تحدى الإعاقة والتنمر.. قصة أول مخرج مصري أصم
22:10 - 05 مارس 2021في عامه الثاني، فوجئت والدة أحمد السمان بأنه أصم، وفي عامه الحالي يجلس الرجل الذي لم يعد طفلا، وعلى ظهره لافتة معلقة كُتب عليها بخط سحري "مخرج"، ليصبح أول مخرج سينمائي أصم في مصر، وما بين هذا وذاك قصة طويلة من التحدي.
يقول أحمد السمان لموقع "سكاي نيوز عربية"، إنه ولد بإعاقة الصمم، فهو لا يسمع ولا يتكلم، مضيفا: "عندما أخبر الطبيب والدته بذلك لم تصدق ولم تتقبل فكرة الإعاقة لابنها. ومع الوقت تأكدت رؤية الطبيب، لنبدأ رحلة العلاج مع طبيب آخر مختص بالتخاطب، وربما هذا الأمر ساعد بشكل كبير على تحسين النطق على الأقل".
لم يستطع السمان إكمال تعليمه، فالتنمر الذي واجهه صعّب عليه استكمال المهمة، وكان التحدي الأول الذي يخسره. ويشير السمان إلى أنه "قرر أن يصبح مختلفا بعد مشاهدته فيلم (بحب السيما) الذي تم عرضه في دور السينما عام 2005، والذي شكل صدمة له ودفعه منذ ذلك الحين لعشق الفن السابع".
بداية التجربة
رغم عزم السمان على الشروع في تعلم العمل الفني والسينمائي، حيث يتطلب ذلك دراسة ولو بسيطة تدعم الموهبة، فإن الأمر لم يكن سهلا لهذه الدرجة، إذ تعرض لحادث ترك أثرا في جسده، مما جعله يشعر بإحباط كبير، لكنه لم يتوقف وعمل في أكثر من مجال ليتمكن من الحصول على أموال تساعده على تحقيق حلمه.
كيف نتخطى محطات الحياة الصعبة؟
"يارب أنا غلط ولا صح.. دلني يارب".. محاكاة الفنان الكبير محمود حميدة في فيلم "بحب السيما"، كانت مكررة في حياة السمان، الذي ربما اقتبسها من الفيلم الذي ساهم في تغيير حياته، ليحصل على الإجابة في النهاية. ويقول: "نجحت في إنتاج أول فيلم بعد الحصول على عدة ورش سينمائية عام 2016".
بفخر شديد، يؤكد السمان أنه نجح فيما كان يرنو إليه، ليصبح مخرجا سينمائيا ينتج الأفلام بطريقة الـ"one man crew"، أو ما يعرف بـ"فريق الرجل الواحد".
ومع إنتاج فيلمه الثاني عام 2017، الذي تم عرضه في مهرجانات عدة صغيرة ومتوسطة، شجعه هذا الأمر على الاستمرار في مهمته وممارسة الأمر الأكثر قربا لقلبه.. الرجل الذي كان يتصور أنه بمثابة سحر أن تُعطى إشارة باليد فيبدأ العمل، أصبح هو نفسه الساحر الآن.
تحدي الإعاقة
يشير السمان إلى أن العمل بهذه الطريقة يجعله يبذل جهدا مضاعفا، إذ يرتدي سماعتين على سبيل المثال لتحسين السمع، فيما يواصل جلسات التخاطب، مما جعله يتكلم بشكل مفهوم حتى ولو صعب، لكن في النهاية تغطي سعادته وهو خلف الكاميرا على كل هذه المتاعب التي تنتهي بانتهاء العمل مكللا بالنجاح.
ويعكف السمان الآن على عمل فيلم وثائقي كبير يتناول سيرته الذاتية، وكيف تغلب على العديد من الصعوبات لتحقيق حلمه، مع كل التنمر الذي تعرض له، إلى جانب العوائق المالية التي كانت أكثر قوة من الإعاقة السمعية، لكن في الوقت نفسه يعطي أملا بأن الأماني لا تزال ممكنة.
وقد صنع أفلام قصيرة عدة بعد كل هذه الفترة، عرضت بعضها في مهرجانات دعم الأفلام ذات الميزانيات المنخفضة، لكن سعادته الكبيرة عندما علم أن أطفالا بنفس معاناته يشاهدونها. هذه الرسائل جعلته أكثر عزما على السير في طريقه، وربما تكون إجابة وافية على سؤاله منذ البداية: "دلني يا رب".
ومع ذلك لا تزال الصعوبات مستمرة، فيؤكد السمان فشله في الحصول على بطاقة الدعم التكاملية لذوي الإعاقة في مصر، على الرغم من حقه فيها، وذلك لشراء معدات تصوير تساعده في العمل الفردي، حيث تتحصل بعض الجهات الرسمية على دعم خاص لهذا النوع من الإنتاج السينمائي، ويرى أنه يستحقه فعلا كمنتج ومخرج ناشئ.
المعاناة المادية للسمان تظهر بعد طلبه المشاركة في مهرجان "ديتمولد السينمائي" بألمانيا، إذ لم يكن يمتلك حق التأشيرة، لكن مع موافقة المهرجان على مشاركته وعلمهم بحالته كان الرد واضحا: "عظيم يا أحمد أنك تصنع أفلاما"، ليتم منحه تأشيرة بعدها بوقت قليل، إلا أن ضيق الوقت لم يمكنه من السفر للمشاركة.
يتمنى السمان في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن يصبح رائدا لصناعة الأفلام التي تصور حياة ذوي الإعاقة، ليس في مصر فقط وإنما على مستوى الوطن العربي، خاصة وأن هذا النوع ليس موجودا بشكل مرضي لهذه الفئات، بينما ينتظر من فيلمه الوثائقي المقبل أن يسهم في توصيل رسائل هذه الفئات إلى المجتمع، وأن يحقق نجاحا بقدر تحدياتهم التي لا تنتهي.