
وترى منيب أن استمرار التغاضي عن هذه الممارسات، "يعد من بين الأسباب التي تدفع المواطنين للعزوف عن المشاركة في الانتخابات، وأحد العوامل المساهمة في إفساد العملية الانتخابية بالمغرب".
كما تؤكد أن اقتناع الناخبين بجدية البرامج والمشاريع المجتمعية التي تقدمها الأحزاب أو المرشحين المستقلين، تبقى "المعيار الوحيد" لتحديد مرشحهم الأنسب، دون الحاجة إلى استمالة الأصوات بطرق غير قانونية.
الضرب في قيم الإحسان
وفي رده على الانتقادات التي طالت حزبه، اعتبر رئيس التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش، أن التعليقات المشككة في عمل مؤسسة جود للتنمية (القريبة من حزبه) "تندرج في إطار أجندة سياسية".
وقال أخنوش في فيديو نشر على مواقع التواصل الاجتماعي، إن "جود تشتغل منذ ما يقارب 5 سنوات، واليوم فقط أصبحت تتعرض للنقد مع اقتراب الانتخابات"، داعيا من يوجه "النقد الممنهج للمؤسسة بالنزول إلى الميدان والمساعدة".
كما استغرب الحزب في بيان لمكتبه السياسي، توقيت إثارة هذا الموضوع، لا سيما خلال ما اعتبرها "ظروف بينت حاجة المواطنين لمزيد من التضامن والتآزر".
كما ندد حزب التجمع الوطني للأحرار، بما وصفه "محاولة أطراف سياسية الضرب في قيم الإحسان والتضامن، عبر الابتزاز والإرهاب الفكري".
ورفضت مؤسسة "جود للتنمية" بدورها محاولات إقحامها في "صراع سياسي"، وأعلنت سعيها المتواصل ومنذ نشأتها، إلى "مواكبة مئات الجمعيات المحلية".
ووصفت المؤسسة في بيان، الجدل الدائر حول عملها الخيري بـ"الادعاءات اللامسؤولة لبعض الجهات السياسية التي تضرب في عمق العمل الاجتماعي والجمعوي".
وتستعر ظاهرة توظيف المبادرات الخيرية لأهداف سياسية، حسب المتابعين، خلال شهر رمضان، الذي يشهد ارتفاعا في وثيرة العمل الخيري والتضامني، خاصة خلال هذا العام في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي أفرزتها تداعيات فيروس كورونا.
ويفرض في المغرب على الجمعيات والمؤسسات الخيرية اتباع مسطرة الترخيص بالتماس الإحسان العمومي، عبر تقديم طلب لدى السلطات العمومية، التي ترسله بدورها إلى الأمين العام للحكومة، والذي يعرضه على لجنة خاصة قبل إبداء الرأي فيه ومنح الترخيص بالعمل الخيري.
ويقول المحلل السياسي والخبير في الشؤون البرلمانية، رشيد لزرق، إن "العمل السياسي المغلف بلباس العمل الخيري، يعد ممارسة غير مقبولة"، معتبرا أنه أصبح "ورقة توظفها قوى التدين السياسي على مدار السنة، مما شجع أحزاب أخرى على السير على منوالها".
ويضيف لزرق في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية": "اللجوء إلى أساليب من قبيل توظيف المال واستغلال الفقر والهشاشة، دليل على افتقار تلك الأحزاب لبرامج انتخابية واقعية ومقنعة، وعلى عدم احترامها لمبدأ التنافس السياسي الشريف، الذي يعد ركيزة من ركائز العملية الانتخابية".
ويلفت المتحدث إلى أن هذه الممارسات تعمل على تحويل الأحزاب إلى "مؤسسات انتخابوية، ينحصر هدفها في استمالة الأصوات بدل تقدم البدائل والحلول، خدمة لمصلحة المواطنين والمصلحة العامة للبلاد".
استغلال العوز والحاجة
ويستهدف بعض السياسيين الأحياء الشعبية والفئات المعوزة من أجل حشد الأصوات، حيث يترددون بشكل خاص على مثل هذه المناطق قبيل فترة الانتخابات، للتواصل مع المواطنين والإنصات إلى مشاكلهم ومطالبهم.
فيما يحرص آخرون خلال تلك الفترة، على ارتياد المطاعم الشعبية ومشاركة الأكل مع الفقراء، والتقاط الصور ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويؤكد لزرق أن بعض السياسيين "يعمدون في الفترة التي تسبق الاقتراع، إلى استخدام كل الوسائل المتاحة، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي، فيما بات يعرف بالشعبوية، عوضا عن التركيز على جوهر العمل السياسي، المتمثل في تقديم البدائل الواقعية والمشاريع الاجتماعية".
ويشدد المحلل السياسي، على أن بعض الأحزاب ذهبت إلى حدود "مناقضة مرجعيتها وهويتها، باستغلالها حاجة الناخبين وعدم إلمام البعض منهم بقواعد العمل السياسي لحصد أصواتهم".
ويشير إلى أن بعض تلك الأحزاب، خاصة ذات المرجعية الدينية، أصبحت "تمتلك خزانا انتخابيا من وراء العمل الإحساني والخيري".