فنان مغربي يتحدى العنصرية.. ويكسر الصمت عن "الجسد الأسود"
06:27 - 14 أبريل 2021ما معنى أن تكون إنسانا أسودا بالمغرب؟ هذا هو السؤال الذي يؤرق الفنان التشكيلي المغربي مبارك بوحشيشي، الذي اختار للمرة الثانية على التوالي أن يكون موضوع لوحاته الجسد الأسود بالمغرب بكل الإكراهات والمشاكل وأوجه العنصرية التي تعترضه، والتي يتغاضى عنها الكل بالصمت والتجاهل، على الرغم من استمرار ترويج العديد من الكليشيهات النمطية للجسد الأسود والتي تعود إلى الاستعمار وكرسها المستشرقون.
"المرآة الصامتة" هو العنوان الذي اختاره مبارك بوحشيشي لمعرضه الجديد برواق "أتولييه 21" بالدار البيضاء، والمتواصل منذ 23 مارس الماضي إلى غاية 26 أبريل الجاري، الذي يقدم فيه 23 لوحة تشكيلية، بأحجام كبيرة ومتوسطة، وغالبيتها تضم بورتريهات لأجساد سوداء: نساء ورجال وأطفال، وأطراف من الجسم، بخلفيات صفراء على أوراق المطاط، تسلط الضوء على المعرض الذي ضج بالأسئلة المقلقة حول الجسد الأسود الحاضر الغائب وتمثله بالمغرب.
وعن الاشتغال على الجسد الأسود في لوحاته، يقول الفنان المغربي مبارك بوحشيشي في تصريح لـ "سكاي نيوز عربية"، إنه نابع من قناعته الأساسية بضرورة إماطة اللثام عن هذا الموضوع المسكوت عنه في المغرب، والتساؤل عن معنى أن تكون إنسانا أسودا اليوم بالمغرب، وهو السؤال الذي راوده منذ زمان في بلدته "أقا" بإقليم طاطا جنوب المغرب، ابتدأه بمعرض عام 2015 بالرباط بعنوان "الأيادي السوداء" ثم معرض "ذاكرة المادة"، وهي المعارض التي تنبش في الجسد الأسود وفي تمثيلاته بالمجتمع المغربي.
ويضيف بوحشيشي "نحن بحاجة إلى رسم صورنا، والابتعاد ما أمكن عن تلك الصور النمطية الكولونيالية التي قدمت الجسد الأسود بشكل فولكلوري فظيع، لهذا فأنا أحاول خلق هذه الصور، وأنطق بلسان مجموعة من الناس اللامرئيين، الذين يحسون بالغربة ولا معنى لمفاهيم تستعمل بكثرة مثل التسامح، ونحن ما زلنا لا نعرف كيف نعيش سويا، ولا نعترف بمشاكلنا الحقيقية، ولا ننظر إلى أنفسنا في المرآة. مازال المغاربة السود يعانون من "الخفاء"، ومازالوا غير حاضرين في الفضاء والنقاش العام، لا في السياسة ولا في التلفزيون، وهذا الأمر غير طبيعي، فهو يجردهم من ذواتهم، ويجعلهم عرضة للتمييز والعنصرية".
ويشير الفنان التشكيلي مبارك بوحشيشي إلى أن المعرض دعوة إلى العودة إلى الجذور الإفريقية وإلى هويتنا وتاريخنا، وعدم الانصياع للنموذج المتوسطي، الذي عمل بشكل كبير على نزع المغرب عن "إفريقيته" عبر تبييض تاريخه وهويته، هذا مع العلم أن تاريخه يحبل بشخصيات مهمة ذات بشرة سوداء، من مثل أمير الدولة المرابطية يوسف بن تاشفين، والسلطان مولاي إسماعيل سليل الأسرة العلوية، وآخرين.
