المغرب.. تقنين القنب الهندي يخرج المزارعين من "الخوف"
08:17 - 26 فبراير 2021بعد سنوات طويلة من الجدل، يتجه المغرب إلى حسم موقفه بشأن زراعة القنب الهندي، حيث شرعت الحكومة في دراسة مشروع قانون لتقنين زراعة هذه النبتة لاستعمالات مشروعة، في مجالات الطب والصيدلة والصناعة، على أن تصادق عليه الخميس المقبل.
ويبقي النص على منع إنتاج وزراعة القنب الهندي لأغراض ترفيهية، حيث ينص على حظر زراعة النبتة، التي تحتوي على نسب عالية من مادة "رباعي هيدرو كانابينول" المعروفة اختصارا ب،(THC)، والتي تسمح باستخراج مخدر الحشيشة.
ورغم الحظر الذي يطبق منذ عهد الحماية الفرنسية، إلا أن نبتة القنب الهندي التي تحتوي على نسب عالية من مادة (THC) ظلت تزرع، بشكل غير قانوني، في مناطق الشمال على مساحة تقدرها المعطيات الرسمية بما يفوق 47 الف هكتارا.
ويعيش عشرات الالاف من الفلاحين وأسرهم من مدخول هذه الزراعة، التي يوجه منتوجها لتجار المخدرات بعيدا عن أعين السلطات المغربية.
وينص مشروع القانون على منح رخص للمزارعين من أجل مزاولة نشاطم بشكل قانوني وفي العلن، وأن يبعوا محصولهم لوكالة ستحدثها الدولة لتنظيم القطاع.
وتعلق آمال كبيرة على هذه الخطوة، لانتشال المزارعين من حالة الخوف الدائم، بسبب اشتغالهم في قطاع "خارج عن القانون"، خاصة وأن العديد منهم يطالبون منذ سنوات طويلة ببديل اقتصادي، يعفيهم من زراعة "جنوا منها كما كبيرا من المشاكل مقابل ربح زهيد" بحسب تصريحات عدد كبير منهم.
والزراعات المشروعة بحسب مشروع القانون هي: مجالات الطب والصيدلة والصناعة.
فرار من العدالة
يكشف محمد، مزارع من قبيلة صنهاجة، بإقليم الحسيمة شمالي المغرب، في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية" أن مزارعي القنب الهندي "يتهمون بممارسة نشاط محظور وربط صلات مع تجار وبارونات المخدرات".
وهذا الوضع "يجعلهم مطاردين ومحل ملاحقات قضائية"، بحسب المزارع الشاب الذي يضيف " نعيش خوفا دائما من الاعتقال، لذلك نتجنب مغادرة قرانا للذهاب لقضاء المصالح الإدارية، و أحيانا حتى لزيارة المستشفى".
ويقدر عدد المطاردين والمتابعين، بحوالي 30 ألفا، بحسب معطيات قدمها مؤخرا نور الدين مضيان برلماني عن حزب الاستقلال ومهتم بالملف.
وفي تعليق على مضامين مشروع القانون الذي سيجيز زراعة القنب الهندي لأغراض مشروعة، عبر شريف إدرداك رئيس جمعية صنهاجة الريف عن قلقه من إمكانية انعكاس هذه الخطوة سلبا على دخل المزارعين الذين يخشون من ضعف المردودية.
ويعلل الفاعل الجمعوي موقفه في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية" بالتأكيد على أن النبتة التي يشير إليها مشروع القانون والمستعملة في أغراض طبية وصناعية، هي نبتة جديدة تحتاج لأراض ممتدة وخصبة، وهو ما "تفتقر إليه منطقة صنهاجة، حيث المساحات صغيرة وجبلية".
ويخلص المتحدث إلى أن المزارعين ليسوا ضد التقنين، وإنما "يطالبون ببديل منصف يضمن العيش الكريم، بعد سنوات من التهميش وضعف التنمية الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة".
