السباحة نحو اسبانيا.. المغرب يواجه نوعا جديدا من الهجرة
00:51 - 02 مايو 2021في يوم عاصف من أيام شهر أبريل بمدينة الفنيدق، شمالي المغرب، ارتمى عشرات الشباب المغاربة دفعة واحدة في البحر، وقطعوا المسافة الفاصلة بين سواحل الفنيدق وسبتة الخاضعة لإسبانيا سباحة، وسط تصفيقات وهتافات شباب آخرين.
وقام الشباب بتوثيق ما حدث بكاميرات هواتفهم، فلم يكن المشهد من مسابقة في السباحة بل كان نوعا جديدا من أنواع الهجرة في المغرب.
ورغم سوء أحوال الطقس وبرودة مياه المتوسط في ذلك اليوم، ركب الشباب الذين قدر عددهم بـ70 شخصا، أمواج البحر العاتية، ليصل معظمهم إلى اليابسة، فيما لقي 2 منهم الحتف غرقا، قبل أن تتدخل السلطات الإسبانية لانتشال آخرين وإعادة 63 منهم إلى المغرب، حسب مصادر محلية.
وفتحت السلطات الأمنية في المغرب، بحثا مع 23 مرشحا للهجرة غير المشروعة تم تسليمهم من طرف المصالح الأمنية الإسبانية، بعدما وصلوا إلى "شاطئ تراخال" عن طرق المنفذ البحري لمدينة سبتة.
وباشرت الشرطة القضائية المغربية بحثا قضائيا للكشف عن جميع المتورطين المحتملين في تنظيم هذه العملية الجماعية للهجرة، وتحديد الخلفيات والظروف المحيطة بهذه القضية، والكشف عن ارتباطاتها المحتملة بشبكات تنشط في تنظيم الهجرة غير المشروعة.
وقد تصدت السلطات المحلية لمحاولة أخرى مشابهة للعبور سباحة نحو جيب سبتة، الذي لا تفصله عن سواحل مدينة الفنيدق سوى 5 كيلومترات.
نوع جديد من الهجرة
وتعد الهجرة سباحة بشكل جماعي نحو الضفة الأخرى من المتوسط، تطورا نوعيا على مستوى طرق الهجرة، حيث تقتصر غالبا الهجرة التقليدية على ركوب قوارب صغيرة، للعبور نحو سواحل إسبانيا، بمساعدة شبكات متخصصة في الهجرة السرية.
يقول رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان محمد بن عيسى، إن الأزمة الاقتصادية الناتجة عن إغلاق معبر باب سبتة ومنع التهريب، الذي كان يشكل متنفسا اقتصاديا وموردا لعدد كبير من الأسر، إضافة إلى الأزمة الاقتصادية الناتجة عن فيروس كورنا، سببان من بين الأسباب التي دفعت بهؤلاء الشباب لابتكار أساليب جديدة للهجرة.
ويعتقد بن عيسى، في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية"، أن إقدام الشباب على هذا النوع من الهجرة، يعود بالأساس لكون ذلك لا يكلفهم الكثير، عكس الأساليب التقليدية التي تتطلب الاستعانة بوسطاء ودفع مبالغ مالية.
ويرى الناشط الحقوقي أن هذه العوامل شجعت الشباب على ركوب الأمواج والمخاطرة بحياتهم، إلى جانب أشخاص آخرين كانوا من المتفرجين، قبل أن يقرروا الالتحاق بالمهاجرين دون أي تخطيط مسبق.
سياسة ترحيل المهاجرين
ويشير بن عيسى، إلى عوامل أخرى أفرزت هذا النوع الجديد من الهجرة، مثل الوضع الذي فرضه إغلاق الحدود لمنع انتشار كورونا، حيث كان بإمكان شباب المنطقة وقبل هذه المتغيرات، التنقل إلى مدينة سبتة دون الحاجة إلى الحصول على تأشيرة.
ويرى الناشط المدني والحقوقي، أن إقدام السلطات الإسبانية على تسليم من تمكنوا من العبور سباحة إلى شاطئ "تراخال" إلى السلطات المغربية، من شأنه أن يمنع تكرار عمليات مشابهة، متوقعا استمرار الطرق التقليدية التي تعتمد على استعمال زوارق مطاطية وأساليب أخرى.
وتجمع المغرب وإسبانيا اتفاقية للهجرة جرى توقيعها في مدريد سنة 1992، وتقضي بإعادة المهاجرين غير النظامين الذين استعملوا تراب أحد البلدين للوصول إلى البلد الآخر.
وبحسب بن عيسى، تتزايد محاولات الهجرة غير النظامية خلال هذه الفترة من العام وتستمر في الارتفاع إلى غاية فصل الصيف، وذلك بفعل تحسن الأحوال الجوية، المساعدة على نجاح عمليات الهجرة عبر البحر.
وفكك المغرب منذ بداية العام 2021 وإلى غاية 24 أبريل المنصرم، 24 شبكة تنشط في مجال الهجرة السرية، وأوقف 84 عضوا فيها، كما أوقف أزيد من 560 مرشحا للهجرة، أكثر من نصفهم مغاربة، بحسب المديرية العامة للأمن الوطني.