ولأنه اتخذ من التشكيل مادة للترافع عن الجسد الأسود، فقد جعل من المادة المستعملة في لوحاته أيضا، زاوية للبحث والاستنطاق، ألا وهي المطاط، الذي يستخرج من إفريقيا، ويصنع في أوروبا، شأنه شأن الكثير من المواد، مثل القهوة والشوكولا المستخرجة من الكاكاو، ويقول إن تلك المواد كلها ذات أصول إفريقية، ولكنها بفعل الهيمنة يتم تبييضها، ولهذا اختار أن يستعمل أوراق المطاط الصفراء كخلفية للوحاته، لأن هذا اللون "يمكن أن يحذرنا من شيء ما، ومن الصور النمطية ومن التعليب المركب لماركة بانانيا، وكل الأشكال والصور التي قدم من خلالها الجسد الأسود، واستغل فيها أبشع استغلال".
ويؤكد بوحشيشي أن المادة التي استعملها في معرضه جاءت للتنديد بتلك الصور النمطية التي قدم بها الجسد الإفريقي الأسود، والرد على تلك الكليشيهات الكولونيالية عبر تقديم صور جديدة يحضر فيها التعدد الإثني والغنى الذي يميز المغرب، والذي عايشه منذ صغره، من "أقا" موطن الرأس إلى "تاحناوت" حيث يُدرس الفن ويعمل الآن، وتكسير الصمت المحيط بالجسد الأسود، الذي اختار له خلفية صفراء من المطاط التي تلقي الكثير من الضوء على سواد البشرة، كل ذلك بهدف، كما يقول: "مساءلة نظرتنا له، وحمولتنا الثقافية لهذا الجسد الذي أريد له في وقت من الأوقات أن يغيب أو يُغيب، لغاية طمس أحد عناصر هويتنا الجماعية المتعددة. ولهذا فأنا أتساءل من خلال معرضي: كيف يمكن أن نقدم "إفريقيتنا" أو انتماءنا الإفريقي اليوم؟ وكيف يمكن تجاوز هذه الإفريقية المرتبطة باللون؟".
وقد كان هذا الهاجس والبعد الإفريقي حاضرين أيضا لديه في كتاب جماعي بعنوان "الأفارقة"، صادر عام 2016 حتى قبل إعادة اندماج المغرب في الاتحاد الإفريقي، ساهم فيه إلى جانب ثلة من الباحثين والفنانين، وكان الهدف من ورائه كما يقول هو: "إعادة تخيل إفريقيا أخرى بشكل أكثر إنسانية إلى حد ما، خاصة بعد زحف العديد من المهاجرين من جنوب الصحراء إلى المغرب، واستقرارهم فيه بعدما تعثرت الهجرة إلى أوروبا، وهو ما جعل سؤال الهوية والانتماء الإفريقي يطرح بحدة، وجعل العديد من الممارسات الشيزوفرينية والعدائية تجاه الأفارقة تظهر بشكل كبير، وتكشف عن ازدواجية مضحكة لدى المغاربة، الذين نسوا فيها فجأة أنهم أفارقة".
ويشير إلى أن هذا الكتاب يتحدث أيضا عن الخفاء، وعن تغييب الحضور، وفيه تم الإعلان أن "الهوية الإفريقية لا تتمحور فقط حول لون البشرة، بل تتجاوز هذا التعريف الشكلي، وأن علينا أن نعمل جميعا، ومعاً، على إعادة تحديد وتعريف هذه الهوية".
وتجدر الإشارة إلى أن الفنان مبارك بوحشيشي، من مواليد مدينة أقا (إقليم طاطا جنوب المغرب) سنة 1975، حاصل على الباكالوريا في الفنون التشكيلية، وقام بتدريس مادة الفنون التشكيلية منذ أواسط تسعينيات القرن الماضي بكل من تزنيت وتاحناوت، ساهم في معارض جماعية وبينالات بالمغرب والخارج، من بينها بينالي الفن الإفريقي المعاصر بدمار عام 2018، ومتحف الحضارات بأوروبا والبحر الأبيض المتوسط عام 2017.