ومما يثير قلق المزارعين الشروط والعقوبات التي يتضمنها مشروع القانون، كشرط ملكية الأراضي للحصول على الترخيص بالزراعة، وإجبارية تسليم المحاصيل لشركات التصنيع والتصدير، لأن ذلك "قد يعطي الأفضلية لمزارعي المناطق الشاسعة والخصبة على حساب المناطق الجبلية الوعرة".
وفي هذا السياق طالب إدرداك بتقليص المساحات المزروعة بنبتة القنب الهندي وإصدار عفو عن المزارعين قبل الحديث عن أي تقنين.
تطلع تغيير الأوضاع
ومن منزله بضواحي تاونات، شمالي المغرب، وهي منطقة التحقت قبل سنوات بالمجال الجغرافي لزراعة القنب الهندي، يؤكد المزارع أحمد، أنه يتطلع إلى أن تسهم خطوة تقنين زراعة القنب الهندي، في "الانهاء مع عهد الخوف والقلق" عبر تمكين المزارعين من الحصول على الترخيص لمزاولة نشاطهم بكل حرية وفي إطار القانون.
وأشار أحمد إلى وجود مبالغات كثيرة حول الدخل "الخيالي" لمزارعي القنب الهندي وعلاقاتهم ببارونات المخدرات، مؤكدا أن "الأرباح التي يجنيها المزارع البيسط تبقى هزيلة جدا مقارنة مع ما يربحه التجار خاصة، أولئك الذين يهربون البضاعة نحو الخارج". وتضبط السلطات المغربية أطنانا من المخدرات الموجهة نحو التصدير خاصة إلى أوربا، وضبطت السنة الماضية فقط نحو 217 طنا من مخدر الحشيشة.
وفي هذا السياق، اعتبر شكيب الخياري، مُنسق الائتلاف المغربي من أجل الاستعمال الطبي والصناعي للقنب الهندي، أن مشروع قانون تقنين زراعة القنب الهندي، سيخرج الفلاحين من حلقة الاتجار غير المشروع بالمخدرات.
كما سيمكنهم، بحسب الخياري، من إيجاد زبون "قانوني" بعيدا عن تجار المخدرات والمهربين، مشيرا بهذا الصدد، إلى الوكالة الوطنية التي ستحدثها الحكومة من أجل اقتناء المنتوجات وتنظيم القطاع.
ويوضح رئيس الائتلاف، الذي كان من السباقين سنة 2007 إلى المطالبة بالتقنين، أن مشروع القانون سيخلص الفلاحين من "وضعية الابتزاز والتهديد" في ظل المتابعات القضائية بحق عدد كبير منهم، و"هو الأمر الذي ينعكس سلبا على الوضعية الاجتماعية والاقتصادية للسكان".
أما عن الوقع الإقتصادي، فيؤكد شكيب الخياري في تصريح لموقع "سكاي نيوز العربية" أن الحكومة بحاجة لمزيد من الوقت للقيام بدراسات معمقة ودقيقة حول الآفاق الاقتصادية التي يمكن أن تدرها هذه التجارة، خاصة في ظل وجود منافسة عالمية في هذا المجال.
استغلال الفرص
وبحسب وزارة الداخلية التي أعدت النص، فإن المشروع يطمح إلى استغلال "الفرص التي تتيحها السوق العالمية للقنب الهندي المشروع"، و"تحسين دخل المزارعين وحمايتهم من شبكات التهريب الدولي للمخدرات".
من جانبه، يرى جلال توفيق العضو بالهيئة الدولية لمراقبة المخدرات، أن هذا التقنين لن يعود على المغرب "بأموال طائلة كما يظن البعض"، لأن الأمر يحتاج في البداية إلى معرفة التكلفة وحجم وجودة الانتاج.
ويرى توفيق في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية" أن تنفيذ مشروع القانون على أرض الواقع، يتطلب إمكانات بشرية ومالية وترسانة قانونية من أجل التمكن من توفير بديل للمزارعين وضمان "عدم لجوءهم، مجددا، إلى تجار المخدرات الذين سيجدون دوما مكانا وطريقة لمزاولة نشاطهم، كما يحدث في أنحاء مختلفة من العالم".