احتجاجات وبرامج تنموية
وشهدت مدينة الفنيدق قبل أشهر قليلة احتجاجات على الأوضاع الاقتصادية الناجمة عن توقف الأنشطة التجارية المرتبطة بـ"التهريب المعيشي" نتيجة إغلاق معبر باب سبة في ديسمبر 2019، والذي تسبب في أزمة اقتصادية تفاقمت مع قرار إغلاق الحدود للحد من تفشي فيروس كورونا.
ولتجاوز الأزمة الاقتصادية، أطلقت السلطات المحلية مشاريع إنمائية بهدف توفير فرص عمل للنساء اللائي كن يعملن في التهريب المعيشي وللشباب الذي فقدوا وظائفهم بسبب أزمة كورونا.
وقد استفاد حوالى 1200 ممن كانوا يعملون سابقا في "التهريب المعيشي" من مرحلة أولى لبرنامج للتوظيف، عبر إدماجهم في مجموعة من المصانع بالمنطقة منها المتخصصة في النسيج وإنتاج ألياف الأثواب.
وخصصت ميزانية تبلغ نحو 400 مليون درهم (45 مليون دولار) في إطار البرنامج المندمج للتنمية الاقتصادية لمنطقة "المضيق الفنيدق"، من أجل خلق مشاريع واستثمارات جديدة ستمكن من توفير فرص شغل لشباب المنطقة والحد من مشكل البطالة.
كما صادقت مؤخرا اللجنة الجهوية للتنمية البشرية بمحافظة طنجة تطوان الحسيمة (شمال)، على مقترحات بإنشاء 720 مشروعا، باعتمادات مالية إجمالية تفوق 295 مليون درهم (حوالى 33 مليون دولار).
يؤكد محمد بن عيسى أن البرامج الإنمائية التي تم وضعها سابقا في محافظة الشمال المغربي، كانت تركز بشكل أكبر على مدينة طنجة، وتستثني المدن المجاورة، وهو ما كان يحول دون استفادة جميع الشباب من تلك المشاريع والاستثمارات الضخمة.
ويشدد المتحدث على أن ما تتوفر عليه المنطقة من إمكانات اقتصادية وسياحية، وبنية تحتية بموصفات عالية علاوة على موقعها جغرافي استراتيجي، يؤهلها لتحقيقي إقلاع اقتصادي.
تعاون مغربي إسباني
ويعد معبرا سبتة ومليلية، شمال المغرب الخاظعان للإدارة الإسبانية، منفذين تقليديين يحاول عبرهما آلاف المهاجرين المغاربة والأفارقة المنحدرين من جنوب الصحراء، العبور سنويا نحو الضفة الأخرى.
ويجمع المغرب واسبانيا تعاون وثيق على المستوى الأمني واللوجستيكي، من أجل مكافحة الهجرة غير النظامية، وهو ما ساهم في خفض نسبة المهاجرين الذين استطاعوا العبور نحو إسبانيا بنسبة 45 في المئة، حسب ما أكد وزير الداخلية الإسباني، فرناندو غراندي مارلاسكا، في لقاء سابق جمعه بنظيره المغربي.
وقد حال الوضع الوبائي غير المستقر، إلى تأجيل اجتماع رفيع المستوى، كان من المقرر أن يجمع بين المغرب واسبانيا، ويناقش عدد من الملفات بين البلدين من أبرزها ملف الهجرة.
وكان تقرير لوكالة حماية الحدود والسواحل الأوروبية (فرونتكس) قد أكد أن عدد حالات الهجرة غير الشرعية لعبور الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي ومنها الحدود الإسبانية، قد تراجعت بنسبة 13 في المئة في عام 2020 مقارنة بالعالم الذي سبقه، وذلك راجع إلى تشديد القيود لمنع انتشار فيروس كورونا.
يؤكد المحامي والخبير في القانون الدولي والهجرة صبري لحو، أن المغرب واسبانيا يجمعهما تعاون متين في مجال الهجرة، حيث كانا من بين الدول الأولى التي عقدت اتفاقيات استراتيجية لاحتواء الهجرة غير الشرعية.
ويستطرد لحو في تصريح لـ"سكاي نيوز عربية"، أن البلدين وقعا اتفاقيات ثنائية تقضي بترحيل المهاجرين الذين يدخلون الدولتين بطرق غير قانونية، وكذلك اتفاقية لترحيل الأطفال غير المرفوقين، وهي "الاتفاقيات التي ينتقدوها الحقوقيون ويقولون إنها تمس بحقوق المهاجرين".
ويشير الخبير في الهجرة، إلى أن المغرب يعتبر من بين الدول القليلة في إفريقيا التي تتوفر على سياسة خاصة بالهجرة واللجوء، وهي السياسة التي مكنت من تسوية الوضعية القانونية للمهاجرين الأفارقة من دول إفريقا جنوب الصحراء داخل أراضيه، وإدماجهم في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالمملكة.